267
الدنيا و الاخرة في الكتاب و السنة

في بيان صفة الزهد :
الزُّهدُ كُلُّهُ بَينَ كَلِمَتَينِ مِنَ القُرآنِ ، قالَ اللّهُ سُبحانَهُ :«لِكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَا ءَاتَاكُمْ» .۱
وما قدّمناه في بيان الزهد وفرقه عن الصبر ، تجد خلاصته في قول أمير المؤمنين عليه السلام النَّيّر :
إنَّمَا النّاسُ ثَلاثٌ : زاهِدٌ ، وراغِبٌ ، وصابِرٌ . فَأَمَّا الزّاهِدُ فَلا يَفرَحُ بِالدُّنيا إذا أتَتهُ ، ولا يَحزَنُ عَلَيها إذا فاتَتهُ ، وأمَّا الصّابِرُ فَيَتَمَنّاها بِقَلبِهِ ، فَإِن أدرَكَ مِنها شَيئا صَرَفَ عَنها نَفسَهُ لِعِلمِهِ بِسوءِ العاقِبَةِ ، وأمَّا الرّاغِبُ فَلا يُبالي مِن حِلٍّ أصابَها أم مِن حَرامٍ.۲

ثانيا ـ علامات الزهد

تعرّضت الروايات الإسلاميّة لبيان علامات الزهد والزهّاد ؛ وذلك للحيلولة دون ادّعاء البعض الزهادةَ وعدم الرغبة في الدُّنيا ، وكذلك لأجل تشخيص مدّعي الزهادة كذبا .
ومعرفة تلك العلامات لها أهمّيّة بالغة ، بحيث تحدّثت عنها جميع الروايات الواردة في الزهد ۳ ـ عدا واحدة منها فقد عرّفت الزهد بحقيقته التي هي عدم الرغبة في الدنيا ۴ .
ولعلّ أبسط علامات الزهد هي قلّة الاستهلاك ، حيث إنّنا لا يمكن أن نتصوّر إنسانا لا يشتهي طعاما معيّنا ـ مثلاً ـ ثمّ يأكل منه كثيرا . وقد تقدّم في المعنى

1.راجع : ص۲۷۸ ح۸۰۳ .

2.راجع : ص۲۷۸ ح۸۰۵ .

3.راجع : ص۲۷۹ (علامات الزهد) .

4.راجع : ص ۲۷۷ (معنى الزهد / ضدّ الرغبة) .


الدنيا و الاخرة في الكتاب و السنة
266

عدم الرغبة القلبيّة في اللذائذ التي تسبّب الضرر للإنسان.
ولتوضيح هذا المطلب نقول : إنّ الإنسان يرغب أحيانا في عملٍ ما ، لكنّ عقله يردعه عن أدائه لما فيه من الضرر ، فيمتنع الإنسان منه مع رغبته القلبيّة فيه ، وهذا الفعل يسمّى الصبر ، والذي يستطيع أن يضبط نفسه أمام ما يشتهي يسمّى صابرا ؛ لأنّه استطاع أن يقاوم رغباته الطبيعيّة وميوله القلبيّة ، وتلك فضيلة لا تُباهى ومكرمة لا تُضاهى ، قال أمير المؤمنين عليه السلام :
ما أحسَنَ بِالإِنسانِ أن يَصبِرَ عَمّا يَشتَهي . ۱
ولمّا قال له رجلٌ : عظني يا أمير المؤمنين ، قال عليه السلام :

اُترُك لِما تَبقى ما تَشتَهي أبَدا كَفى بِمَن عَفَّ عَمّا يَشتَهي كَرَما۲

لكن يجب الانتباه إلى أنّ مثل هذا الإنسان يمتنع عن رغباته بفضيلة الصبر وليس بفضيلة الزهد ؛ لأنّ الزهد درجة أعلى من الصبر ، إنّ الزهد عبارة عن غلبة عدم الرغبة القلبيّة في اللذائذ الضارّة على القلب بحيث تقع الرغبة الطبيعيّة تحت سيطرته ، فحينئذٍ لا يحتاج الزاهد في امتناعه عن اللذائذ الضارّة إلى الصبر والمقاومة ؛ لأنّه لا يشعر في وجوده بميل إليها ، ويشير أمير المؤمنين عليه السلام إلى هذه الفضيلة العظمى بقوله :
ما أحسَنَ بِالإِنسانِ ألاّ يَشتَهِيَ ما لا يَنبَغي . ۳
وحينما يصل الإنسان إلى هذه المرتبة العالية فإنّه يصبح زاهدا ، ولا يبالي بإقبال الدنيا أو إدبارها ، فلا يفرح بإقبالها ولا يحزن على إدبارها ، يقول أمير المؤمنين عليه السلام

1.غرر الحكم : ح ۹۶۴۸ ، عيون الحكم والمواعظ : ۴۷۹ .

2.شرح الأخبار : ج۲ ص۳۸۲ ح۷۴۱ .

3.غرر الحكم : ح۹۶۴۹ ، عيون الحكم والمواعظ : ص ۴۷۹ ح ۸۸۰۶ وفيه «أجمل» بدل «أحسن» .

  • نام منبع :
    الدنيا و الاخرة في الكتاب و السنة
    سایر پدیدآورندگان :
    الموسوي، السيد الرسول
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 53465
صفحه از 520
پرینت  ارسال به