۰.به المُرْجِي والقَدَرِيُّ والزنديقُ الذي لا يُؤْمِنُ به حتّى يَغْلِبَ الرجالَ بخُصومَته ، فعرفتُ أنّ القرآنَ لا يكونُ حجّةً إلاّ بقَيِّمٍ ، فما قالَ فيه من شيءٍ كانَ حقّا ، فقلتُ لهم : مَن قَيِّمُ القرآنِ ؟ فقالوا : ابنُ مسعودٍ قد كانَ يَعْلَمُ ، وعُمَرُ يَعلَمُ ، وحُذيفَةُ يَعْلَمُ ، قلتُ : كُلَّه؟ قالوا : لا ، فلم أجِدْ أحدا يقالُ : إنّه يَعْرِفُ ذلك كلّه إلاّ عَلِيّا عليه السلام ، وإذا كانَ الشيءُ بينَ القوم فقالَ هذا : لا أدري ، وقالَ هذا : لا أدري ، وقال هذا : لا أدري ، وقال هذا : أنا أدري ، فأشهَدُ أنَّ عَلِيّا عليه السلام كانَ قَيِّمَ القرآن ، وكانَتْ طاعتُه مفترضَةً ، وكانَ الحجّةَ على الناس بعدَ رسولِ اللّه صلى الله عليه و آله ، وأنّ ما قالَ في القرآن فهو حَقٌّ . فقال : «رحمك اللّه » .
وهذا الجواب إنّما يصحّ أن لو ثبت أنّ الذي يدّعي علمَه قوله حجّةٌ بسماعه عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله وثقته، أو بعصمته من جانب اللّه من الخطأ والزلل المنصوص عليها من رسول اللّه ۱ صلى الله عليه و آله . والأوّل معلوم أنّه منتفٍ عن هؤلاء، ولم يدّعِ أحد منهم سماعَ جميع ذلك من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، إنّما ادّعوا سماعَ مسائلَ قليلةٍ ممّا يحتاج إليه الناس منه فيما سمعوا تفسيره عنه صلى الله عليه و آله ، ولم يذهب أحد إلى كون أحد منهم عالما بجميعه، معصوما عن الخطأ والزلل، فإذن لابدَّ لهم من مبيِّن .
وعُلم أنّ في الأصحاب لم يكن أحد عالما بجميعه بالنقل أو العلم المقرون بالعصمة إلاّ أمير المؤمنين عليه السلام ؛ حيث كان يدّعي ذلك على رؤوس الأشهاد ومجامع جماهير المسلمين، وإذ لابدّ من عالِمٍ كذلك، ولم يدّعِ غيرُه، بل عُلم عدمه في غيره، وهو كان يدّعيه ويبيّنه بدلائل نقليّةٍ وعقليّة، وآياتٍ وعلامات إعجازيّة، عُلم أنّه قيّم القرآن . ولم يتعرّض لذكر العصمة معهم؛ حيث كانوا منكرين لها، فأغمض عنها، وخصّ البيانَ بعدم العلم السماعي الذي كانوا يقولون به، فصرّح بعد تمام البيان بعقيدته بقوله: (فأشهد أنّ عليّا عليه السلام كان قيّم القرآن) ولمّا كان ما ذكره موافقا للحقّ، وفي ترك ما تركه على وفق الحكمة والمصلحة له ولإخوانه سَتْرٌ على الحجج، وصيانةٌ لهم عن تعرّض الحسد، دعا له عليه السلام بقوله: (رحمك اللّه ).