369
الدنيا و الاخرة في الكتاب و السنة

۱۱۶۴.ربيع الأبرار :كانَ نوحٌ عليه السلام في بَيتٍ مِن شَعرٍ ألفا وأربَعَمِئَةِ سَنَةٍ ، فَكُلَّما قيلَ لَهُ : يا رَسولَ اللّهِ ، لَوِ اتَّخَذتَ بَيتا مِن طينٍ تَأوي إلَيهِ! قالَ : أنَا مَيِّتٌ غَدا فَتارِكُهُ . فَلَم يَزَل فيهِ حَتّى فارَقَ الدُّنيا . ۱

۱۱۶۵.الإمام عليّ عليه السلام ـ في خُطبَةٍ لَهُ ـ :ولَقَد كانَ في رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله كافٍ لَكَ فِي الاُسوَةِ ، ودَليلٌ لَكَ عَلى ذَمِّ الدُّنيا وعَيبِها ، وكَثرَةِ مَخازيها ومَساويها ، إذ قُبِضَت عَنهُ أطرافُها ، ووُطِّئَت لِغَيرِهِ أكنافُها ۲ ، وفُطِمَ عَن رَضاعِها ، وزُوِيَ عَن زَخارِفِها .
وإن شِئتَ ثَنَّيتُ بِموسى كَليمِ اللّهِ ـ صَلَّى اللّهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ إذ يَقولُ : «رَبِّ إِنِّى لِمَا أَنزَلْتَ إِلَىَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ»۳ ، وَاللّهِ ما سَأَلَهُ إلاّ خُبزا يَأكُلُهُ ؛ لاِءَنَّهُ كانَ يَأكُلُ بَقلَةَ الأَرضِ . ولَقَد كانَت خُضرَةُ البَقلِ تُرى من شَفيفِ صِفاقِ بَطنِهِ ؛ لِهُزالِهِ وتَشَذُّبِ لَحمِهِ .
وإن شِئتَ ثَلَّثتُ بِداوودَ ـ صَلَّى اللّهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ـ صاحِبِ المَزاميرِ وقارِىَء أهلِ الجَنَّةِ ، فَلَقَد كانَ يَعمَلُ سَفائِفَ الخوصِ بِيَدِهِ ، ويَقولُ لِجُلَسائِهِ : أيُّكُم يَكفيني بَيعَها؟ ويَأكُلُ قُرصَ الشَّعيرِ مِن ثَمَنِها .
وإن شِئتَ قُلتُ في عيسَى بنِ مَريَمَ عليه السلام ، فَلَقَد كانَ يَتَوَسَّدُ الحَجَرَ ويَلبَسُ الخَشِنَ ويَأكُلُ الجَشِبَ . وكانَ إدامُهُ الجوعَ ، وسِراجُهُ بِاللَّيلِ القَمَرَ ، وظِلالُهُ فِي الشِّتاءِ مَشارِقَ الأَرضِ ومَغارِبَها ، وفاكِهَتُهُ ورَيحانُهُ ما تُنبِتُ الأَرضُ لِلبَهائِمِ . ولَم تَكُن لَهُ زَوجَةٌ تَفتِنُهُ ، ولا وَلَدٌ يَحزُنُهُ ، ولا مالٌ يَلفِتُهُ ، ولا طَمَعٌ يُذِلُّهُ . دابَّتُهُ رِجلاهُ ، وخادِمُهُ يَداهُ .

1.ربيع الأبرار : ج ۱ ص ۳۳۷ .

2.الكَنَفُ : الجانب (الصحاح : ج ۴ ص ۱۴۲۴ «كنف») .

3.القصص : ۲۴ .


الدنيا و الاخرة في الكتاب و السنة
368

وشِعارِيَ الخَوفُ ، ولِباسِيَ الصّوفُ ، ودابَّتِي رِجلايَ ، وسِراجي بِاللَّيلِ القَمَرُ ، وصَلائي ۱ فِي الشِّتاءِ مَشارِقُ الشَّمسِ ، وفاكِهَتي ما أنبَتَتِ الأَرضُ لِلأَنعامِ ، أبيتُ ولَيسَ لي شَيءٌ ، ولَيسَ أحَدٌ أغنى مِنّي .
أو سُلَيمانَ بنَ داوودَ عليه السلام وما اُوتِيَ مِنَ المُلكِ ؛ إذ كانَ يَأكُلُ خُبزَ الشَّعيرِ ، ويُطعِمُ أهلَهُ الحِنطَةَ ، وإذا جَنَّهُ اللَّيلُ لَبِسَ المُسوحَ ، وغَلَّ يَدَهُ إلى عُنُقِهِ ، وباتَ باكِيا حَتّى يُصبِحَ ، ويُكثِرُ أن يَقولَ : رَبِّ إنّي ظَلَمتُ نَفسي كَثيرا ، وإلاّ تَغفِر لي وتَرحَمني أكُن مِنَ الخاسِرينَ ، لا إلهَ إلاّ أنتَ سُبحانَكَ إنّي كُنتُ مِنَ الظّالِمينَ .
فَهؤُلاءِ أنبِياءُ اللّهِ وأصفِياؤُهُ وأولِياؤُهُ ، تَنَزَّهوا عَنِ الدُّنيا ، وزَهِدوا فيما زَهَّدَهُمُ اللّهُ ـ جَلَّ ثَناؤُهُ ـ فيهِ مِنها ، وأبغَضوا ما أبغَضَ ، وصَغَّروا ما صَغَّرَ ، ثُمَّ اقتَصَّ الصّالِحونَ آثارَهُم وسَلَكوا مَناهِجَهُم ، وألطَفُوا الفِكَرَ ، وَانتَفَعوا بِالعِبَرِ ، وصَبَروا في هذَا العُمُرِ القَصيرِ عَن مَتاعِ الغُرورِ الَّذي يَعودُ إلَى الفَناءِ ، ويَصيرُ إلَى الحِسابِ .
نَظَروا بِعُقولِهِم إلى آخِرِ الدُّنيا ولَم يَنظُروا إلى أوَّلِها ، وإلى باطِنِ الدُّنيا ولَم يَنظُروا إلى ظاهِرِها ، وفَكَّروا في مَرارَةِ عاقِبَتِها ، فَلَم تَستَهِزَّهُم حَلاوَةُ عاجِلِها ، ثُمَّ ألزَموا أنفُسَهُمُ الصَّبرَ ، وأنزَلُوا الدُّنيا مِن أنفُسِهِم كَالمَيتَةِ الَّتي لا يَحِلُّ لاِءَحَدٍ أن يَشبَعَ مِنها إلاّ في حالِ الضَّرورَةِ إلَيها ، وأكَلوا مِنها بِقَدرِ ما أبقى لَهُمُ النَّفسَ وأمسَكَ الرّوحَ ، وجَعَلوها بِمَنزِلَةِ الجيفَةِ الَّتِي اشتَدَّ نَتنُها ، فَكُلُّ مَن مَرَّ بِها أمسَكَ عَلى أنفِهِ مِنها ، فَهُم يَتَبَلَّغونَ مِنها بِأَدنَى البَلاغِ ، ولا يَنتَهونَ إلَى الشِّبَعِ مِنَ النَّتنِ ، ويَتَعَجَّبونَ مِنَ المُمتَلىَء مِنها شِبَعا ، وَالرّاضي بِها نَصيبا . ۲

1.الصِّلاءُ : حَرّ النار (المصباح المنير : ص ۳۴۶ «صَلِيَ») .

2.دستور معالم الحكم : ص ۴۰ ؛ بحار الأنوار : ج ۷۳ ص ۱۱۰ ح ۱۰۹ .

  • نام منبع :
    الدنيا و الاخرة في الكتاب و السنة
    سایر پدیدآورندگان :
    الموسوي، السيد الرسول
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 61423
صفحه از 520
پرینت  ارسال به