13
الفصول المهمة في معرفة الائمة ج1

قَالُواْ رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَـمُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَ لاَ تَحْزَنُواْ وَ أَبْشِرُواْ بِالْجَنَّةِ الَّتِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ » 1 .
يمكن القول هذا بصراحة : إنّ ابن الصبّاغ المالكي يعتبر في الطليعة من المجاهدين الّذين حفظوا التراث الإسلامي والسنّة النبوية ، وخالطت آثاره حياة الاُمَّة ، وكانت كالنقش على حجر وظلّت في أعماق روحها كما يتذكّر الإنسان حبّه الطفلي الأوّل ، كان اسمه وأثره دائما في قلوبنا رمزا لهذا النوع المتميِّز من البشر ، الّذين استطاعوا أن يجسِّدوا في كلامٍ موجز وبحثٍ قليل ، أجمل وأنبل ما يمكن أن تجود به النفس الإنسانية من مشاعر في حبّ الحقّ والدفاع عنه والدعوة إليه .
هذا بالإضافة إلى حيوية اُسلوبه وبيانه الّذي لا يزال رطبا غضّا ، كأ نّه لم يكتبه منذ قرون بل كأ نّه كتبه في هذه الأيّام والساعات ، لأ نّه لا يزال قرعه للأسماع شديدا ، ووقعه في النفوس بليغا ، مع أ نّه مضى عليه قرون ، سلفت فيها اُممٌ ، وتعاقبت شعوبٌ ودول ، وتغيَّرت ظروفٌ وأحوال ، ولكن اُسلوبه الرصين الخالد الّذي استعمله لخدمة دينه واُمّته وبني قومه لم يتبدّل ولم يتغيّر ، لأ نّه استمدّه من روحه وقلبه ، ومن فكره وإخلاصه ، وعقله المستخمر بحبِّ الإمام أمير المؤمنين عليه السلام والأئمّة الهداة من ولده عليهم السلام .
حقّا أنّ نور الدين في اُسلوبه وبيانه الممتنع الجزل المفيد الوجيز لَيعكس في أذهاننا جميع عباراته ، بيراعه الخالد الّذي لا يُنسى وقعه ولا يُمحى أثره .
ولنعم ما قيل :

إنْ كنتَ من شيعة الهادي أبي حسن حقّا فأعدد لريب الدهر تجنافا
إنّ البلاءَ نصيبُ كلّ شيعته فاصبر ولا تكُ عند الهمّ منصافا
وهذا المعنى مأخوذٌ من قول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام : مَن أحبَّنا أهل البيت

1.فصّلت : ۳۰ .


الفصول المهمة في معرفة الائمة ج1
12

ناهيك عن الهتاف بعقيدته ، وإعلانها على رؤوس الأشهاد .
في ظروف حالكة وعهود قائمة والسلطة الحاكمة فيها قيد في الأيدي ، وعلى الأفواه والسجون والمنافي جعلت بيوتا ومأوى للفقهاء والعلماء والشعراء ، برغم هذا التعسّف كلّه يعمل نفر منهم جاهدا لإبادة الجهل والكفر والباطل ، وإزاحة الكابوس اللاعقائدي الّذي يهدف بمساندة أذنابه وعملائه إغراء الشعب ، ودفعه إلى أحضان الجهل والفساد ، وتفريق صفوفه وتمزيق شمله ، وفساد نظام مجتمعه ، وفصم عرى الاُخوّة الإسلامية ، وإثارة الأحقاد الخامدة ، وحشّ نيران الضغائن في نفوس الشعب الإسلامي ، ونفخ جمرة البغضاء والعداء المحتدم بين فرق المسلمين «يَـأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَآءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَآءٌ لِّمَا فِى الصُّدُورِ » 1 .
أجل ، لم تثن السجون والشهادة والتشريد وضرب السياط وإلصاق التهم عزائم قادة الدين الصحيح ، ولم تردعهم عن رسالتهم الصادقة ، وإنّما شقّوا عباب تلكم الظروف القاسية بالصبر والمثابرة والجهاد والمقاومة والبذل والمفاداة ، وحملوا راية المقاومة على جبهة الفكر الكريمة ، وحملوها عالية ، وإن سقطت واستشهدت دونها العشرات الفطاحل ، وهم بين فقيهٍ ومجتهد ، وعالمٍ ومؤلّف ، وأديبٍ وشاعر ، فبلَّغوا وأدُّوا رسالتهم ، وحكوا كلَّ شيءٍ لمن ألقى السمع وهو شهيد .
لقد استحوذ الحقُّ ، وتغلّب الواقع على هؤلاء العباقرة منذ نعومة أظفارهم ، وحلّت الهداية الإلهية في قلوبهم ، فرأوا أزهار الجهل والفساد الّتي كانت تنبت بكلِّ مكان تتحوَّل إلى أظافر وأنياب في لحومهم ، وفي جسم الشريعة الإسلامية ، فثاروا في سبيل الحقّ ، ونهضوا في الذبِّ عن الحقيقة .
والواقع أنّ الشعوب مدينة لهؤلاء المجاهدين المبدعين والأعلام النابهين ، الّذين كانوا في كلِّ دورٍ وعهدٍ مصدر المعرفة الإنسانية في آفاقها الّتي لا تحدّ «إِنَّ الَّذِينَ

1.يونس : ۵۷ .

  • نام منبع :
    الفصول المهمة في معرفة الائمة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    الغريري، سامي
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1379
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 22542
صفحه از 674
پرینت  ارسال به