447
الحاشية علی اصول الكافي (النائيني)

۰.نفسَه ، وأنّى يوصَفُ الذي تَعجِزُ الحواسُّ أن تُدرِكَه ، والأوهامُ أن تَنالَه ، والخطراتُ أن تَحُدَّه ، والأبصارُ عن الإحاطة به ، جَلَّ عمّا وَصَفَه الواصفونَ ، وتعالى عمّا يَنْعَتُهُ الناعتونَ ، نَأى في قُربه ، وقَرُبَ في نَأْيِه ، فهو في نَأْيِه قريبٌ ، وفى قُربِه بعيدٌ ، كَيَّفَ الكيفَ فلا يقالُ : كيفَ ، وأيَّنَ الأينَ فلا يقالُ : أينَ ؛ إذ هو مُنقطِعُ الكيفوفيّة والأينونيّة» .

وقوله: (وأنّى يوصف الذي يعجز الحواسّ أن تدركه) تعليل لقوله: «إنّ الخالق لا يوصف إلاّ بما وصف به نفسه» أي لا يوصف بإدراك الأذهان؛ لأنّ كلّ ما يحكم به الأذهان يكون من مدرَكات الحواسّ الظاهرة أو الباطنة، والحواسُّ عاجزة عن إدراك ذاته سبحانه وصفاته؛ فإنّ الأوهام الحاكمة على المدرَكات بالحواسّ عاجزةٌ عن أن تناله وتصل إليه، والخطرات التي للأنفس والإدراك لما يخطر بالبال يعجز عن تحديده، والأبصار مطلقا ۱ عن الإحاطة به، جلّ عمّا وصفه الواصفون بإدراك أذهانهم، وتعالى عمّا ينعته الناعتون بمدارك أنفسهم، نأى وبَعُد عن خلقه؛ حيث لا يدركونه ولا يحيطون به علما في قربه وإحاطته العلميّة بكلّ شيء، وقرب وأحاط علمه على أكمل الوجوه بالكلّ في بُعْده عن الكلّ وعدم وصول شيء منه إليه علما وإحاطة علميّة.
وقوله: (كيّف الكيف) بيان لامتناع اتّصافه بمدركات الأذهان؛ فإنّ مدركاتها لا تخرج عن المقولات ولواحقها، وهو خالقها وجاعلها، والخالق لا يتّصف بالمخلوق، فلا يقال: كيف، ولا أين؛ إذ هو منقطع الكيفوفيّة والأينونيّة.
وقوله: (منقطع الكيفوفيّة والأينونيّة) يحتمل أن يكون من باب الوصف بحال المتعلّق وعلى صيغة اسم الفاعل، أي الكيفوفيّة والأينونيّة منقطعة عنه، ويحتمل أن يكون على صيغة اسم المفعول بأن يكون اسمَ مفعول، أي هو منقطع فيه وعنده الكيفوفيّةُ والأينونيّة ، أو اسمَ مكان ، أي مرتبته مرتبةٌ انقطع فيها الكيفوفيّة والأينونيّة .

1.في حاشية «ت، ل، م»: الإطلاق إشارة إلى شمول الأبصار لأبصار العيون وأبصار الأوهام (منه دام ظلّه).


الحاشية علی اصول الكافي (النائيني)
446

۰.ولا يُطيقونَ حَمْلَ معرفةِ إلهيّته ، ولا يَحُدُّونَ حُدودَه ؛ لأنّه بالكيفيّة لا يُتناهى إليه» .

۳.عليُّ بن إبراهيمَ ، عن المختار بن محمّد بن المختار ؛ ومحمّد بن الحسن ، عن عبد اللّه بن الحسن العَلَويّ جميعا ، عن الفتح بن يزيد الجرجانيّ ، قال :ضَمَّني وأبا الحسن عليه السلام الطريقُ في مُنصَرَفي من مكّةَ إلى خراسانَ وهو سائرٌ إلى العراق ، فسَمِعْتُه يقولُ : «مَنِ اتَّقَى اللّه َ يُتَّقى ، ومن أطاعَ اللّه َ يُطاعُ»، فَتَلَطَّفْتُ في الوصول إليه ، فوَصَلتُ ، فَسَلَّمْتُ عليه ، فَرَدَّ عَلَيَّ السلامَ ، ثمّ قال : «يا فتحُ ، مَن أرضَى الخالقَ لم يُبالِ بسَخَطِ المخلوقِ ، ومَن أسخَطَ الخالقَ فَقَمَنٌ أن يُسلّطَ اللّه ُ عليه سَخَطَ المخلوقِ ، وإنَّ الخالقَ لا يوصَفُ إلاّ بما وَصَفَ به

(رفيعُ البنيان) وهو خالقها وبانيها ، (عظيم السلطان) لا يعارَض في سلطانه (منيف الآلاء) مشرفها على الخلق بالفَيَضان من بحر جوده، أو زائدُها من أناف عليه أي زاد (سنيّ العلياء) رفيعه. و«العليا»: السماء، ورأس الجبل، والمكان المرتفع، وكلّ ما علا من شيء . ولعلّ المراد هنا كلّ مرتفع يليق بأن ينسب إليه.
ثم أشار عليه السلام إلى أنّ معرفته سبحانه ليست بالسبيل إلى معرفة كنه صفاته؛ فإنّه لا سبيل إلى معرفة كنه صفاته، كما لا سبيل إلى معرفة كنه ذاته بقوله (الذي يعجز ۱ الواصفون عن كنه صفته، ولا يطيقون حمل معرفة ذاته وصفاته كما يليق بإلهيّته) ۲ والعجز مستند إلى قصورهم عن إدراك ما يتعالى عنهم وعن إحاطتهم به (ولا يَحدّون حدوده) ولا يقدرون على تحديده؛ لأنّهم إنّما يقدرون على التحديد بالكيفيّات وأشباهها ، وهو سبحانه متعالٍ عن الكيفيّات والصفات الزائدة عينا.
قوله: (فلطفت ۳
في الوصول إليه) أي رفقت أو دنوت ساعيا في الوصول إليه بتضمين معنى السعي.
وقوله: (ومَن أسخط الخالق فقَمِنٌ أن يسلّط اللّه عليه سخط المخلوق) أي خليق به.

1.في الكافي المطبوع: «عجز».

2.في الكافي المطبوع: «حمل معرفة إلهيّته».

3.في الكافي المطبوع: «فتلطّفت» .

  • نام منبع :
    الحاشية علی اصول الكافي (النائيني)
    سایر پدیدآورندگان :
    درايتی، محمد حسين
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1383
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 101816
صفحه از 672
پرینت  ارسال به