465
الحاشية علی اصول الكافي (النائيني)

۰.العرشِ بغير زوالٍ ، والمتعالي على الخلق بلا تَباعُدٍ منهم ولا مُلامَسَةٍ منه لهم ، ليس له حَدٌّ ينتهي إلى حَدٍّ ، ولا له مِثْلٌ فيُعْرَفَ بمثله ، ذَلَّ من تَجَبَّرَ غيرَه ، وصَغُرَ من تَكَبَّرَ دونَه ، وتواضَعَتِ الأشياءُ لعظمته ، وانقادَتْ لسلطانه وعِزَّتِه ، وكَلَّتْ عن إدراكه طروفُ العيونِ ، وقَصُرَتْ دونَ بلوغ صفته أوهامُ الخلائق ، الأوّلِ قبلَ كلِّ شيءٍ ولا قبلَ له ، والآخِرِ بعدَ كلِّ شيء ولا بعدَ له ، الظاهرِ على كلّ شيء بالقَهْر له ، والمشاهِدِ لجميع الأماكن بلا انتقالٍ إليها ، لا تَلْمِسُه لامِسَةً ، ولا تَحُسُّهُ حاسَّةٌ ، هو الذي في السماء إلهٌ وفي الأرض إلهٌ وهو الحكيمُ

وقوله: (ذلّ من تجبّر) أي ذلّ له كلُّ من تجبّر (غيرُه) فإنّ كلّ ما يغايره ممكن مخلوق ذليل للخالق القديم (وصغر كلّ من تكبّر دونه) فإنّ كلّ ما سواه موصوف بالصغار ، أو الصِغَر لدى خالقه الكبير المتعال ، أو المراد أنّ كلّ ما سواه مخلوق له، مستفيض الوجود والكمالِ من فيض جوده وعزّه وكبره ، وبالتلبّس بالذلّ والصغر اللائق به، وبالتلبّس به يستزيد كمالاً وعزّا وكبرا به، فمن تجبّر أو تكبّر منهم، حرم من العزّ والكبر من هذه الجهة، ولم يكن له إلاّ الذلّ والصغر اللائقين به في حدّ ذاته، فبتجبّره وتكبّره الموجب للحرمان من العزّ والكبر بالتذلّل والتعبّد له اكتسب ذلاًّ وصغرا.
وقوله: (وتواضعت الأشياء لعظمته وانقادت لسلطانه وعزّته) تعميم وتتميم لما سبقه.
وقوله: (وكَلَّتْ عن إدراكه طروف العيون) إلى قوله: (هو الذي في السماء إله وفي الأرض إله) توضيح وتفصيل لكمال تجرّده سبحانه وتقدّسه وتنزّهه عن المادّة والمُدّة ولواحقها.
وقوله: (هو الذي في السماء إله) أي مستحقّ لأن يعبده السماوات وما فيها، وتتواضع لعظمته وتنقاد لسلطانه وعزّته لربوبيّته لها (وفي الأرض إله) لاستحقاقه لأن يعبده ۱ الأرض وما فيها ، و تتواضع لعظمته وتنقاد لسلطانه وعزّته للربوبيّة .

1.في «خ ، ل» : «تعبده» .


الحاشية علی اصول الكافي (النائيني)
464

۰.بالحُجَج ، فَعَنْ بَيّنةٍ هَلَكَ من هَلَكَ ، وبمَنّه نجا من نجا ، وللّه الفضلُ مُبدئا ومُعيدا ، ثمَّ إنَّ اللّه ـ وله الحمدُ ـ افْتَتَحَ الحمدَ لنفسه ، وخَتَمَ أمرَ الدنيا ومحلَّ الآخرة بالحمد لنفسه ، فقال : « وَ قُضِىَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ ، وقيلَ الحمدُ للّه ربِّ العالمينَ » .
الحمد للّه اللابس الكبرياء بلا تَجْسيدٍ ، والمُرْتَدي بالجلال بلا تَمثيلٍ ، والمُستوي على

وحوادث الزمان بما لطف به من خلق الحجج وإرسال الرسول، وتبليغه الكتاب والشريعةَ إلى الأنام، وحفظِ الكتاب والشريعة بإفاضة العلوم على العلماء، ونصب الأئمّة الأعلام ، وإلهامهم الحقَّ المبين ، وتوفيقهم للوصول إلى عين اليقين، معصومين بعصمته عن الخطأ والضلال، مستمدّين بتوقيفه من ينبوع الحكمة وعين الكمال، فمن هلك بعد ذلك فعن بيّنةٍ هلك، ومن سلك سبيل الهدى، وبمنّه نجا ، فعن بيّنة سلك (وللّه الفضل مُبدِئا) حيث أبدأ العباد مفطورين على معرفته، قادرين على طاعته وسلوك سبيل النجاة (ومُعيدا) حيث لطف بهم ومَنَّ عليهم بالحجج من الرسل والأئمّة الهُداة، فنالوا النجاحَ، وفازوا بالفلاح.
قوله: (ثمّ إنّ اللّه ـ وله الحمد ـ افتتح الحمد لنفسه) كما في فاتحة كتابه، وعلَّم عبادَه الافتتاحَ بحمده، وسلك بهم منهاج تحميده، وختم حادثة الدنيا وشدّة الآخرة بالحمد لنفسه عند قضائه بين عباده بالحقّ يوم الحساب، فقال: « وَقُضِىَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَ قِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَــلَمِينَ »۱ فعلَّم أنّ الافتتاح والاختتام بحمده في الاُمور كلِّها من محاسن الآداب وممّا ينبغي أن لا يُخَلَّ به .
وقوله: (الحمد للّه اللابس الكبرياء...) قيام بالمرغَّب فيه من التحميد عند تذكّر حُسنه وإعطاء العلم بحُسنه وطريق سلوك سبيله، فحَمَده بكبريائه وجلاله متقدّسا متنزّها عمّا لا يليق بكماله، ونفي في كلّ وصف له ما يوهم عنده على قياس صفة المخلوق.

1.الزمر (۳۹): ۷۵.

  • نام منبع :
    الحاشية علی اصول الكافي (النائيني)
    سایر پدیدآورندگان :
    درايتی، محمد حسين
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1383
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 101678
صفحه از 672
پرینت  ارسال به