87
الدنيا و الاخرة في الكتاب و السنة

ثُمَّ قالَ : حَدَّثَني أبي أنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قالَ : «اِبدَأ بِمَن تَعولُ ، الأَدنى فَالأَدنى» .
ثُمَّ هذا ما نَطَقَ بِهِ الكِتابُ رَدّا لِقَولِكُم ونَهيا عَنهُ مَفروضا مِنَ اللّهِ العَزيزِ الحَكيمِ ، قالَ : «وَ الَّذِينَ إِذَا أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَ لَمْ يَقْتُرُواْ وَ كَانَ بَيْنَ ذَ لِكَ قَوَامًا»۱ . أفَلا تَرَونَ أنَّ اللّهَ ـ تَبارَكَ وتَعالى ـ قالَ غَيرَ ما أراكُم تَدعونَ النّاسَ إلَيهِ مِنَ الأَثَرَةِ عَلى أنفُسِهِم ، وسَمّى مَن فَعَلَ ما تَدعونَ النّاسَ إلَيهِ مُسرِفا ، وفي غِيرِ آيَةٍ مِن كِتابِ اللّهِ يَقولُ : «إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ»۲ ؟ فَنَهاهُم عَنِ الإِسرافِ ونَهاهُم عَنِ التَّقتيرِ ولكِن أمرٌ بَينَ أمرَينِ ؛ لايُعطي جَميعَ ما عِندَهُ ، ثُمَّ يَدعُو اللّهَ أن يَرزُقَهُ فَلا يَستَجيبُ لَهُ ، لِلحَديثِ الَّذي جاءَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله :
«إنَّ أصنافا مِن اُمَّتي لايُستجابُ لَهُم دُعاؤُهُم : رَجُلٌ يَدعو عَلى والِدَيهِ . ورَجُلٌ يَدعو عَلى غَريمٍ ذَهَبَ لَهُ بِمالٍ فَلَم يَكتُب عَلَيهِ ولَم يُشهِد عَلَيهِ . ورَجُلٌ يَدعو عَلَى امرَأَتِهِ وقَد جَعَلَ اللّهُ تَخلِيَةَ سَبيلِها بِيَدِهِ . ورَجُلٌ يَقعُدُ في بَيتِهِ ويَقولُ : رَبِّ ارزُقني ؛ ولايَخرُجُ ولا يَطلُبُ الرِّزقَ ، فَيَقولُ اللّهُ لَهُ : عَبدي ، أ لَم أجعَل لَكَ السَّبيلَ إلَى الطَّلَبِ وَالضَّربِ فِي الأَرضِ بِجَوارِحَ صَحيحَةٍ فَتَكونَ قَد اُعذِرتَ فيما بَيني وبَينَكَ فِي الطَّلَبِ لاِتِّباعِ أمري ولِكَيلا تَكونَ كَلاًّ عَلى أهلِكَ ؟ فَإِن شِئتُ رَزَقتُكَ وإن شِئتُ قَتَّرتُ عَلَيكَ وأنتَ غَيرُ مَعذورٍ عِندي . ورَجُلٌ رَزَقَهُ اللّهُ مالاً كَثيرا فَأَنفَقَهُ ثُمَّ أقبَلَ يَدعو: يا رَبِّ ارزُقني ، فَيَقولُ اللّهُ : أ لَم أرزُقكَ رِزقا واسِعا؟ فَهَلاَّ اقتَصَدتَ فيهِ كَما أمَرتُكَ ولَم تُسرِف وقَد نَهَيتُكَ عَنِ الإِسرافِ . ورَجُلٌ يَدعو في قَطيعَةِ رَحِمٍ» .

1.الفرقان: ۶۷ .

2.الأنعام: ۱۴۱ .


الدنيا و الاخرة في الكتاب و السنة
86

تَأمُرونَ النّاسَ بِالخُروجِ مِن أموالِهِم حَتّى تَمَتَّعوا أنتُم مِنها؟
فَقالَ أبو عَبدِاللّهِ عليه السلام : دَعوا عَنكُم ما لا تَنتَفِعونَ بِهِ ، أخبِروني أيُّهَا النَّفَرُ ألكَمُ عِلمٌ بِناسِخِ القُرآنِ مِن مَنسوخِهِ ، ومُحكَمِهِ مِن مُتَشابِهِهِ ؛ الَّذي في مِثلِهِ ضَلَّ مَن ضَلَّ ، وهَلَكَ مَن هَلَكَ مِن هذِهِ الاُمَّةِ؟
فَقالوا لَهُ : أو بَعضِهِ ۱ ، فَأَمّا كُلُّهُ فَلا .
فَقالَ لَهُم : فَمِن هُنا اُتيتُم ! وكَذلِكَ أحاديثُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله . فَأَمّا ما ذَكَرتم مِن إخبارِ اللّهِ إيّانا في كِتابِهِ عَنِ القَومِ الَّذينَ أخبَرَ عَنهُم بِحُسنِ فِعالِهِم ، فَقَد كانَ مُباحا جائِزا ولَم يَكونوا نُهوا عَنهُ ، وثَوابُهُم مِنهُ عَلَى اللّهِ ، وذلِكَ أنَّ اللّهَ جَلَّ وتَقَدَّسَ أمَرَ بِخِلافِ ما عَمِلوا بِهِ فَصارَ أمرُهُ ناسِخا لِفِعلِهِم ، وكانَ نَهيُ اللّهِ ـ تَبارَكَ وتَعالى ـ رَحمَةً مِنهُ لِلمُؤمِنينَ ونَظَرا ؛ لِكَيلا يُضِرّوا بِأَنفُسِهِم وعِيالاتِهِم مِنهُمُ الضَّعَفَةُ الصِّغارُ وَالوِلدانُ وَالشَّيخُ الفاني وَالعَجوزُ الكَبيرَةُ الَّذينَ لايَصبِرونَ عَلَى الجوعِ ، فَإِن تَصَدَّقتُ بِرَغيفي ولارَغيفَ لي غَيرُهُ ضاعوا وهَلَكوا جوعا .
فَمِن ثَمَّ قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : «خَمسُ تَمَراتٍ أو خَمسُ قُرَصٍ أو دَنانيرُ أو دَراهِمُ يَملِكُهَا الإِنسانُ وهُوَ يُريدُ أن يُمضِيَها فَأَفضَلُها ما أنفَقَهُ الإِنسانُ عَلى والِدَيهِ ، ثُمَّ الثّانِيَةُ عَلى نَفسِهِ وعِيالِهِ ، ثُمَّ الثّالِثَةُ عَلى قَرابَتِهِ الفُقَراءِ ، ثُمَّ الرّابِعَةُ عَلى جيرانِهِ الفُقَراءِ ، ثُمَّ الخامِسَةُ في سَبيلِ اللّهِ ؛ وهُوَ أخَسُّها أجرا» .
وقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله لِلأَنصارِيِّ حينَ أعتَقَ عِندَ مَوتِهِ خَمسَةً أو سِتَّةً مِنَ الرَّقيقِ ولَم يَكُن يَملِكُ غَيرَهُم ولَهُ أولادٌ صِغارٌ : «لَو أعلَمتُموني أمرَهُ ما تَرَكتُكُم تَدفِنوهُ مَعَ المُسلِمينَ ، يَترُكُ صِبيَةً صِغارا يَتَكَفَّفونَ النّاسَ!» .

1.كلمة «أو» في قولهم : «أو بعضه» بمعنى بَلْ (مرآة العقول : ج ۱۹ ص ۷) .

  • نام منبع :
    الدنيا و الاخرة في الكتاب و السنة
    سایر پدیدآورندگان :
    الموسوي، السيد الرسول
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 61335
صفحه از 520
پرینت  ارسال به