مع الكليني، و كتابه «الكافي» - صفحه 187

أما عصره الممتدّ ابتداء من النصف الثاني للقرن الثالث الهجري، وانتهاء بأواخر العقد الثالث من القرن الرابع الهجري، فقد كاد يكوّن منعطفاً حاسماً في تاريخ التدهور السياسيّ والتطوّر الفكريّ، إذ اتّسم ذلك العصر بحالتين متناقضتين، هما: الحالة السياسية التي شهدت انتكاسات خطيرة مُنِيَ بها الحكم العباسي بسبب ضعف السلطة المركزية. والحالة الفكرية التي وصلت إلى قمة النضج والعطاء بحيث أصبحت مؤلّفات ذلك العصر لا سيّما في الحديث والتفسير من اُمّهات المصادر الأساسية المعتمدة لدى المسلمين في العصور اللاحقة.
وخلاصة ذلك في الري من الناحية السياسية، أنّه تعاقبت على حكمها دُوَيلات محليّة نتيجة الضعف الذي دبّ في جسم الحكومة العباسيّة، مما أدّى ذلك إلى حصول شرخ كبير في قوّتها وهيبتها بحيث توزّعت دولة بني العباس على دويلات صغيرة متناحرة بعد قيام الحركات الانفصالية في مختلف الأمصار.
فصارت بلاد فارس والري وأصبهان بيد البويهيين، والموصل والجزيرة بيد الحمدانيين، ومصر والشام بيد طغج، والاندلس بيد الاُمويين، وخراسان بيد السامانيين، واليمامة وأعمال هجر والبحرين بيد القرامطة، وجرجان بيد الديلم. ولم يبق بيد (الخليفة) العباسيّ غير بغداد وبعض السواد ۱ ، فتعطّلت دواوين الدولة، وضعفت السلطة، وساد الفساد الإداريّ، وعمّ الفقر، وازدادت الرشوة، بل تعرّضت بغداد نفسها لمحاولات اجتياح خطيرة من بعض تلك الدويلات الصغيرة.
وفي ظلّ تلك الظروف المؤاتية للأطراف المتنازعة على حكم الريّ، شهدت الريّ صراعاً حادّاً بين تلك الأطراف للاستيلاء عليها ابتداء من الدولة الطاهرية التي أخضعت الريّ لنفوذها قبيل سنة (250هـ )، ثمّ الدولة العلويّة في طبرستان التي

1.مروج الذهب مج۲ ج۴ : ۲۹۴، واخبار الراضي والمتقي للصولي : ۴۹، وكتاب العيون والحدائق لمؤلف مجهول / ق۱ ۴ : ۲۹۸ / ۵۱۰ تحقيق عمر السعيدي، دمشق / ۱۹۷۲م.

صفحه از 264