449
الحاشية علی اصول الكافي (النائيني)

۰.لا يقالُ له: بَعْدٌ ، شاءَ الأشياءَ لا بِهمَّةٍ ، درّاكٌ لا بخَدِيعةٍ ، في الأشياء كلِّها غيرُ مُتَمازجٍ بها

الجلالة هو التعاظم عن أن ينال، أو عن الرفق بمن يقصده، والمداراة بمن يرانيه ويرافقه، ومن يتّصف به من العباد لا يخلو عن الغلظة، وهو سبحانه يتّصف بها من حيث صفاته القهريّة التي يقال لها: «صفات الجلال». والعظمة لا اختصاص لها بصفات الجلال، بل صفات الكمال فيها أدخلُ.
قوله: (قبل كلّ شيء) أي ربّي موجود قبل كلّ شيء بالعلّيّة، وكلُّ شيء بعده بالمعلوليّة له (لا يقال: شيء قبله) بنحو من أنحاء القبليّة وأقسامها؛ لأزليّته (وبعد كلّ شيء) فينتهي وجود كلّ شيء إليه وهو الباقي بعده (لا يقال له: بعدٌ) ينتهي وجوده سبحانه إليه، فهو بأبديّته باقٍ بعد كلّ شيء، وكلّ شيء ينتهي وجوده إليه سبحانه. والمراد أنّه لا يقال له سبحانه: بعدٌ على الإطلاق ومنفردا عن ذكر القبل، كما يقال له: الأوّل والآخِر، ولا يقال له: الآخِرُ، منفردا عن ذكر الأوّل.
شَيِّئُ الأشياء ومعطي شيئيّتها وموجدها لا بقصد واهتمام وحركة نفسانيّة نحوها، بل بمشيّة وعلم ذاتي.
هو درّاك لا بآلة يتصرّف فيها، أو حركةٍ نفسانيّة منتهية إليها وما يشبهها من الحِيَل والخدائع ۱ في التوصّل إلى المطالب.
حاضر في الأشياء كلّها بعلمه بها، غير متمازج بها بالمجاورة والخلط، ولا بائن منها مفارقا عنها بالبُعد؛ فإنّ القرب والبُعد المكانيين وما بحكمهما لا يليقان به سبحانه، إنّما يتّصف بهما المخلوقات المتنزّلة.
ظاهر مطّلع على ظواهر الأشياء لا بالحمل على المباشرة ومسّ البشرة بالعضو الحاسّ.
متجلّ ظاهر غير خفيّ على عباده بآياته والأدلّة الدالّة على وجوده وصفاته، لا بظهور وانكشاف من رؤية.
ناءٍ من الأشياء، بعيد عنها؛ لعجزها عن الوصول إلى معرفة ذاته وحقيقته لا ببعد مسافة.
قريب من الأشياء؛ لعلمه بجميعها، حقائقها وصفاتها وأحوالها أتمَّ علمٍ وأكملِه، لا بمداناة ومقاربة ۲ كما في القرب المكاني بين المتمكّنات في الأمكنة، الحاصلِ للمتقاربين؛ فإنّ كلّ قريب بهذا القرب من شيء يقاربه ذلك الشيء بهذا القرب.
لطيف يدقّ إدراك المدارك لابدقّة جسمانيّة، فإنّه سبحانه لا يتجسّم، موجود لا بوجود زائد على ذاته مسبوقٍ بالعدم.
فاعل لا باضطرار؛ حيث لا شيء قبل فعله يستند الاضطرار إليه، ولا شيء من فعله يغلبه فيوجب اضطراره، إنّما يفعل بعلمه ومشيّته قادرا على فعله.
مقدّر للأشياء محدّد ومصوّر لها لا بحركة من ذاته أو آلاته كما في عباده. مريد لا بقصد وهمامة، بل بالداعي إلى فعله من علمه الذاتي الأزلي وعنايته بالخير.
سميع لا بآلة يسمع بها، بصير لا بأداة يبصر بها كما في خلقه من السمع بآلة، والبصر بأداة.
ولعلّه عبّر عمّا في سمعنا بالآلة وعمّا في البصر بالأداة لأنّ العمدة فيما يحتاج إليه للسماع الآلةُ، وهي ما يستعمله الفاعل لحصول فعله ووساطته بالاستعمال، والعمدة في المحتاج إليه للبصر وحصول الشبح في الباصرة الاُمورُ المتوسّطة بين الباصرة والمبصَر من الضوء والهواء الشفّاف بلا عمل واستعمال من المبصَر، والأداة هي

1.في حاشية «ت»: خَدَع الضبُّ في جحرها، أي دخل. وخدعه، أي ختله وأراد به المكروه من حيث لا يعلم. وسوقهم خادعة، أي مختلفة. ودينار خادع، أي ناقص. والخديعة اسم يطلق لهذه المعاني، فكلّ ما يتمّ بدخول آلة أو بحركة نفسانيّة أو بأُمور مختلفة يصحّ فيه أنّه بخديعة، ولذا عبّر عن نفي الخديعة بنفي الآلة والحركة النفسانيّة إلى المقاصد وما يشبهها من الحيل والخوادع... وأمّا القاهر فليس على معنى علاج ونصب واحتيال ومداراة ومكر، كما يقهر العباد بعضهم بعضا. والدرّاك لغةً أعمّ مأخذا من القاهر، وإن كان قد يستعمل المدرك بغلبة. والواقع في هذا الكلام يصحّ على الوجهين (منه).

2.في «خ، ل»: «بمقارنة».


الحاشية علی اصول الكافي (النائيني)
448

۴.محمّد بن أبي عبد اللّه ، رَفَعَه ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قالَ :بينا أميرُ المؤمنينَ عليه السلام يَخطُبُ على منبر الكوفة إذ قامَ إليه رجلٌ يقال له : ذِعْلِبٌ ، ذو لسانٍ بليغ في الخُطَب ، شُجاعُ القلب ، فقال : يا أمير المؤمنين ، هل رأيتَ ربّك؟ قال : «ويلك يا ذِعْلِبُ ، ما كنتُ أعْبُدُ ربّا لم أرَهُ» . فقال: يا أمير المؤمنين ، كيف رأيْتَه؟ قال: «ويلك يا ذِعلِبُ ، لم تَرَهُ العيونُ بمُشاهَدة الأبصارِ ، ولكن رَأَتْه القلوبُ بحقائق الإيمان ، ويلك يا ذِعْلِبُ ، إنَّ ربّي لطيفُ اللطافةِ لا يوصَفُ باللطف ، عظيمُ العَظَمةِ لا يوصَفُ بالعِظَم ، كبيرُ الكبرياء لا يوصَفُ بالكِبَرِ ، جليلُ الجلالة لا يوصَفُ بالغِلَظِ ، قبلَ كلِّ شيءٍ ، لا يقالُ شيءٌ قبله ، وبعدَ كلّ شيءٍ ،

والتعبير بلفظ الانقطاع لأنّ الكيف تحديد لحال الشيء بما ينقطع بعده ۱ هذه الحالُ، كما أنّ الأين تحديد ينقطع ۲ بعده حالُه بحسب الكمّيّة أو التحيّز، فهو سبحانه منقطع هذا القطعَ.
قوله: (ولكن رأته القلوب) أي عرفته بحقائق الإيمان، أي بحقائقَ هي الإيمان، أو بمحقّقاته.
وقوله: (إنّ ربّي لطيف اللطافة) أي لطافته لطيفة تدقّ عن أن تدرَك بالمشاعر والمدارك، وهو سبحانه (لا يوصف باللطف) المدرَك لعباده في لطائف الأشياء ودقائقها (عظيم العظمة) وعظمته أعظمُ من أن تحاط بالأذهان وأن يصل بكنهها الأوهام الواصلة إلى خبايا بقعة الإمكان وهو (لا يوصف بالعظم) المدرَك للمدارك من عظائم الأشياء وجلائلها (كبير الكبرياء) وكبرياؤه أكبر من أن يوصف ويعبِّر عنه العبارة والبيان وهو (لا يوصف بالكِبَر) المدرك للأفهام والأوهام في الكبار من خلقه وجسائمها (جليل الجلالة) وجلالته أجلّ من أن تحاط بمدرك ويدخل في الأذهان وهو (لا يوصف بالغلظ) كما يوصف الجلائل من الخلق به.
وقد أورد هنا الغلظ الذي من مناسبات الجلالة في الخلق تنبيها على أنّ المنفيّ عنه ما هو مدرَك العقول من صفات الخلق في كلّ ذلك كما في الجلالة، وعلى أنّ

1.في «خ»: «بعد».

2.في «ل»: «منقطع».

  • نام منبع :
    الحاشية علی اصول الكافي (النائيني)
    سایر پدیدآورندگان :
    درايتی، محمد حسين
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1383
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 101802
صفحه از 672
پرینت  ارسال به