۱۳.دلائل النبوّة لأبي نعيم عن الزهريـ في ذِكرِ ما جَرى بَينَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وبَينَ الأَوسِ وَالخَزرَجِ وكَلامِهِ مَعَهُم ـ :فَمَرَّ العَبّاسُ بنُ عَبدِ المُطَّلِبِ وهُوَ يُكَلِّمُهُم ويُكَلِّمونَهُ ، فَعَرَفَ صَوتَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَقالَ : ابنَ أخي ! مَن هؤُلاءِ الَّذينَ عِندَكَ ؟ قالَ : يا عَمِّ ، سُكّانُ يَثرِبَ ؛ الأَوسُ وَالخَزرَجُ ، فَدَعَوتُهُم إلى ما دَعَوتُ إلَيهِ مِن قَبلِهِم مِنَ الأَحياءِ ، فَأَجابوني وصَدَّقوني ، وذَكَروا أنَّهُم يُخرِجونَني إلى بِلادِهِم .
فَنَزَلَ العَبّاسُ بنُ عَبدِ المُطَّلِبِ وعَقَلَ راحِلَتَهُ ، ثُمَّ قالَ لَهُم : يا مَعشَرَ الأَوسِ وَالخَزرَجِ ، هذَا ابنُ أخي وهُوَ أحَبُّ النّاسِ إلَيَ ، فَإِن كُنتُم صَدَّقتُموهُ وآمَنتُم بِهِ وأَرَدتُم إخراجَهُ مَعَكُم ، فَإِنّي اُريدُ أن آخُذَ عَلَيكُم مَوثِقا تَطمَئِنُّ بِهِ نَفسي ، ولا تَخذُلوهُ ولا تَغِرّوهُ ، فَإِنَّ جيرانَكُمُ اليَهودُ ، وَاليَهودُ لَهُ عَدُوٌّ ولا آمَنُ مَكرَهُم عَلَيهِ .
فَقالَ أسعَدُ بنُ زُرارَةَ وشَقَّ عَلَيهِ قَولُ العَبّاسِ حينَ اتَّهَمَ عَلَيهِ أسعَدَ وأَصحابَهُ ، قالَ : يا رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، ائذَن لَنا فَلنُجِبهُ غَيرَ مُخشِنينَ بِصَدرِكَ ولا مُتَعَرِّضينَ لِشَيءٍ مِمّا تَكرَهُ ، إلّا تَصديقا لِاءِجابَتِنا إيّاكَ وإيمانا بِكَ .
فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : أجيبوهُ غَيرَ مُتَّهَمينَ .
فَقالَ أسعَدُ بنُ زُرارَةَ وأَقبَلَ عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِوَجهِهِ ، فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، إنَّ لِكُلِّ دَعوَةٍ سَبيلاً ؛ إن لينٌ وإن شِدَّةٌ ، وقَد دَعَوتَ اليَومَ إلى دَعوَةٍ مُتَجَهِّمَةٍ ۱ لِلنّاسِ مُتَوَعِّرَةٍ عَلَيهِم ، دَعَوتَنا إلى تَركِ دينِنا وَاتِّباعِكَ عَلى دينِكَ ، وتِلكَ رُتبَةٌ صَعبَةٌ ، فَأَجَبناكَ إلى ذلِكَ ، ودَعَوتَنا إلى قَطعِ ما بَينَنا وبَينَ النّاسِ مِنَ الجِوارِ وَالأَرحامِ القَريبِ وَالبَعيدِ ، وتِلكَ رُتبَةٌ صَعبَةٌ ، فَأَجَبناكَ إلى ذلِكَ ، ودَعَوتَنا ـ ونَحنُ جَماعَةٌ في دارِ عِزٍّ ومَنَعَةٍ لا يَطمَعُ فيها أحَدٌ ـ أن يَرأَسَ عَلَينا رَجُلٌ مِن غَيرِنا قَد أفرَدَهُ قَومُهُ وأَسلَمَهُ أعمامُهُ ، وتِلكَ رُتبَةٌ صَعبَةٌ ، فَأَجَبناكَ إلى ذلِكَ .
وكُلُّ هؤُلاءِ الرُّتَبُ مَكروهَةٌ عِندَ النّاسِ ، إلّا مَن عَزَمَ اللّهُ عَلى رُشدِهِ ، وَالتَمَسَ الخَيرَ في عَواقِبِها ، وقَد أجَبناكَ إلى ذلِكَ بِأَلسِنَتِنا وصُدورِنا وأَيدينا ؛ إيمانا بِما جِئتَ بِهِ ، وتَصديقا بِمَعرِفَةٍ ثَبَتَت في قُلوبِنا ، نُبايِعُكَ عَلى ذلِكَ ونُبايِعُ رَبَّنا ورَبَّكَ ، يَدُ اللّهِ فَوقَ أيدينا ، ودِماؤُنا دونَ دَمِكَ ، وأَيدينا دونَ يَدِكَ ، نَمنَعُكُ مِمّا نَمنَعُ مِنهُ أنفُسَنا وأَبناءَنا ونِساءَنا ، فَإِن نَفِ بِذلِكَ فَلِلّهِ نَفي ، وإن نَغدِر فَبِاللّهِ نَغدِرُ ونَحنُ بِهِ أشقِياءُ ، هذَا الصِّدقُ مِنّا يا رَسولَ اللّهِ ، وَاللّهُ المُستَعانُ .
ثُمَّ أقبَلَ عَلَى العَبّاسِ بنِ عَبدِ المُطَّلِبِ بِوَجهِهِ فَقالَ : وأَمّا أنتَ أيُّهَا المُعتَرِضُ لَنا بِالقَولِ دونَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، وَاللّهُ أعلَمُ ما أرَدتَ بِذلِكَ ، ذَكَرتَ أنَّهُ ابنُ أخيكَ وَأَحَبُّ النّاسِ إلَيكَ ، فَنَحنُ قَد قَطَعنَا القَريبَ وَالبَعيدَ وذَا الرَّحِمِ ، ونَشهَدُ أنَّهُ رَسولُ اللّهِ أرسَلَهُ مِن عِندِهِ لَيسَ بِكَذّابٍ ، وإنَّ ما جاءَ بِهِ لا يُشبِهُ كَلامَ البَشَرِ . وأَمّا ما ذَكَرتَ أنَّكَ لا تَطمَئِنُّ إلَينا في أمرِهِ حَتّى تَأخُذَ مَواثيقَنا ، فَهذِهِ خَصلَةٌ لا نَرُدُّها عَلى أحَدٍ أرادَها لِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَخُذ ما شِئتَ .
ثُمَّ التَفَتَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، خُذ لِنَفسِكَ ما شِئتَ وَاشتَرِط لِرَبِّكَ ما شِئتَ .
فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : أشتَرِطُ لِرَبّي عز و جل أن تَعبُدوهُ ولا تُشرِكوا بِهِ شَيئا ، ولِنَفسي أن تَمنَعوني مِمّا تَمنَعونَ مِنهُ أنفُسَكُم وأَبناءَكُم ونِساءَكُم .
قالوا : فَذلِكَ لَكَ يا رَسولَ اللّهِ . ۲
1.تجهّمه : أي يلقاه بالغلظة ( النهاية : ج ۱ ص ۳۲۳ « جهم » ) .
2.دلائل النبوّة لأبي نعيم : ج ۱ ص ۳۰۲ ح ۲۲۶ ، كنز العمّال : ج ۱ ص ۳۲۶ ح ۱۵۲۵ .