453
الحاشية علی اصول الكافي (النائيني)

۰.شَىْ ءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ » ففرَّق بين قبلٍ وبعدٍ ليُعْلَمَ أن لا قبلَ له ولا بعدَ له ، شاهدةً بغرائزها أن لا غريزةَ لمُغْرِزِها ، مُخبِرَةً بتوقيتها أن لا وقتَ لموقِّتِها ، حجب بعضَها عن بعض ليُعْلَمَ أن لا حجابَ بينه وبين خلقِه ، كان ربّا إذ لا مربوبَ ، وإلها إذ لا مألوهَ ، وعالما إذ لا معلومَ ، وسميعا إذ لا مَسموعَ».

التداني لا يوجب التفرّق، بل يأباه، فلابدّ له من مفرّق، فهي دالّة بتفريقه لها على مفرّقها، وبتأليفه لها على مؤلّفها، وذلك قول اللّه تعالى: « وَ مِن كُلِّ شَىْ ءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ »۱ .
ولعلّ دلالة خلق الزوجين على المفرّق والمؤلّف لهما لأنّه خلق الزوجين من واحد بالنوع، فيحتاج إلى مفرِّق يجعلهما متفرّقين وجُعلا مزاوجين ومؤتلفين اُلفةً لخصوصهما من جهة المفارقة، فيحتاج إلى مؤلِّف يجعلهما مؤتلفين (ففرّق بين قبلٍ وبعد ليُعلم) بجعل مهيّة يلزمها القبلُ والبعد كالزمان والوقت (أن لا قبل له ولا بعد) لتعالي الخالق عن أن يضمّه المخلوق وهي (شاهدة بغرائزها) وطبائعها تشهد بها (أن لا غريزة لمغرّزها) لتعاليه عن التحدّد الذي إنّما يكون به الطبيعة والغريزة؛ لأنّه تحدّد يلحقه الوجود والمتحدّدة ۲ به خاليةٌ في ذاتها عن الوجود، أو لتعاليه عن التحدّد مطلقا (مخبرةً بتوقيتها أن لا وقت لموقّتها) لما ذكر. (حجب بعضَها عن بعض) بتحديد البعض وتوقيته بما لا يحضره بعض (ليعلم أنّه سبحانه لا حجاب بينه وبين خلقه) حيث يتعالى عن التحدّد والتوقّت وغروب شيء عنه. كان ربّا مالكا له على الإطلاق بذاته لكلّ شيء معطيا للوجود وحافظا، ومالكيّته وربوبيّته لا تتوقّف على وجود المربوب، ولا تتوقّت بوقت وجوده، فهو (كان ربّا إذ لا مربوب) وهو إله مستحقّ بذاته لأن يُعبد قبل وقت وجود المتعبّد الذي له الإله، فالمألوه هنا بمعنى النسبة لا الاشتقاقِ؛ لئلاّ يخرج الكلام عن الانتظام والاتّساق، كما حملناه عليه في باب المعبود وباب معاني الأسماء عند شرح رواية هشام بن الحكم (وعالما إذ

1.الذاريات (۵۱): ۴۹.

2.في «ل»: «المتحدّد».


الحاشية علی اصول الكافي (النائيني)
452

۰.الأشياء عُرِفَ أن لا ضِدَّ له ، وبمُقارَنَته بين الأشياء عُرِفَ أن لا قرينَ له ، ضادَّ النورَ بالظلمة ، واليُبْسَ بالبَلَل ، والخَشِنَ بالليِّن ، والصَّرْدَ بالحَرُور ، مؤلِّفٌ بين مُتعادِياتها ، ومُفرِّقٌ بين مُتدانِياتها ، دالّةٌ بتفريقها على مُفرِّقِها وبتأليفِها على مؤلِّفِها ، وذلك قوله تعالى : « وَ مِن كُلِّ

وكونها ممكنةً موجودةً بالإيجاد عُرف أنّها مخلوقة له، فلا يستكمل بها، ولا تكون مناطَ علمه الذاتي، فلا تكون مشاعر له.
وبتجهيره الجواهر وتحقيق حقائقها عُرف أنّها ممكنة، وكلّ ممكن محتاج إلى مبدأ، فمبدأ المبادئ لا يكون حقيقةً من هذه الحقائق.
وبمضادّته بين الأشياء المتضادّة ـ من الحقائق الناعتيّة الصوريّة الجوهريّة أو العرضيّة وجَعْلِها حقائقَ متضادّةً، لتحدّدها بتحديدات من جاعلها لا يجامع بعضها بعضا لتخالف حقائقها المتحدّدة ۱ بالحدود المتباينة المتنافية، وكلٌّ حقائق مخلوقة، بالحدود متحدّدة ـ عُرف أنّ الأحديَّ المقدّس عن التحدّدات لا يضادّه المخلوق المتحدّد والمتنزّل عن مرتبته، وكيف يضادّ المخلوقُ خالقَه والفائض مفيضه ؟!
(وبمقارنته بين الأشياء) وجعلها متحدّدةً بتحدّدات متناسبة موجبةٍ للمقارنة (عُرف أن لا قرين له) وكيف يناسب المتحدّد بتحدّد خاصّ دون المتحدّد بتحدّد آخَرَ مَنْ لا تحدّد له ؟! فإنّ نسبة اللاتحدّد مطلقا إلى التحدّدات كلِّها سواء .
(ضادّ النورَ بالظلمة، واليبس بالبلل، والخشن بالليّن، والبرد بالحرور) وجعل كلاًّ منها ضدّا لمقابلها حالَ كونه (مؤلّفا بين متعادياتها مفرّقا بين متدانياتها) وحالَ كونها (دالّةً بتفريقها على مفرِّقها).
وفي بعض النسخ «مؤلّف» و «مفرّق» أي جعل كلاًّ منها ضدّا لمقابلها المؤلّفُ بين متعادياتها المفرّقُ بين متدانياتها، أو المعنى هو مؤلّف بين متعادياتها، مفرّق بين متدانياتها حالَ كونها دالّةً بتفريقه إيّاها على مفرِّقها، وبتأليفه إيّاها على مؤلّفها.
ووجه دلالتها أنّ التعادي لا يقتضي التألّف، بل يأباه، فلابدّ له من مؤلّف، وأنّ

1.في «خ»: «المحدودة».

  • نام منبع :
    الحاشية علی اصول الكافي (النائيني)
    سایر پدیدآورندگان :
    درايتی، محمد حسين
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1383
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 101784
صفحه از 672
پرینت  ارسال به