89
الدنيا و الاخرة في الكتاب و السنة

وأمّا أبو ذَرٍّ فَكانَت لَهُ نُوَيقاتٌ وشُوَيهاتٌ يَحلُبُها ويَذبَحُ مِنها إذَا اشتَهى أهلُهُ اللَّحمَ ، أو نَزَلَ بِهِ ضَيفٌ ، أو رَأى بِأَهلِ الماءِ الَّذينَ هُم مَعَهُ خَصاصَةً ۱ نَحَرَ لَهُمُ الجَزورَ أو مِنَ الشِّياهِ عَلى قَدرِ ما يَذهَبُ عَنهُم بِقَرَمِ اللَّحمِ ۲ ؛ فَيَقسِمُهُ بَينَهُم ويَأخُذُ هُوَ كَنَصيبِ واحِدٍ مِنهُم لا يَتَفَضَّلُ عَلَيهِم .
ومَن أزهَدُ مِن هؤُلاءِ ، وقَد قالَ فيهِم رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ما قالَ ، ولَم يَبلُغ مِن أمرِهِما أن صارا لا يَملِكانِ شَيئا البَتَّةَ ، كَما تَأمُرونَ النّاسَ بِإِلقاءِ أمتِعَتِهِم وشَيئِهِم ويُؤثِرونَ بِهِ عَلى أنفُسِهِم وعِيالاتِهِم!
وَاعلَموا أيُّهَا النَّفَرُ أنّي سَمِعتُ أبي يَروي عَن آبائِهِ عليهم السلام : أنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قالَ يَوما : «ما عَجِبتُ مِن شَيءٍ كَعَجَبي مِنَ المُؤمِنِ ، إنَّهُ إن قُرِّضَ جَسَدُهُ في دارِ الدُّنيا بِالمَقاريضِ كانَ خَيرا لَهُ ، وإن مَلَكَ ما بَينَ مَشارِقِ الأَرضِ ومَغارِبِها كانَ خَيرا لَهُ ، وكُلُّ ما يَصنَعُ اللّهُ بِهِ فَهُوَ خَيرٌ لَهُ» ، فَلَيتَ شِعري هَل يَحيقُ ۳ فيكُم ما قَد شَرَحتُ لَكُم مُنذُ اليَومِ أم أزيدُكُم ؟
أ ما عَلِمتُم أنَّ اللّهَ قَد فَرَضَ عَلَى المُؤمِنينَ في أوَّلِ الأَمرِ أن يُقاتِلَ الرَّجُلُ مِنهُم عَشَرَةً مِنَ المُشرِكينَ لَيسَ لَهُ أن يُوَلِّيَ وَجهَهُ عَنهُم ، ومَن وَلاّهُم يَومَئِذٍ دُبُرَهُ فَقَد تَبَوَّأَ مَقعَدَهُ مِنَ النّارِ؟ ثُمَّ حَوَّلَهُم عَن حالِهِم رَحمَةً مِنهُ لَهُم ؛ فَصارَ الرَّجُلُ مِنهُم عَلَيهِ أن يُقاتِلَ رَجُلَينِ مِنَ المُشرِكينَ تَخفيفا مِنَ اللّهِ لِلمُؤمِنينَ ، فَنَسَخَ الرَّجُلانِ العَشَرَةَ .

1.الخَصَاصَةُ : الجُوع والضَّعف ، وأصلها الفقر والحاجة إلى الشيء (النهاية : ج ۲ ص ۳۷ «خصص») .

2.القَرَمُ : شِدّة شهوة اللحم حتّى لا يصبر عنه (النهاية : ج ۴ ص ۴۹ «قرم») .

3.في نسخة العلاّمة المجلسي قدس سره «يحقّ» بدل «يحيق» ، حيث قال في مرآة العقول : قوله عليه السلام : «هل يحقّ فيكم» أي يثبت ويستقرّ فيكم ، ويعتقدونه حقّا . قال الفيروزآبادي : حقَّ الأمر : وجب ووقع بلا شكّ ، لازم ومتعدٍّ ، انتهى . وفي بعض النسخ : «يحيق» أي يحيط بكم ويلزمكم ؛ من قوله : «حاق به» أي أحاط به ، و«حاق بهم الأمر» لزمهم ووجب عليهم . . . وهو تصحيف كما لا يخفى (مرآة العقول : ج ۱۹ ص ۱۰) .


الدنيا و الاخرة في الكتاب و السنة
88

ثُمَّ عَلَّمَ اللّهُ نَبِيَّهُ صلى الله عليه و آله كَيفَ يُنفِقُ ، وذلِكَ أنَّهُ كانَت عِندَهُ اُوقِيَّةٌ ۱ مِنَ الذَّهَبِ فَكَرِهَ أن يَبيتَ عِندَهُ فَتَصَدَّقَ بِها ، فَأَصبَحَ ولَيسَ عِندَهُ شَيءٌ ، وجاءَهُ مَن يَسأَلُهُ فَلَم يَكُن عِندَهُ ما يُعطيهِ ، فَلامَهُ السّائِلُ ، وَاغتَمَّ هُوَ حَيثُ لَم يَكُن عِندَهُ ما يُعطيهِ وكانَ رَحيما رَقيقا ، فَأَدَّبَ اللّهُ تَعالى نَبِيَّهُ صلى الله عليه و آله بِأَمرِهِ فَقالَ : «وَ لاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا»۲ يَقولُ : إنَّ النّاسَ قَد يَسأَلونَكَ ولا يَعذِرونَكَ ؛ فَإِذا أعطَيتَ جَميعَ ما عِندَكَ مِنَ المالِ كُنتَ قَد حَسَرتَ مِنَ المالِ .
فَهذِهِ أحاديثُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله يُصَدِّقُهَا الكِتابُ ، وَالكِتابُ يُصَدِّقُهُ أهلُهُ مِنَ المُؤمِنينَ .
وقالَ أبو بَكرٍ عِندَ مَوتِهِ حَيثُ قيلَ لَهُ : أوصِ ، فَقالَ : اُوصي بِالخُمُسِ ، وَالخُمُس كَثيرٌ ، فَإِنَّ اللّهَ تَعالى قَد رَضِيَ بِالخُمُسِ فَأَوصى بِالخُمُسِ ، وقَد جَعَلَ اللّهُ لَهُ الثُّلُثَ عِندَ مَوتِهِ ولَو عَلِمَ أنَّ الثُّلُثَ خَيرٌ لَهُ أوصى بِهِ .
ثُمَّ مَن قَد عَلِمتُم بَعدَهُ في فَضلِهِ وزُهدِهِ : سَلمانُ وأبو ذَرٍّ رَضِيَ اللّهُ عَنهُما ؛ فَأَمّا سَلمانُ فَكانَ إذا أخَذَ عَطاءَهُ رَفَعَ مِنهُ قوتَهُ لِسَنَتِهِ حَتّى يَحضُرَ عَطاؤُهُ مِن قابِلٍ ، فَقيلَ لَهُ : يا أبا عَبدِ اللّهِ ، أنتَ في زُهدِكَ تَصنَعُ هذا ، وأنتَ لا تَدري لَعَلَّكَ تَموتُ اليَومَ أو غَدا! فَكانَ جَوابُهُ أن قالَ : ما لَكُم لا تَرجونَ لِيَ البَقاءَ كَما خِفتُم عَلَيَّ الفَناءَ ؟ أ ما عَلِمتُم يا جَهَلَةُ أنَّ النَّفسَ قَد تَلتاثُ ۳ عَلى صاحِبِها إذا لَم يَكُن لَها مِنَ العَيشِ ما يَعتَمِدُ عَلَيهِ؟ فَإِذا هِيَ أحرَزَت مَعيشَتَهَا اطمَأَ نَّت .

1.الاُوقِيّة : أربعون درهما (الصحاح : ج ۶ ص ۲۵۲۷ «وقى») .

2.الإسراء: ۲۹ .

3.إنّ النفس قد تلتاث : أي تضطرب ولم تنبعث مع صاحبها (مجمع البحرين : ج ۳ ص ۱۶۵۵ «لوث») .

  • نام منبع :
    الدنيا و الاخرة في الكتاب و السنة
    سایر پدیدآورندگان :
    الموسوي، السيد الرسول
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 53685
صفحه از 520
پرینت  ارسال به