۰.الحجّ يَستقرُّ أيّاما في جَبَلٍ في طرف الحرم في فازَةٍ له مضروبَةٍ ـ قال : فأخرَجَ أبو عبد اللّه عليه السلام رأسَه من فازته ، فإذا هو ببعير يَخُبُّ ، فقال : «هشامٌ ورَبِّ الكعبة» ، قالَ : فظننّا أنَّ هِشاما رجلٌ من وُلْد عقيل كانَ شديدَ المحبّة له .
قال فوردَ هشام بن الحكم وهو أوَّلُ ما اخْتَطَّتْ لحيتُه ، وليس فينا إلاّ مَنْ هو أكبرُ سِنّا منه ، قال : فوسَّع له أبو عبد اللّه عليه السلام وقال : «ناصرُنا بقلبه ولسانه ويده» ثمّ قال : «يا حُمران ، كَلِّم الرجلَ» فكلَّمَه ، فظهر عليه حُمرانُ ، ثمّ قال : «يا طاقِيُّ ، كَلِّمْهُ» فكلَّمَه ، فظهر عليه الأحولُ ، ثمّ قال : «يا هشام بن سالم ، كَلِّمْه» فتعارفا ، ثمَّ قال أبو عبد اللّه عليه السلام لقيسٍ الماصِرِ : «كَلِّمْه» فكلَّمَه ، فأقبل أبو عبد اللّه عليه السلام يَضْحَكُ من كلامهما ممّا قد أصابَ الشاميَّ .
فقال للشاميّ : «كَلِّمْ هذا الغلام» . يعني هشام بن الحكم ، فقالَ : نعم ، فقالَ لهشام : يا غلام ، سَلْني في إمامة هذا ، فغَضِبَ هشامٌ حتّى ارتَعَدَ ، ثمّ قال للشاميّ : يا هذا ، أربُّك أنْظَرُ لخَلْقِه أم خَلْقُه لأنفسهم؟ فقال الشاميُّ : بل رَبّي أنظَرُ لخَلْقه ، قال : ففعَل بنظره لهم ما ذا؟ قال : أقامَ لهم حجّةً ودليلاً كيلا يَتشتّتوا أو يَختلفوا ، يَتَألَّفهم ويُقيمُ أوَدَهم ويُخبِرُهم بفَرضِ
قوله: (فإذا هو ببعير يخبّ) أي يسرع ويعدو (فقال: هشامٌ وربِّ الكعبة).
وفي هذا القول دلالة على كثرة سروره عليه السلام بقدومه، وشدّة محبّته عليه السلام له، كفى به وبقوله عليه السلام : (ناصرنا بقلبه ولسانه ويده) عزّا ومكرمةً ورِفعةَ شأن له، وشرفا وفضلاً لما نال به تلك المنزلةَ.
وقوله: (ثمّ قال: ياهشام بن سالم كلّمه، فتعارفا) أي تكالما بما حصل به التعارف بينهما، ومعرفةُ كلّ واحد بالآخر وبكلامه بلا غلبة لأحدهما على الآخر.
وقوله: (أربّك أنظر لخلقه) أي أكثر إعانةً لخلقه (أم خلقه لأنفسهم؟) ولمّا قال الشامي: (بل ربّي) سأله عمّا فعل بإعانته لهم، فأجاب بأنّه (أقام لهم حجّةً ودليلاً كي لا يتفرّقوا ويختلفوا ۱ ، يتألّفهم) ذلك الدليل والحجّةُ ويزيل اعوجاجهم وانعطافهم