529
الحاشية علی اصول الكافي (النائيني)

۴.عليُّ بن إبراهيمَ ، عن أبيه ، عمّن ذَكَرَه ، عن يونسَ بن يعقوبَ ، قالَ :كنتُ عند أبي عبد اللّه عليه السلام فورَد عليه رجلٌ من أهل الشام فقال : إنّي رجلٌ صاحبُ كلامٍ وفقهٍ وفرائضَ وقد جئت لمناظرة أصحابِك ، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : «كلامك من كلام رسول اللّه صلى الله عليه و آله أو من عندك؟» فقال : من كلام رسول اللّه صلى الله عليه و آله ومن عندي ، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : «فأنت إذا شريكُ رسول اللّه ؟» ، قال : لا ، قال : «فسمعتَ الوحيَ عن اللّه عزّ وجلّ يُخبِرُك ؟»، قال : لا ، قال : «فتَجِبُ طاعتُك كما تَجِبُ طاعةُ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟»، قال : لا ، فالتفتَ أبو عبد اللّه عليه السلام إليَّ

قوله: (رجل صاحب كلام وفِقْه وفرائض) أي عالم بعلم الكلام وعلم الفقه والفرائض. وذكر الفرائض بعد الفقه لكثرة مدخليّة معرفة الحساب فيه واستمدادها منه، بخلاف الفقه؛ فإنّ مداره على الأخذ عن قول الشارع والعلم به من غير مدخليّة الحساب ومثله.
وقوله: (وقد جئتُ لمناظرة أصحابك).
الظاهر أنّ مراده المناظرةُ في الإمامة، كما في قوله لهشام: «سلني في إمامة هذا» وإنّما قال: «لمناظرة أصحابك» تأدّبا أو تعريضا بأنّ أصحابه قالوا بهذا الأمر بلا معرفة.
ولمّا كان المناط في الإمامة قولَ الشارع، قال له أبو عبداللّه عليه السلام : (كلامك من كلام رسول اللّه صلى الله عليه و آله أو من عندك؟) أي مناظرتك في الإمامة واحتجاجُك من كلام رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، أو من عندك؟ فلمّا قال: من كلامه صلى الله عليه و آله ومن عندي قال عليه السلام : (فأنت إذا شريك رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟) في رسالته وشرعه للدين؛ لأنّ المناط فيه قول الشارع، فلمّا نفى الشركة، قال عليه السلام : (فسمعتَ الوحي عن اللّه ) أي المبيّن للإمامة إعلام اللّه بها، أو تعيين ممّن أوجب اللّه طاعته كطاعة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وإعلامُ اللّه إمّا بواسطة الرسول، أو بالوحي بلا واسطة، وما بوساطة الرسول فهو من كلامه، لا من عندك، فتعيَّن عليك في قولك: «من عندي» أحدُ الأمرين: إمّا الوحي إليك بسماعك عن اللّه بلا واسطة، أو وجوب طاعتك كوجوب طاعة رسول اللّه صلى الله عليه و آله فلمّا نفاهما بقوله: «لا» في كليهما، لزمه


الحاشية علی اصول الكافي (النائيني)
528

۰.فقالَ : لا ، قلتُ : وكيف ذلك وهي صحيحةٌ سليمةٌ ، قال : يا بُنيَّ إنَّ الجوارحَ إذا شَكَّتْ في شيءٍ شَمَّتْهُ أو رَأتْهُ أو ذاقَتْه أو سَمِعَتْه ، رَدَّتْهُ إلى القلب ، فيَستيقِنُ اليقينَ ويُبطِلُ الشكَّ ، قالَ هشامٌ : فقلتُ له : فإنّما أقامَ اللّه القلبَ لشكّ الجوارح؟ قال : نعم ، قلت : لابُدَّ من القلب و إلاّ لم تَستيقِنِ الجوارحُ؟ قال : نعم ، فقلتُ له : يا أبا مروانَ ، فاللّه ُ تبارَكَ وتعالى لم يَتْرُكْ جوارحَك حتّى جَعَلَ لها إماما يُصَحِّحُ لها الصحيحَ ، ويَتَيَقَّنُ به ما شُكَّ فيه ، ويَتْرُكُ هذا الخلق كلَّهم في حيرتهم وشَكّهم واختلافهم ، لا يُقيمُ لهم إماما يَرُدُّونَ إليه شَكَّهم وحيرتهم ، ويُقيمُ لك إماما لجوارحك تَرُدُّ إليه حيرتَك وشكَّك؟! قال : فسَكَتَ ولم يَقُلْ لي شيئا .
ثمّ التفتَ إليَّ ، فقالَ لي : أنت هشام بن الحكم؟ فقلتُ : لا ، قال : أمِنْ جُلَسائه؟ قلتُ : لا ، قال : فمن أين أنت؟ قال : قلتُ : من أهل الكوفة ، قال : فأنت إذا هو ، ثمَّ ضَمَّني إليه، وأقْعَدَني في مجلسه ، وزالَ عن مجلسه وما نَطَقَ حتّى قُمْتُ .
قال : فضَحِكَ أبو عبد اللّه عليه السلام وقال : «يا هشام ، من عَلَّمَكَ هذا؟» ، قلتُ : شيءٌ أخَذْتُه منك وألَّفْتُه ، فقال : «هذا واللّه مكتوبٌ في صُحُف إبراهيمَ وموسى» .

وتحرير بيان: احتياج النفس مع هذه القوى الحسيّة إلى قوّتها الحاكمة عليها أنّها من شأنها من حيث هذه القوى هذه الإدراكاتُ التصوّريّة، دون التصديقات واليقينيّات، فلا تستيقن إلاّ بقوّة اُخرى هي الحاكمة باليقينيّات، وهي القوّة التي بها يخرج عن الشكّ إلى اليقين، فإنّما أقام اللّه القلب بإعطاء هذه القوّة ليخرج بها النفس عن تلك المرتبة ـ التي شأنها بحسبها الشكّ وعدم الاستيقان ـ إلى مرتبة اليقين، ثمّ إذا كان بحكمته لا يُخلّ بإعطاء ما يحتاج إليه نفسك في وصولها إلى كمالها القابلة، كيف يُخلّ بما يحتاج إليه الخلق كلُّهم لخروجهم عن حَيرَتهم وشكّهم إلى الاستيقان بما فيه بقاؤهم ونجاتهم عن الضلال والهلاك؟!
فأوّل هذا الكلام تنبيه على حكمته المقتضية للصلاح والخير، وإعطاء ما يحتاج إليه في الخروج من النقصان إلى الكمال، والوصول إلى النجاة عن الضلال، وآخره الاستدلال من تلك الحكمة على إقامة الإمام الذي إنّما يحصل نجاة الخلق عن حيرتهم وشكّهم بمعرفته، والأخذ عنه، والاهتداء بهداه.

  • نام منبع :
    الحاشية علی اصول الكافي (النائيني)
    سایر پدیدآورندگان :
    درايتی، محمد حسين
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1383
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 123140
صفحه از 672
پرینت  ارسال به