445
الحاشية علی اصول الكافي (النائيني)

۲.عليُّ بن محمّد، عن صالح بن أبي حمّاد ، عن الحسين بن يزيد ، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزةَ ، عن إبراهيمَ ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال :«إنَّ اللّه ـ تبارَكَ اسمُه وتعالى ذِكْرُه وجلَّ ثناؤُه ـ سُبحانَه وتَقَدَّسَ وتَفَرَّدَ وتَوَحَّدَ ، ولم يَزَلْ ولا يَزالُ ، وهو الأوَّلُ والآخِر ، والظاهِرُ والباطِنُ ، فلا أوّلَ لأوَّليّته ، رفيعا في أعلى عُلُوِّه ، شامِخُ الأركان ، رفيعُ البنيان ، عظيمُ السلطان ، منيفُ الآلاء ، سَنِيُّ العلياء ، الذي عَجَزَ الواصفونَ عن كُنْهِ صِفَتِه ،

قوله: (إنّ اللّه تبارك اسمه) أي تقدّس اسمه عن لحوق النقصان، وتعالى ذكره عن الوصف بما يليق بالإمكان، وجلّ ثناؤه سبحانه عن إحصاء الألسن وإحاطة الأذهان، وتقدّس عن الاتّصاف بما في بقعة الإمكان، وتفرّد بقدرته عن مشاركة الأعوان، وتوحّد بعزّ جلاله عن مجاورة الأمثال واتّخاذ الأزواج والولدان، وهو بذاته لم يزل ولا يزال لا بإحاطة الدهور والأزمان، وهو الأوّل الذي يُبتدأ منه وجود كلّ موجود، والآخِر الذي ينتهي إليه أمد كلّ معدود، والظاهر الغالب على الأشياء، والمحيط بها بقدرته وعلمه الشاملة، والباطن الذي لا يصل إليه ولا يحيط به إدراك الأوهام والعقول الكاملة، فلا أوّل لأوّليّته؛ لأزليّته.
وقوله: (رفيعا) منصوب على الحاليّة، أو على المدح (في أعلى علوّه ۱ ) أي: في علوّه الأعلى من الوصف والبيان، أو الأعلى من كلّ علوّ يصل إليه ويدركه الأوهام والأذهان، أو يعبّر عنه بالعبارة واللسان، وهو (شامخ الأركان) طويلِها وعاليها،

1.في حاشية «ت، م»: أي في علوّه الموصوف بأنّه الأعلى من كلّ علوّ يدرك أو يعبّر عنه. والمفضّل عليه غير مذكور، كما في المعنى الأوّل. وإضافة «أعلى» إلى «علوّه» من إضافة الصفة إلى الموصوف المجوّزة عند الكوفيين، أو بتأويل كما هو على مذهب البصريين. والمفضّل عليه المعبّر عنه بكلّ علوّ يصل إليه أو يدركه الأوهام والأذهان، يراد به كلّ علوّ يدرك بوجه من الوجوه لذهن من الأذهان، أو يعبّر عنه بعبارة ولسان كيفما كان، فإنْ حمل الإضافة إلى المفضّل عليه الذي هو علوّه ، لاستقام بلا تكلّف؛ لأنّ إضافة «العلوّ» إليه سبحانه لا تنافي كونه مدركا بوجه من الوجوه للأذهان والأوهام، أو معبّرا عنه بعبارة وافية بالدلالة على المرام (منه سلّمه اللّه تعالى).


الحاشية علی اصول الكافي (النائيني)
444

۰.على أن يُبيِّنوا التوحيدَ بمثل ما أتى به ـ بأبي واُمّي ـ ما قَدَروا عليه ، ولولا إبانته عليه السلام ما عَلِمَ الناسُ كيف يَسلُكونَ سبيلَ التوحيد ، ألا تَرَوْنَ إلى قوله : «لا من شيء كانَ ، ولا من شيء خَلَقَ ما كانَ» فنفى بقوله : «لا من شيء كانَ» معنى الحدوث . وكيف أوقَعَ على ما أحدَثَه صفةَ الخَلْق والاختراعِ بلا أصلٍ ولا مثالٍ ، نفيا لقول من قالَ : إنّ الأشياء كلَّها مُحدَثَةٌ بعضُها من بعض ، وإبطالاً لقول الثنويّة الذين زَعَموا أنّه لا يُحْدِثُ شيئا إلاّ من أصل ، ولا يُدَبِّرُ إلاّ باحتذاء مثالٍ .
فَدَفَعَ عليه السلام بقوله : «لا من شيء خلق ما كانَ» جميع حُجج الثنويّة وشُبَهِهم ؛ لأنّ أكثرَ ما يَعتمدُ الثنويّةُ في حدوث العالَم أن يقولوا لا يَخْلو من أن يكونَ الخالقُ خَلَقَ الأشياء من شيء أو من لا شيء ، فقولهم : من شيء خطأٌ ، وقولهم من لا شيء مناقضةٌ وإحالةٌ ؛ لأنَّ «من» توجب شيئا و«لا شيء» تَنْفِيهِ ؛ فأخرَجَ أميرُ المؤمنين عليه السلام هذه اللّفظة على أبلَغِ الألفاظِ وأصَحِّها ، فقال : «لا من شيء خلق ما كان» فَنَفى «مِن» إذ كانت توجب شيئا ، ونَفى «الشيء» إذ كان كلُّ شيء مخلوقا مُحْدَثا لا من أصلٍ أحْدَثَه الخالقُ ، كما قالت الثنويّة : إنّه خَلَقَ من أصلٍ قديمٍ ، فلا يكونُ تدبيرٌ إلاّ باحتذاء مثالٍ .
ثمَّ قوله عليه السلام : «ليسَتْ له صفةٌ تُنالُ ولا حَدٌّ تُضْرَبُ له فيه الأمثالُ ، كَلَّ دونَ صفاته تَحبيرُ اللُّغات» فنفى عليه السلام أقاويل المشبِّهةِ حينَ شَبَّهوهُ بالسَّبيكَةِ والبِلَّوْرَةِ ، وغير ذلك من أقاويلهم من الطول والاستواء ، وقولهم : «متى ما لم تَعْقِدِ القلوبُ منه على كيفيّةٍ ، ولم تَرْجِعْ إلى إثبات هَيئةٍ لم تَعْقِلْ شيئا ، فلم تُثْبِتْ صانعا» فَفَسَّرَ أميرُ المؤمنين عليه السلام أنّه واحدٌ بلا كيفيّةٍ ، وأنّ القلوبَ تَعْرِفُه بلا تصويرٍ ولا إحاطةٍ .
ثمّ قوله عليه السلام : «الّذي لا يَبلُغُه بُعدُ الهِمَمِ ولا يَنالُه غَوْصُ الفِطَنِ ، وتعالى الذي ليس له وقتٌ معدودٌ ، ولا أجلٌ ممدودٌ ، ولا نعتٌ محدودٌ» ؛ ثمَّ قوله عليه السلام : «لم يَحْلُلْ في الأشياء ، فيقالَ : هو فيها كائن ، ولم يَنأ عنها ، فيقالَ : هو منها بائنٌ» فنفى عليه السلام بهاتين الكلمتين صفةَ الأعراض والأجسامِ ؛ لأنَّ مِن صفة الأجسام التباعُدَ والمباينةَ ، ومن صفة الأعراضِ الكونَ في الأجسام بالحلول على غير مُماسَّةٍ ، ومُبايَنَة الأجسامِ على تراخي المسافة .
ثمَّ قال عليه السلام : «لكن أحاطَ بها علمُه وأتْقَنَها صُنْعُه» أي هو في الأشياء بالإحاطة والتدبير
وعلى غير مُلامَسَةٍ .

  • نام منبع :
    الحاشية علی اصول الكافي (النائيني)
    سایر پدیدآورندگان :
    درايتی، محمد حسين
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1383
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 101825
صفحه از 672
پرینت  ارسال به