۰.وكذلك قولك : عالمٌ ، إنّما نفيتَ بالكلمة الجهلَ وجعلتَ الجهلَ سواه ، وإذا أفنى اللّه ُ الأشياء أفنى الصورةَ والهجاءَ والتقطيعَ ، ولا يزالُ من لم يزل عالما» .
فقال الرجل : فكيف سَمَّيْنا رَبَّنا سميعا؟ فقال : «لأنّه لا يَخفى عليه ما يُدرَكُ بالأسماع ، ولم نَصِفْه بالسمع المعقولِ في الرأس؛ وكذلك سمّيناه بصيرا لأنّه لا يخفى عليه ما يُدرَكُ بالأبصار ، من لونٍ أو شخصٍ أو غير ذلك ، ولم نَصِفْهُ بِبَصَرِ لَحْظَةِ العين ؛ وكذلك سمّيناه لطيفا لعِلْمِه بالشيء اللطيف ، مثل البَعوضةِ وأخفى من ذلك ، وموضِعِ النشوءِ منها ، والعقلِ والشهوةِ للسَّفادِ والحَدَبِ على نَسْلِها ، وإقامِ بعضِها على بعضٍ ونَقْلِها الطعامَ والشرابَ إلى أولادِها في الجبالِ والمفاوِزِ والأوديةِ والقِفارِ ، فعَلِمْنا أنَّ خالِقَها لطيفٌ بلا
فمعنى القدرة فيه نفي العجز، لا صفةٌ وكيفيّة موجودة، فجعلتَ العجز مغايرا له، منفيّا عنه، ونفي المغاير عن الشيء مغايرٌ له كالمنفيّ عنه.
(وكذلك) إذا قلت (قولَك: عالم) إنّما نفيت بهذا القول الجهل، وجعلت الجهل منفيّا عنه، ونفيه عنه مغاير له، فمعانيها مغايرة للذات، وصورُها وألفاظها وأشكالها فانية، وهو سبحانه لم يزل ولا يزال قادر عالم بذاته، أي هو بذاته مناط نفي العجز والجهل، وهذه المعاني ـ التي ذاته مناط لها ـ ليست هي هو، فالعلم والقدرة بمعنى مناط نفي الجهل والعجز لا يغاير الذات. وأمّا مفهومات نفي الجهل والعجز فمغايرة للذات بلا شبهة، والعجزُ والجهل وأشباههما وإن كانت أعداما لكنّها أعدامُ ملكاتٍ لها حظٌّ من الثبوت، به يصحّ أن يُنفى أو يُثبت.
ثمّ سأل السائل عن كيفيّة التوصيف بالسمع، فقال: (فكيف سمّينا ربّنا سميعا؟) فقال عليه السلام : إنّ المراد بالسمع الموصوف هو به نفيُ خَفاء ما يدرَك بالأسماع عليه. وأمّا السمع الذي نعقله في الرأس فلم نصفه به، وكذلك التوصيف بالبصر فإنّما وصفناه بنفي خَفاء ما يدرَك بالأبصار عليه، ولم نصفه بالبصر بالنظر والالتفات بالعين.
ثمّ أفاد كيفيّة التوصيف باللطف، وأنّه لا كيف له إنّما سمّيناه لطيفا؛ لعلمه بالشيء اللطيف وعدم خَفائه عليه.