73
عقيل ابن ابي طالب

الفصل الثالث : عقيل والمناقشات حوله

الأوّل

روي الكليني بسند صحيح عن محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : لمّا ولّى عليٌّ عليه السلام صعد المنبر، فحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ قال :«إنّي واللّه ، لا أرزؤكم ۱ من فيئكم درهما ما قام لي عَذْقٌ بيثرب، فليصدقكم أنفسكم ۲ ، أفتروني مانعا نفسي ومعطيكم؟»
قال : فقام إليه عقيل ، فقال له : واللّه لتجعلني وأسود بالمدينة سواءً.
فقال: «اجلس أما كان هاهنا أحدٌ يتكلّم غيرك، وما فضلك عليه إلاّ بسابقة أو بتقوى» . ۳
لمّا دوّن عمر الدوّاوين ورتّبها على ما يراه من السّابقة والعشيرة ، وخالف سيرة رسول اللّه صلى الله عليه و آله، وصار ذلك سببا لتغيير سنّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله في التّسوية بين المسلمين في الحقوق والأحكام، وصار سنّة عمر سنّة إسلاميّة جرى عليها الأُمور، فلمّا أراد عليّ عليه السلام رفع هذه البدعة والعمل على سيرة رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعد أن ألف النّاس هذه الميزة والاختلاف، صعب عليهم ذلك واعترضوا عليه ۴ ، ولكن عقيلاً بادر على إظهار الخلاف على ما في هذه الصّحيحة، وأظهره طلحة والزّبير وجمع آخر قولاً وعملاً كما هو واضح .
والحديث في الاختصاص : وقام خطيبا بالمدينة حين ولي فقال : يا معشر المهاجرين والأنصار يا معشر قريش اعلموا واللّه ، أنّي لا ارزؤكم من فيئكم شيئا ما قام لي عذقٌ بيثرب، أفتروني مانعا نفسي وولدي ومعطيكم، ولأسوينّ بين الأسود والأحمر؟
فقام إليه عقيل بن أبي طالب فقال : لتجعلني وأسود من سودان المدينة واحدا.
فقال له: اجلس ـ رحمك اللّه تعالى ـ : أما كان هاهنا من يتكلّم غيرك؟ وما فضلك عليهم إلاّ بسابقة أو تقوى . ۵
وهذان الحديثان يفيدان تأثّر عقيل في السّنّة العمريّة في الميزة القوميّة، ومبادرته إلى ما أظهره من توهّمه وتخيّله، ولكنّه لم يسلك طريقا سلكه المخالفون، ولم يتبع منهجهم في تحزّبهم وعصيانهم وطغيانهم، بل أسلم وأطاع .
وكان أمير المؤمنين عليه السلام يراعي فقر عقيل، ويلاحظ جانبه ويعطيه من ماله . روي عن عبد اللّه بن محمّد بن الحنفيّة ، عن أبيه قال : كان أبي رضى الله عنه إذا جاءت غلّته من ضياعه أخذ قوته لنفسه وقوت عياله وأمّهات أولاده، وأعطى الحسن والحسين قوتهما ، وأعطاني قوتي ، وأعطى من بلغ من ولده ، وأعطى عقيل وولده، وولد جعفر وأُمّ هانئ وولدها، وأعطى جميع ولد عبدالمطّلب ...الحديث . ۶
وعن أسماء بنت عميس ، قالت: حدّثتني أُمّ هانئ بنت أبي طالب ، قالت :
كان عليّ من أجود النّاس، لقد كان أبوه يوجّه معه باللَطَف إلى بعض أهله، فيقول: يا أبة، هذا قليل فزده. ثُمّ يأتي أُمّه فاطمة بنت أسد ، فيقول : يا أمّه زيدي عليه من نصيبي! فتفعل، ولقد كان يدفع إليه وإلى عقيل الشّيء يسوّى بينهما، فيميل عقيل عليه، ويقول له : أعطيت أنت أكثر ممّا أعطيت أنا! فيضعه [ على نصيبه ] بين يديه ، ويقول له : «خذ منه ما تريد» . ۷
هذا الحديث يفيد إيثار عليّ عليه السلام على عقيل من نصيبه، وهو طفل أو مراهق، فكيف إذا كان له عليه السلام مال وضياع وعقار وغلاّت .
هذا وفي كلام أمير المؤمنين عليه السلام على إملاق عقيل وفقره وإظهاره الفقر والبؤس عند أمير المؤمنين عليه السلام .
قال عليه السلام : «واللّه ، لقد رأيت عقيلاً أخي وقد أملق حتّى اسْتَماحني من بُرّكم صاعه، وعاودني في عشر وَسْق من شعيركم يُطعمه جياعه، ويكاد يُلوي ثالث أيّامه خامصا ما استطاعه، ورأيت أطفاله شُعْث الألوان من ضُرّهم، كأنّما اشمأزّت وجوههم من قُرّهم، فلمّا عاودني في قوله وكرّره أصغيت إليه سمعي، فغَرّه وظنّني أوتِغُ ديني، فاتّبع ما سَرّه أحميت له حديدة لينزجر إذ لا يستطيع منها دُنّوا ولا يصبر، ثُمّ أدنيتها من جسمه فضَجّ من ألمه ضجيج ذي دَنَف يئنّ من سَقَمه، وكاد يَسُبّني سفها من كَظْمه، ولحرقة في لَظَى أضنى له من عدمه، فقلت له : ثكلتك الثّواكل يا عقيل، أتئنُّ من حديدة أحماها إنسانها لَمدْعبه، وتَجرّني إلى نار سجّرها جبّارها من غضبه؟! أتئنّ من الأذى، ولا أئنّ من لظى» . ۸
وفي نهج البلاغة : «واللّه ، لقد رأيت عقيلاً وقد أملق حتّى استماحَني من بُرّكم صاعا، ورأيت صبيانَه شُعْثَ الشُّعور غُبْر الألوان من فقرهم، كأنّما سودّت وجوههم بالعظلم، وعاودني مؤكّدا، وكرّر عليَّ القول مردّدا، فأصغيت إليه سمعي فظنّ أنّي أبيعه ديني، واتّبع قياده مفارقا طريقتي، فأحميت له حديدة، ثُمّ أدنيتها من جسمه ليعتبر بها، فضجّ ضجيج ذي دَنَف من ألمها، وكاد أن يحترق من مِيسمها، فقلت له: ثكلتك الثّواكل يا عقيل، أتئنّ من حديدة أحماها إنسانها للعبه وتجرّني إلى نار سجَّرها جبّارها لغضبه! اتئنّ من الأذى ولا أئِنّ من لظَّىً . ۹ »
وفي نقل شرح الأخبار: فعرض عليه ما عنده فلم يقبضه، وقال : أعطني ما في يديك من مال المسلمين.
فقال له: «أمّا هذا فما إليه من سبيل، ولكنّي أكتب لك إلى مالي بينبع فتأخذ من».
قال: ما يرضيني من ذلك شيئا . ۱۰
وفي المشهور أنّه قال: «اصبر حتّى يخرج عطائي فأعطيك ».
وقال السّيد في الدّرجات الرّفيعة : فروى أنّ عليّا عليه السلام كان يعطيه في كلّ يوم ما يقوته وعياله، فطلب أولاده منه مريسا ۱۱ ، فجعل يأخذ كلّ يوم من الشّعير الّذي يعطيه أخوه قليلاً ويعزله، حتّى اجتمع مقدار ما جعل بعضه في التمر وبعضه في السّمن وخبز بعضه، وصنع لعياله مريسا، فلم تطب نفوسهم بأكله دون أن يحضر أمير المؤمنين، ويأكل منه فذهب إليه والتمس منه أن يأتي منزله فأتاه، فلمّا قدّم المريس بين يديه سأله عنه ، فحكى له كيف صنع، فقال عليه السلام :
«وهل كان يكفيكم ذاك بعد الّذي عزلتم منه؟»
قال: نعم. فلمّا كان اليوم الثّاني جاء ليأخذ الشّعير فنقص منه أمير المؤمنين عليه السلاممقدار ما كان يعزل كلّ يوم ـ وقال: ـ «إذا كان في هذا ما يكفيك فلا تجعل لي أن أعطيك أزيد من» فغضب من ذلك فحمى له أمير المؤمنين عليه السلام حديدة، ثُمّ قرّبها من خدّه وهو غافل فجزع من ذلك وتأوّه، فقال أمير المؤمنين :« ما لك تجزع من هذه الحديدة المحماة وتعرضني لنار جهنّم».
فقال عقيل: واللّه ، لأذهبنّ إلى من يعطيني تبرا ويطعمني بُرّ، ثُمّ فارقه وتوجّه إلى معاوية . ۱۲

1.قال الجوهرى : يقال ما رزأته ماله أي ما نقصته (الصحاح : ج ۱ ص ۵۳ ).

2.أي ارجعوا إلى أنفسكم وانصفوا وليقل أنفسكم لكم صدق في ذلك (مرآة العقول).

3.الكافي : ج ۸ ص ۱۸۲ ح۲۰۴، الاختصاص : ص ۱۵۱ نحوه، مرآة العقول : ج ۲۶، ص ۷۳ ـ ۷۲، ح ۲۰۴، بحار الأنوار : ج ۴۰ ص ۱۰۷ ح۱۱۷، مستدرك الوسائل : ج ۱۱ ص ۹۴ ح۱۰ .

4.راجع شرح نهج البلاغة : ج ۷ ص ۴۲ ـ ۴۳، بحار الأنوار : ج۳۲ ، ص ۲۲ . قال ابن أبي الحديد : فإن قلت: فإن أبا بكر قسّم بالسواء كما قسمه أمير المؤمنين عليه السلام، ولم ينكروا ذلك كما أنكروه أيّام أمير المؤمنين عليه السلام، فما الفرق بين الحالتين؟ قلت: إن أبا بكر قسم محتذيا لقسم رسول اللّه صلى الله عليه و آله، فلمّا ولي عمر الخلافة وفضّل قوما على قوم ألفوا ذلك، ونسوا تلك القسمة الأولى، وطالت أيّام عمر، وأشربتْ قلوبهم حبّ المال وكثرة العطاء ... .

5.الاختصاص : ص ۱۵۱، بحار الأنوار : ج ۴۰ ص ۱۰۷ ح۱۱۷، نهج السعادة : ج ۱ ص ۲۱۲ .

6.المناقب للكوفي : ج ۲ ص ۶۸ الرقم۵۵۲ .

7.المناقب للكوفي : ج ۲ ص ۶۹ الرقم۵۵۳ .

8.الأمالي للصدوق : ص ۷۲۰ ح۹۸۸، المناقب لابن شهر آشوب : ج ۲ ص ۱۰۹، بحار الأنوار : ج ۴۰ ص ۳۴۷ ح۲۹ ؛ شرح نهج البلاغة : ج ۱۱ ص ۲۴۵ .

9.نهج البلاغة : الخطبة ۲۲۴، بحار الأنوار : ج ۷۵ ص ۳۵۹ ح۷۶ ؛ حلية الأبرار : ج ۲ ص ۲۰۰ .

10.شرح الأخبار: ج ۳ ص ۲۴۱ ح ۱۱۴۸.

11.المريس : الثريد ، تمر يمرّس في اللبن أو السمن . (لسان العرب : ج ۶ ص ۲۱۶).

12.الدّرجات الرفيعة : ص ۱۵۸ .


عقيل ابن ابي طالب
72

2/17

حبّ عليّ بن الحسين عليه السلام لأولاد عقيل

في كامل الزّيارات: عن محمّد بن جعفر الرزاز، عن خاله محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب الزيّات، عن عليّ بن أسباط، عن إسماعيل بن منصور، عن بعض أصحابنا ، قال: أشرف مولى لعليّ بن الحسين عليهماالسلام وهو في سقيفة له ساجد يبكي، فقال له : يا مولاي يا عليّ بن الحسين أما آن لحزنك أنْ ينقضي ـ إلى أنْ قال : ـ وكان عليّ بن الحسين عليهماالسلام يميل إلى ولد عقيل، فقيل له : ما بالك تميل إلى بني عمّك هؤلاء دون آل جعفر؟
فقال :
«إنّي أذكر يومهم مع أبي عبد اللّه الحسين بن عليّ عليهماالسلام فأرقّ لهم» . ۱

1.كامل الزيارات : ص ۲۱۳ ح۳۰۷ .

  • نام منبع :
    عقيل ابن ابي طالب
    سایر پدیدآورندگان :
    فرجی، مجتبی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1383
    نوبت چاپ :
    اوّل
تعداد بازدید : 28575
صفحه از 130
پرینت  ارسال به