3 / 21
صَعصَعَةُ بنُ صُوحان
صَعصَعَةُ بنُ صوحان بنِ حُجرٍ العَبِديُّ ، كانَ مُسلِما عَلى عَهدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ولَم يَرَهُ . وكانَ مِن كِبارِ أصحابِ الإِمامِ عَلِيٍّ عليه السلام ، ومِنَ الَّذينَ عَرَفوهُ حَقَّ مَعرِفَتِهِ كَما هُوَ حَقُّهُ ، وكانَ خَطيبا شَحشَحا بَليغا . ذَهَبَ الأَديبُ العَرَبِيُّ الشَّهيرُ الجاحِظ إلى أ نَّهُ كانَ مُقَدَّما فِي الخِطابَةِ . وأدَلُّ مِن كُلِّ دَلالَةٍ اِستِنطاقُ عَلِيِّ بنِ أبي طالِب عليه السلاملَهُ .
أثنى عَلَيهِ أصحابُ التَّراجِم بِقَولِهِم : كانَ شَريفا ، أميرا ، فَصيحا ، مُفَوَّها ، خَطيبا ، لَسِنا ، دَيِّنا ، فاضِلاً .
نَفاهُ عُثمان إلَى الشّام مَعَ مالِكٍ الأَشتَر ورِجالاتٍ مِنَ الكوفَة . وعِندَما ثارَ النّاسُ عَلى عُثمان ، وَاتَّفَقوا عَلى خِلافَةِ الإِمامِ أميرِ المُؤمِنين عليه السلام قامَ هذَا الرَّجُلُ الَّذي كانَ عَميقَ الفِكرِ ، قَليلَ المَثيلِ في مَعرِفَةِ عَظَمَةِ عَلِيٍّ عليه السلامـ وكانَ خَطيبا مِصقَعا ـ فَعَبَّرَ عَنِ اعتِقادِهِ الصَّريحِ الرّائِعِ بِإِمامِهِ ، وخاطَبَهُ قائِلاً :
وَاللّه ِ يا أميرَ المُؤمِنين ، لَقَد زَيَّنتَ الخِلافَةَ وما زانَتكَ ، ورَفَعتَها وما رَفَعَتكَ ، ولَهِيَ إلَيكَ أحوَجُ مِنكَ إلَيها .
روى الشيخ الطوسي في كتاب الأمالي عن صَعصَعَة بنِ صوحان أنّه قال : دَخَلتُ عَلى عُثمانَ بنِ عَفّان في نَفَرٍ مِنَ المِصرِيّين ، فَقالَ عُثمان : قَدِّموا رَجُلاً مِنكُم يُكَلِّمني ، فَقَدَّموني ، فَقالَ عُثمان : هذا ، وكَأَ نَّهُ استَحدَثَني .
فَقُلتُ لَهُ : إنَّ العِلمَ لَو كانَ بِالسِّنِّ لَم يَكُن لي ولا لَكَ فيهِ سَهمٌ ، ولكِنَّهُ بِالتَّعَلُّمِ .
فَقالَ عُثمان : هاتِ .
فَقُلتُ : بِسمِ اللّه ِ الرَّحمنِ الرَّحِيمِ «الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّـهُمْ فِى الْأَرْضِ أَقَامُواْ الصَّلَوةَ وَ ءَاتَوُاْ الزَّكَوةَ وَ أَمَرُواْ بِالْمَعْرُوفِ وَ نَهَوْاْ عَنِ الْمُنكَرِ وَ لِلَّهِ عَـقِبَةُ الْأُمُورِ» .۱
فَقالَ عُثمان ُ: فينا نَزَلَت هذهِ الآيَةُ .
فَقُلتُ لَهُ : فَمُر بِالمَعروفِ وَانهَ عَنِ المُنكَرِ .
فَقالَ عُثمان : دَع هذا ، وهاتِ ما مَعَكَ .
فَقُلتُ لَهُ : بِسمِ اللّه ِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ «الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَـرِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا اللَّهُ»۲ إلى آخِرِ الآيَةِ .
فَقالَ عُثمان : وهذِهِ أيضا نَزَلَت فينا ، فَقُلتُ لَهُ : فَأَعطِنا بِما أخَذتَ مِنَ اللّه ِ .
فَقالَ عُثمان : يا أيُّهَا النّاسُ ، عَلَيكُم بِالسَّمعِ وَالطّاعَةِ ، فَإِنَّ يَدَ اللّه ِ عَلَى الجَماعَةِ ، وإنَّ الشَّيطانَ مَعَ الفَذِّ ، فَلا تَستَمِعوا إلى قولِ هذا ، وإنَّ هذا لا يَدري مَنِ اللّه ُ ولا أينَ اللّه ُ .
فَقُلتُ لَهُ : أمّا قَولُكَ : «عَلَيكُم بِالسَّمعِ وَالطّاعَةِ» فَإِنَّكَ تُريدُ مِنّا أن نَقولَ غَدا : «رَبَّنَآ إِنَّـآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَ كُبَرَآءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاَ»۳ ، وأمّا قَولُكَ : «أنَا لا أدري مَنِ اللّه ُ» فَإِنَّ اللّه َ رَبُّنا ورَبُّ آبائِنَا الأَوَّلينَ ، وأمّا قَولُكَ : «إنّيلا أدري أينَ اللّه ُ» فَإِنَّ اللّه َ تَعالى بِالمِرصادِ .
قالَ : فَغَضِبَ وأمَرَ بِصَرفِنا وغَلقِ الأَبوابِ دونَنا . ۴
وفي تاريخ دمشق : إنَّ عَلِيّا دَخَلَ عَلى صَعصَعَة يَعودُهُ ، فَلَمّا رَآهُ عَلِيٌّ ، قالَ : إنَّكَ ما عَلِمتُ حَسَنُ المَعونَةِ خَفيفُ المَؤونَةِ . ۵
فَقالَ صَعصَعَة : وأنتَ وَاللّه ِ يا أميرَ المُؤمِنين عَليمٌ ، وأنَّ اللّه َ في صَدرِكَ عَظيمٌ .
فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ : لا تَجعَلها اُ بَّهَةً عَلى قَومِكَ أن عادَكَ إمامُكَ .
قالَ : لا يا أميرَ المُؤمِنين ، ولكِنَّهُ مَنٌّ مِنَ اللّه ِ عَلَيَّ أن عادَني أهلُ البَيت وَابنُ عَمِّ رَسولِ رَبِّ العالَمينَ . ۶
وعن مَسمَعِ بن عَبدِ اللّه البَصرِيّ عن رَجُلٍ قال : لَمّا بَعَثَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِب ـ صَلَواتُ اللّه ِ عَلَيهِ ـ صَعصَعَةَ بن صوحان إلَى الخَوارِج قالوا لَهُ : أ رَأَيتَ لَو كانَ عَلِيٌّ مَعَنا في مَوضِعِنا أ تَكونُ مَعَهُ ؟
قالَ : نَعَم .
قالوا : فَأَنتَ إذا مُقَلِّدٌ عَلِيّا دينَكَ ، ارجِع فَلا دينَ لَكَ .
فَقالَ لَهُم صَعصَعَة : وَيلَكُم ألا اُقَلِّدُ مَن قَلَّدَ اللّه َ فَأَحسَنَ التَّقليدَ فَاضطَلَعَ بِأَمرِ اللّه ِ صِدّيقا لَم يَزَل ؟ أ وَلَم يَكُن رَسولُ اللّه صلى الله عليه و آله إذَا اشتَدَّتِ الحَربُ قَدَّمَهُ في لَهَواتِها فيَطَأُ صِماخَها بِأَخمَصِهِ ، ويُخمِدُ لَهَبَها بِحَدِّهِ ، مَكدودا في ذاتِ اللّه ِ عَنهُ ، يَعبُرُ رَسولُ اللّه صلى الله عليه و آله وَالمُسلِمون ؟! فَأَ نّى تَصرِفونَ ؟! وأينَ تَذهَبونَ ؟! وإلى مَن تَرغَبونَ وعَمَّن تَصدِفونَ ؟! ۷
1.الحجّ : ۴۱ .
2.الحجّ : ۴۰ .
3.الأحزاب : ۶۷ .
4.الأمالي للطوسي : ص ۲۳۶ ح ۴۱۸ .
5.في المصدر : «حسن المونة خفيق المؤونة» ، والصحيح ما أثبتناه.
6.تاريخ دمشق : ج ۲۴ ص ۸۸ .
7.الاختصاص : ص ۱۲۱ .