۵۵۵.المناقب عن الأصمعي :كُنتُ بِالبادِيَةِ وإذا أ نَا بِشابٍّ مُنعَزِلٍ عَنهُم في أطمارٍ رِثَّةٍ وعَلَيهِ سيماءُ الهَيبَةِ ، فَقُلتُ : لَو شَكَوتَ إلى هؤُلاءِ حالَكَ لَأَصلَحوا بَعضَ شَأنِكَ فَأَنشَأَ يَقولُ :
لِباسي لِلدُّنيا التَّجَمُّلُ وَالصَّبرُ ولُبسي لِلاُخرَى البَشاشَةُ وَالبِشرُ
إذَا اعتَرَّني أمرٌ لَجَأتُ إلَى العُرا لِأَنّي مِنَ القَومِ الَّذينَ لَهُم فَخرُ
أ لَم تَرَ أنَّ العُرفَ قَد ماتَ أهلُهُ وأنَّ النَّدى وَالجودَ ضَمَّهُما قَبرُ
عَلَى العُرفِ وَالجودِ السَّلامُ فَما بَقِيَ مِنَ العُرفِ إلاَّ الرَّسمُ فِي النّاسِ وَالذِّكرُ
وقائِلَةً لَمّا رَأَتني مُسَهَّدا كَأَنَّ الحَشى مِنّي يَلذَعُهَا الجَمرُ
اُباطِن داءً لَو حَوى مِنكَ ظاهِرا لَقُلتُ الَّذي بي ضاقَ عَن وُسعِهِ الصَّدرُ
تَغَيَّرَ أحوالٌ وفَقدُ أحِبَّةٍ ومَوتُ ذَوِي الإِفضالِ قالَت كَذَا الدَّهرُ
فَتَعَرَّفتُهُ فإِذا هُوَ عَلِيُّ بنُ الحُسَين عليه السلام ، فَقُلتُ : أبى أن يَكونَ هذَا الفَرخُ إلاّ مِن ذلِكَ العُشِّ. ۱
۵۵۶.فتح الأبواب عن حَمّاد بن حَبيب الكوفيّ :خَرَجنا حُجّاجا فَرَحَلنا
من زُبالَةَ لَيلاً ، فَاستَقبَلَنا ريحٌ سَوداءُ مُظلِمَةٌ ، فَتَقَطَّعَتِ القافِلَةُ ، فَتِهتُ في تِلكَ الصَّحاري وَالبَراري ، فَانتَهَيتُ إلى وادٍ قَفرٍ ، فَلَمّا أن جَنَّنِي اللَّيلُ آوَيتُ إلى شَجَرَةٍ عادِيَةٍ ، فَلَمّا أنِ اختَلَطَ الظَّلامُ إذا أ نَا بِشابٍّ قَد أقبَلَ ، عَلَيهِ أطمارٌ بيضٌ ، تَفوحُ مِنهُ رائِحَةُ المِسكِ ، فَقُلتُ في نَفسي : هذا وَلِيٌّ مِن أولِياءِ اللّه ِ تَعالى مَتى ما أحَسَّ بِحَرَكَتي خَشيتُ نِفارَهُ ، وأن أمنَعَهُ عَن كَثيرٍ مِمّا يُريدُ فِعالَهُ ، فَأَخفَيتُ نَفسي مَا استَطَعتُ ، فَدَنا إلَى المَوضِعِ ، فَتَهَيَّأَ لِلصَّلاةِ ، ثُمَّ وَثَبَ قائِما وهُوَ يَقولُ : «يا مَن أحارَ كُلَّ شَيءٍ مَلَكوتا ، وقَهَرَ كُلَّ شَيءٍ جَبَروتا ، أولِج قَلبي فَرَحَ الإِقبالِ عَلَيكَ ، وألحِقني بِمَيدانِ المُطيعينَ لَكَ» ، قالَ : ثُمَّ دَخَلَ فِي الصَّلاةِ ، فَلَمّا أن رَأَيتُهُ قَد هَدَأَت أعضاؤُهُ ، وسَكَنَت حَرَكاتُهُ ، قُمتُ إلَى المَوضِعِ الَّذي تَهَيَّأَ مِنهُ لِلصَّلاةِ ، فَإِذا بِعَينٍ تُفيضُ بِماءٍ أبيَضَ ، فَتَهَيَّأتُ لِلصَّلاةِ ، ثُمَّ قُمتُ خَلفَهُ ، فَإِذا أ نَا بِمِحرابٍ كَأَ نَّهُ مُثِّلَ في ذلِكَ المَوقِفِ ، فَرَأَيتُهُ كُلَّما مَرَّ بِآيَةٍ فيها ذِكرُ الوَعدِ وَالوَعيدِ يُرَدِّدُها بِأَشجانِ الحَنينِ ، فَلَمّا أن تَقَشَّعَ الظَّلامُ وَثَبَ قائِما وهُوَ يَقولُ : «يا مَن قَصَدَهُ الطالِبونَ فَأَصابوهُ مُرشِدا ، وأمَّهُ الخائِفونَ فَوَجَدوهُ مُتَفَضِّلاً ، ولَجَأَ إلَيهِ العابِدونَ فَوَجَدوهُ نَوّالاً» . فَخِفتُ أن يَفوتَني شَخصُهُ ، وأن يَخفى عَلَيَّ أثَرُهُ ، فَتَعَلَّقتُ بِهِ ، فَقُلتُ لَهُ : بِالَّذي أسقَطَ عَنكَ مَلالَ التَّعَبِ ، ومَنَحَكَ شِدَّةَ شَوقِ لَذيذِ الرُّعبِ ، إلاّ ألحَقتَني مِنكَ جَناحَ رَحمَةٍ ، وكَنَفَ رِقَّةٍ ، فَإِنّي ضالٌّ ، وبِعَيني كُلَّما صَنَعتَ ، وباُذُني كُلَّما نَطَقتَ ، فَقالَ : «لَو صَدَقَ تَوَكُّلُكَ ماكُنتَ ضالاًّ ، ولكِنِ اتَّبِعني وَاقفُ أثَري» ، فَلَمّا أن صارَ تَحتَ الشَّجَرَةِ أخَذَ بِيَدي ، فَتَخَيَّلَ إلَيَّ أنَّ الأَرضَ تُمَدُّ مِن تَحتِ قَدَمي ، فَلَمَّا انفَجَرَ عَمودُ الصُّبحِ ، قالَ لي :
«أبشِر فَهذِهِ مَكَّة » ، قالَ : فَسَمِعتُ الصَّيحَةَ ، ورَأَيتُ المَحَجَّةَ .
فَقُلتُ : بِالَّذي تَرجوهُ يَومَ الآزِفَةِ ويَومَ الفاقَةِ ، مَن أنتَ؟
فَقالَ لي : «أمّا إذا أقسَمتَ عَلَيَّ فَأَ نَا عَلِيُّ بنُ الحُسَين بنِ عَلِيِّ ابنِ أبي طالِبٍ صَلَواتُ اللّه ِ عَلَيهِم» . ۲