85
مكاتيب الأئمّة ج3

مكاتيب الأئمّة ج3
84

توبيخه على قتل حجر وأصحابه

۰.ألَستَ قاتِلَ حُجْرِ بنِ عَديٍّ أخي كِندَةَ ۱ وَأَصحابِهِ الصَّالِحينَ المُطيعينَ العابِدينَ ، كانوا يُنكِرونَ الظُّلمَ ، وَيَستَعظِمونَ المُنكَرَ والبِدَعَ ، ويُؤثِرونَ حُكمَ الكِتابِ ، ولا يَخافونَ فِي اللّه ِ لَومَةَ لائِمٍ ، فَقَتَلتَهُم ظُلماً وَعُدواناً مِن بَعدِ ما كُنتَ أعطَيتَهم الأمانَ والأَيمانَ المُغَلَّظَةَ ، وَالمَواثيقَ المُؤَكَّدَةَ ، لا تَأخُذُهُم بِحَدَثٍ كانَ بَينَكَ وَبَينَهُم ، وَلا بِإِحنَةٍ ۲ تَجِدُها في صَدرِكَ عَلَيهِم .
أوَلَستَ قاتِلَ عَمرو بنِ الحَمِقِ صاحِبِ رَسولِ اللّه ِ( صلى الله عليه و آله ) ،العَبدِ الصَّالِحِ الَّذي أبْلَتهُ
العِبادَةُ فَصَفِرَت لَونُهُ ، ونَحِلَت جِسمُهُ ، بَعدَ أنْ أمَّنتَهُ وَأعطَيتَهُ مِن عُهُودِ اللّه ِ عز و جل وَمِيثاقَهُ ما لَو أَعطَيتَهُ العُصَم ۳ فَفَهِمَتهُ لَنَزَلَت إِلَيكَ مِن شَعَفِ الجبالِ ۴ ، ثُمَّ قَتَلتَهُ جُرأةً علَى اللّه ِ عز و جل ، واستخِفافاً بِذلِكَ العَهدِ؟

1.حُجْرُ بنُ عَدِيّ حُجْرُ بن عديّ بن معاوية الكنديّ ، أبو عبد الرّحمن ، وهو المعروف بحجر الخير ، وابن الأدبر (الطّبقات الكبرى : ج ۶ ص ۲۱۷ ، سِيَر أعلام النُّبلاء : ج ۳ ص ۴۶۳ ، تاريخ مدينة دمشق : ج ۱۲ ص ۲۱۱ ، تاريخ الإسلام للذهبيّ : ج ۴ ص ۳۳) كان جاهليّاً إسلاميّاً (المستدرك على الصّحيحين : ج ۳ ص ۵۳۴ ح ۵۹۸۳ ، الطّبقات الكبرى : ج ۶ ص ۲۱۷ ، تاريخ مدينة دمشق : ج۱۲ ص ۲۱۱) ، وفد على النّبيّ (المستدرك على الصّحيحين : ج ۳ ص ۵۳۲ ح ۵۹۷۴ ، الطّبقات الكبرى : ج ۶ ص ۲۱۷ ، أنساب الأشراف : ج ۵ ص ۲۷۶ ، سِيَر أعلام النُّبلاء : ج ۳ ص ۴۶۳ ، تاريخ مدينة دمشق : ج ۱۲ ص ۲۰۷ ، اُسد الغابة : ج ۱ ص ۶۹۷) ، وله صحبة (المستدرك على الصّحيحين : ج ۳ ص ۵۳۴ ح ۵۹۸۳ ، سِيَر أعلام النُّبلاء : ج ۳ ص ۴۶۳ ، تاريخ الإسلام للذهبيّ : ج ۴ ص ۱۹۳ ، الاستيعاب : ج ۱ ص ۳۸۹ ، اُسد الغابة : ج ۱ ص ۶۹۷ وفيهما كان من فضلاء الصّحابة) . من الوجوه المتألّقة في التّاريخ الإسلامي ، ومن القمم الشّاهقة السّاطعة في التّاريخ الشّيعيّ . جاء إلى النّبيّ صلى الله عليه و آله وأسلم وهو لم يزل شابّاً . وكان من صفاته : تجافيه عن الدّنيا ، وزهده ،وكثرة صلاته وصيامه ،واستبساله وشجاعته ، وشرفه ونُبله وكرامته ، وصلاحه وعبادته (راجع : سِيَر أعلام النُّبلاء : ج ۳ ص ۴۶۳ ، البداية والنّهاية : ج ۸ ص ۵۰) . وكان معروفاً بالزُّهد (راجع : المستدرك على الصّحيحين : ج ۳ ص ۵۳۱ ح ۵۹۷۳ ، تاريخ مدينة دمشق : ج ۱۲ ص ۲۱۲ ، البداية والنّهاية : ج ۸ ص ۵۰ ) ، مستجاب الدّعوة لِما كان يحمله من روح طاهرة ، وقلب سليم ، ونقيبة محمودة ، وسيرة حميدة (راجع : الاستيعاب : ج ۱ ص ۳۹۱ ، اُسد الغابة : ج ۱ ص ۶۹۸ ) . ولم يسكت حجر قطّ أمام قتل الحقّ وإحياء الباطل والرّكون إليه . من هنا ثار على عثمان مع سائر المؤمنين المجاهدين (راجع : الجمل : ۱۳۷) . ولم يألُ جهداً في تحقيق حاكميّة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، فعُدّ من خاصّة أصحابه (الطّبقات الكبرى : ج ۶ ص ۲۱۷ ، اُسد الغابة : ج ۱ ص ۶۹۷ وفيه : كان من أعيان أصحابه ، الأخبار الطّوال : ص ۲۲۴ وفيه : كان من عظماء أصحاب عليّ وشيعته المطيعين (راجع : سِيَر أعلام النُّبلاء : ج ۳ ص ۴۶۳ الرقم ۹۵ ) . اشترك حجر في حروب الإمام عليه السلام . وكان في الجمل (راجع : المستدرك على الصّحيحين : ج ۳ ص ۵۳۲ ح ۵۹۷۴ ، الطّبقات الكبرى : ج ۶ ص ۲۱۸ ، أنساب الأشراف : ج ۵ ص ۲۷۶ ، تاريخ مدينة دمشق : ج ۱۲ ص ۲۱۰ ) قائداً على خيّالة كِنْدة (الجمل : ص ۳۲۰ ؛ الأخبار الطّوال : ص ۱۴۶ ) ، وفي صفّين أميراً (راجع : المستدرك على الصّحيحين : ج ۳ ص ۵۳۲ ح ۵۹۷۴ ، الطّبقات الكبرى : ج ۶ ص ۲۱۸ ، أنساب الأشراف : ج ۵ ص ۲۷۶ ، تاريخ مدينة دمشق : ج ۱۲ ص ۲۰۷) على قبيلته (وقعة صفّين : ص ۱۱۷ ؛ تاريخ خليفة بن خيّاط : ص ۱۴۶ ، سِيَر أعلام النُّبلاء : ج ۳ ص ۴۶۳ وفيه شهد صفّين أميرا) ، وفي النّهروان قاد ميسرة الجيش (راجع : الاستيعاب : ج ۱ ص ۳۸۹ ، اُسد الغابة : ج ۱ ص ۶۹۷ ) أو قاد ميمنته (راجع : الأخبار الطّوال : ص ۲۱۰ ، الإمامة والسّياسة : ج ۱ ص ۱۶۹) . وكان فصيح اللسان ، نافذ الكلام ، يتحدّث ببلاغة ، ويكشف الحقائق بفصاحة . وآية ذلك كلامه الجميل المتبصّر في تبيان منزلة الإمام عليه السلام (راجع : الجمل : ص ۲۵۵) . وكان نصير الإمام الوفيّ المخلص ، والمدافع المجدّ عنه . ولمّا أغار الضحّاك بن قيس على العراق ، أمره الإمام عليه السلام بصدّه ، فهزمه حجر ببطولته وشجاعته ، وأجبره على الفرار (راجع : الغارات : ج ۲ ص ۴۲۵ ؛ تاريخ الطّبري : ج ۵ ص ۱۳۵ ، الكامل في التّاريخ : ج ۲ ص ۴۲۶) . اطّلع حجر على مؤامرة قتل الإمام عليه السلام قبل تنفيذها بلحظات ، فحاول بكلّ جهده أن يتدارك الأمر فلم يُفلح (الإرشاد : ج ۱ ص ۱۹ ، المناقب لابن شهر آشوب : ج ۳ ص ۳۱۲) . واغتمّ لمقتله كثيراً . وكان من أصحاب الإمام الحسن عليه السلام الغيارى الثابتين (أنساب الأشراف : ج ۳ ص ۲۸۰ ؛ رجال الطّوسي : ص ۹۴ الرّقم ۹۲۸) . وقد جاش دم غيرته في عروقه حين سمع خبر الصّلح ، فاعترض (أنساب الأشراف : ج ۳ ص ۳۶۵ ، الأخبار الطّوال : ص ۲۲۰ ، شرح نهج البلاغة : ج ۱۶ ص ۱۵) ، فقال له الإمام الحسن عليه السلام : لو كان غيرُك مثلَك لَما أمضيتُه (أنساب الأشراف : ج ۳ ص ۳۶۵) . وكان قلبه يتفطّر ألماً من معاوية . وطالما كان يبرأ من هذا الوجه القبيح لحزب الطّلقاء الّذي تأمّر على المسلمين ، ويدعو عليه مع جمع من الشّيعة (راجع : تاريخ الطّبري : ج ۵ ص ۲۵۶ ، الكامل في التّاريخ : ج ۲ ص ۴۸۹) . وهو الحزب الّذي كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله وصفه بأنّه ملعون . وكان حجر يقف للدفاع عن العقيدة وأهل البيت عليهم السلام بلا وجلٍ ، ويُعنّف المغيرة الّذي كان فرداً في رجسه وقبحه ورذالته ، وقد تسلّط على الكوفة في أثناء حكومة الطّلقاء ، وكان يطعن في عليٍّ عليه السلام وشيعته (أنساب الأشراف : ج ۵ ص ۲۵۲ ، تاريخ الطّبري : ج ۵ ص ۲۵۴ ، الكامل في التّاريخ : ج ۲ ص ۴۸۹) . وضاق معاوية ذرعاً بحجر وبمواقفه وكشفه الحقائق ، وصلابته ، وثباته ، فأمر بقتله وتمّ تنفيذ أمره ، فاستشهد (راجع : تاريخ مدينة دمشق : ج۱۲ ص ۲۱۷ ، الاستيعاب : ج ۱ ص ۳۸۹) ذلك الرّجل الصّالح في مَرْج عذراء (عَذْراء : قرية بغَوطة دمشق من إقليم خولان ، معروفة ، وإليها يُنسب مَرْج . والمَرْج : الأرض الواسعة فيها نبت كثير تمرَج فيها الدّواب ؛ أي تذهب وتجيء . معجم البلدان : ج ۴ ص ۹۱ وج۵ ص ۱۰۰ وراجع : المستدرك على الصّحيحين : ج ۳ ص ۵۳۲ ح ۵۹۷۴ ، مروج الذّهب : ج ۳ ص ۱۲ ، الاستيعاب : ج ۱ ص ۳۹۰) سنة ۵۱ ه ، مع ثلّة من رفاقه (راجع : المستدرك على الصّحيحين : ج ۳ ص ۵۳۲ ح ۵۹۷۸ ، تاريخ مدينة دمشق : ج ۱۲ ص ۲۱۱ ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج ۴ ص ۱۹۴ ، مروج الذّهب : ج ۳ ص ۱۲ وفيه سنة ثلاث وخمسين) . وكان حجر وجيهاً عند النّاس ، وذا شخصيّة محبوبة نافذة ، ومنزلة حسنة ، فكَبُر عليهم استشهاده (الأخبار الطّوال : ص ۲۲۴ ) ، واحتجّوا على معاوية ، وقرّعوه على فعله القبيح هذا . وكان الإمام الحسين عليه السلام (أنساب الأشراف : ج ۵ ص ۱۲۹ ، الإمامة والسّياسة : ج ۱ ص ۲۰۳ ؛ رجال الكشّي : ج ۱ ص ۲۵۲ ، الاحتجاج : ج ۲ ص ۹۰ ح ۱۶۴) ممّن تألّم كثيراً لاستشهاده ، واعترض على معاوية في رسالة بليغة له أثنى فيها ثناءً بالغاً على حجر ، وذكر استفظاعه للظلم ، وذكّر معاوية بنكثه للعهد ، وإراقته دم حجر الطّاهر ظلماً وعدواناً . واعترضت عائشة (راجع : المستدرك على الصّحيحين : ج ۳ ص ۵۳۴ ح ۵۹۸۴ ، أنساب الأشراف : ج ۵ ص ۴۸ ، تاريخ الطّبري : ج ۵ ص ۲۷۹ ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج ۴ ص ۱۹۴ ، الاستيعاب : ج ۱ ص ۳۹۰) أيضاً على معاوية من خلال ذكرها حديثاً حول شهداء مرج عذراء (أنساب الأشراف : ج ۵ ص ۲۷۴ ، تاريخ مدينة دمشق : ج ۱۲ ص ۲۲۶ ، الإصابة : ج ۲ ص ۳۳ ؛ تاريخ اليعقوبي : ج ۲ ص ۲۳۱ ) . وكان معاوية ـ على ما اتّصف به من فساد الضّمير ـ يرى قتل حجر من أخطائه ، ويعبّر عن ندمه على ذلك (سِيَر أعلام النُّبلاء : ج ۳ ص ۴۶۵ ، تاريخ مدينة دمشق : ج ۱۲ ص ۲۲۶ ، تاريخ الطّبري : ج ۵ ص ۲۷۹ ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج ۴ ص ۱۹۴) ، وقال عند دنوّ أجله : لو كان ناصحٌ لَمَنعنا من قتله (أنساب الأشراف : ج ۵ ص ۲۷۵ ، تاريخ مدينة دمشق : ج ۱۲ ص ۲۳۱) ! وقتل مصعب بن الزّبير ولدَي حجر : عبيد اللّه ، وعبد الرّحمن صبراً (راجع : المستدرك على الصّحيحين : ج ۳ ص ۵۳۲ ح ۵۹۷۴ ، تاريخ مدينة دمشق : ج ۱۲ ص ۲۱۰) . وكان الإمام أمير المؤمنين عليه السلام قد أخبر باستشهاده من قبل ، وشبّه استشهاده ، وصحبه باستشهاد أصحاب الاُخدود . الأمالي للطوسي عن ربيعة بن ناجذ ـ بعد غارة سفيان بن عوف الغامدي واستنفار الإمام عليّ عليه السلام النّاس وتقاعس أصحابه ـ : قام حجر بن عديّ وسعد بن قيس فقالا : لا يسوؤك اللّه يا أمير المؤمنين ! مُرْنا بأمرك نتّبعْه ، فواللّه العظيم ، ما يعظم جزعنا على أموالنا أن تَفرّقَ ، ولا على عشائرنا أن تُقتل في طاعتك (الأمالي للطوسي : ص ۱۷۴ الرّقم ۲۹۳ ، الغارات : ج۲ ص ۴۸۱ نحوه) . تاريخ اليعقوبي ـ في ذكر غارة الضحّاك على القطقطانة (القُطْقُطانة : موضع قرب الكوفة من جهة البرِّيّة بالطفّ ، كان بها سجن النّعمان بن المنذر . معجم البلدان : ج ۴ ص ۳۷۴) ودعوته عليه السلام النّاس للخروج إلى قتاله ، قام إليه حجر بن عديّ الكنديّ فقال : يا أمير المؤمنين ! لا قرّب اللّه منّي إلى الجنّة من لا يحبّ قربك ، عليك بعادة اللّه عندك ؛ فإنّ الحقّ منصور ، والشّهادة أفضل الرّياحين ، اندب معي النّاس المناصحين ، وكن لي فئة بكفايتك ، واللّه فئة الإنسان وأهله ، إنّ الشّيطان لا يفارق قلوب أكثر النّاس حتّى تفارق أرواحهم أبدانهم . فتهلّل وأثنى على حجر جميلاً ، وقال : لا حرمَكَ اللّه ُ الشّهادَةَ ؛ فَإنّي أعلَمُ أنَّكَ مِن رِجالِها (تاريخ اليعقوبي : ج ۲ ص ۱۹۶) . وقعة صفّين عن عبد اللّه بن شريك : قام حجر فقال : يا أمير المؤمنين ! نَحنُ بنو الحرب وَأهلُها ، الّذين نُلقِحُها ونُنتِجُها ، قَد ضارَسَتنا وَضارَسناها (ضارَستُ الاُمورَ : جرَّبتُها وعَرَفتُها . لسان العرب : ج ۶ ص ۱۱۸) ، ولنا أعوان ذوو صلاح ، وعشيرة ذات عدد ، ورأي مجرّب ، وبأس محمود ، وأزمّتنا منقادة لك بالسّمع والطّاعة ؛ فإن شرّقت شرّقنا ، وإن غرّبت غرّبنا ، وما أمرتنا به من أمر فعلناه . فقال عليّ : أَكُلُّ قومِكَ يَرى مِثلَ رَأيكَ ؟ قال : ما رأيت منهم إلاّ حسنا ، وهذه يدي عنهم بالسّمع والطّاعة ، وبحسن الإجابة ، فقال له عليّ : خيرا (وقعة صفّين : ص ۱۰۴) . الإمام عليّ عليه السلام : يا أهلَ الكوفَةِ ! سيُقتَلُ فيكُم سَبعَةُ نَفَرٍ خِيارُكُم ، مَثَلُهم كَمَثلِ أصحابِ الاُخدودِ ، مِنهُم حِجرُ بنُ الأدبَرِ وأصحابُه (تاريخ مدينة دمشق : ج ۱۲ ص ۲۲۷ عن ابن زرير ، وراجع : المناقب لابن شهر آشوب : ج ۲ ص ۲۷۲) . الأغاني عن المجالد بن سعيد الهمدانيّ ، والصّقعب بن زهير ، وفُضيل بن خديج ، والحسن بن عقبة المراديّ . . . : إنّ المغيرة بن شعبة لمّا ولي الكوفة كان يقوم على المنبر ، فيذمّ عليّ بن أبي طالب وشيعته ، وينال منهم ، ويلعن قتلة عثمان ، ويستغفر لعثمان ويزكّيه ، فيقوم حجر بن عديّ فيقول : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّ امِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَآءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ» (النساء : ۱۳۵) وإنّي أشهد أنّ من تَذُمّونَ أحَقُّ بالفَضلِ مِمّن تُطرُونَ ، ومَن تُزكّونَ أحَقُّ بالذمّ مِمَّن تَعيبونَ . فيقولُ لَه المُغيرةُ : يا حِجرُ ! ويحَكَ ! اكفف من هذا ، واتّقِ غَضبَةَ السُّلطانِ وسَطوَتَهُ ؛ فَإنّها كثيرا ما تَقتُلُ مِثلَكَ ، ثُمّ يكفّ عنهُ . فلم يزل كذلِكَ حتّى كان المغيرة يوما في آخر أيّامه يخطب على المنبر ، فنال من عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، ولعنه ، ولعن شيعته ، فوثب حجرٌ فنعَرَ نعرةً أسمعت كلّ من كان في المسجد وخارجه . فقال له : إنّك لا تدري أيّها الإنسان بمن تولع ، أوَهرمت ! مر لنا بأعطياتنا وأرزاقنا ؛ فإنّك قد حبستها عنّا ، ولم يكن ذلك لك ولا لمن كان قبلك ، وقد أصبحت مُولعا بذمّ أمير المؤمنينَ وتقريظِ المجرمين . فقام معه أكثر من ثلاثين رجلاً يقولون : صدق واللّه حجر ! مر لنا بأعطياتنا ؛ فإنّا لا ننتفع بقولك هذا ، ولا يُجدي علينا . وأكثروا في ذلك . فنزل المغيرة ودخل القصر ، فاستأذن عليه قومه ، ودخلوا ولاموه في احتماله حجرا ، فقال لهم : إنّي قد قتلته . قال : وكيف ذلك ؟ ! قال : إنّه سيأتي أمير بعدي فيحسبه مثلي فيصنعُ به شبيها بما ترونه ، فيأخذه عند أوّل وهلة ، فيقتله شرّ قتلةٍ . إنّه قد اقترب أجلي ، وضعف عملي ، وما اُحبّ أن أبتدئ أهل هذا المصر بقتل خيارهم ، وسفك دمائهم ، فيسعدوا بذلك وأشقى ، ويعزّ معاوية في الدّنيا ، ويذلّ المغيرة في الآخرة ، سيذكرونني لو قد جرّبوا العمّال (الأغاني : ج ۱۷ ص ۱۳۷ ، أنساب الأشراف : ج ۵ ص ۲۵۲ ، تاريخ الطّبري : ج ۵ ص ۲۵۴ ، الكامل في التّاريخ : ج ۲ ص ۴۸۸ كلّها نحوه) . الطّبقات الكبرى ـ في ذِكر أحوال حجر بن عديّ ـ : ذكر بعض رواة العلم أنّه وفد إلى النّبيّ صلى الله عليه و آله مع أخيه هانئ بن عديّ ، وشهد حجر القادسيّة وهو الّذي افتتح مَرج عَذرا ، وكان في ألفين وخمسمئة من العطاء . وكان من أصحاب عليّ بن أبي طالب وشهد معه الجمل وصفّين . فلمّا قدم زياد بن أبي سفيان واليا على الكوفة دعا بحجر بن عديّ فقال : تعلم أنّي أعرفك ، وقد كنت أنا وإيّاك على ما قد علمت ـ يعني من حبّ عليّ بن أبي طالب ـ وإنّه قد جاء غير ذلك ، وإنّي أنشدك اللّه أن تقطر لي من دمك قطرة فأستفرغه كلّه ، املِكْ عليك لسانك ، وليسعك منزلك . . . وكانت الشّيعة يختلفون إليه ويقولون : إنّك شيخنا وأحقّ النّاس بإنكار هذا الأمر . وكانت إذا جاء إلى المسجد مشوا معه ، فأرسل إليه عمرو بن حريث ـ وهو يومئذٍ خليفة زياد على الكوفة وزياد بالبصرة ـ أبا عبد الرّحمن : ما هذه الجماعة وقد أعطيت الأمير من نفسك ما قد علمت ؟ فقال للرسول : تُنكرون ما أنتم فيه ؟ إليك وراءك أوسع لك ، فكتب عمرو بن حريث بذلك إلى زياد ، وكتب إليه : إن كانت لك حاجة بالكوفة فالعجل . . . فأرسل إليه الشّرط والبخاريّة فقاتلهم بمن معه ، ثمّ انفضّوا عنه واُتي به زياد وبأصحابه فقال له : ويلك ما لك ؟ فقال : إنّي على بيعتي لمعاوية لا اُقيلها ولا أستقيلها ، فجمع زياد سبعين من وجوه أهل الكوفة فقال : اكتبوا شهادتكم على حجر وأصحابه ، ففعلوا ثمّ وفدهم على معاوية ، وبعث بحجر وأصحابه إليه . . . فقال معاوية بن أبي سفيان : أخرجوهم إلى عذرا فاقتلوهم هنالك . قال : فحُملوا إليها ، فقال حجر : ما هذه القرية ؟ قالوا : عذراء ، قال : الحمد للّه ! أما واللّه إنّي لأوّل مسلم نبّح كلابها في سبيل اللّه ، ثمّ اُتي بي اليوم إليها مصفودا . ودُفع كلّ رجل منهم إلى رجل من أهل الشّام ليقتله ، ودُفع حجر إلى رجل من حمير فقدّمه ليقتله فقال : يا هؤلاء ! دعوني اُصلّي ركعتين ، فتركوه فتوضّأ وصلّى ركعتين ، فطوّل فيهما ، فقيل له : طوّلت ، أجزعت ؟ فانصرف فقال : ما توضّأت قط إلاّ صلّيت ، وما صلّيت صلاةً قطّ أخفّ من هذه ، ولئن جزعت لقد رأيت سيفا مشهورا وكفنا منشورا وقبرا محفورا . وكانت عشائرهم جاؤوا بالأكفان وحفروا لهم القبور ، ويقال : بل معاوية الّذي حفر لهم القبور وبعث إليهم بالأكفان . وقال حجر : اللهمّ إنّا نستعديك على اُمّتنا ؛ فإنّ أهل العراق شهدوا علينا ، وإنّ أهل الشّام قتلونا . قال : فقيل لحجر : مُدّ عنقك ، فقال : إنّ ذاك لَدَمٌ ما كنت لاُعِينَ عليه ، فقُدّم فضُربت عنقه . . . عن محمّد قال : لمّا اُتي بحجر فاُمر بقتله ، قال : ادفنوني في ثيابي ؛ فإنّي اُبعث مخاصِما(الطّبقات الكبرى : ج ۶ ص ۲۱۷ وراجع : مروج الذّهب : ج ۳ ص ۱۲ وتاريخ الطّبري : ج ۵ ص ۲۵۶ و۲۵۷) . تاريخ الطّبري عن أبي إسحاق : بعث زياد إلى أصحاب حجر حتّى جمع اثني عشر رجلاً في السّجن . ثمّ إنّه دعا رؤوس الأرباع ، فقال : اشهدوا على حجر بما رأيتم منه . . . فشهد هؤلاء الأربعة : أنّ حجرا جمع إليه الجموع ، وأظهر شتم الخليفة ، ودعا إلى حرب أمير المؤمنين ، وزعم أنّ هذا الأمر لا يصلح إلاّ في آل أبي طالب (تاريخ الطّبري : ج ۵ ص ۲۶۸ ، الكامل في التّاريخ : ج ۲ ص ۴۹۶ وراجع : البداية والنّهاية : ج ۸ ص ۵۱) . الأغاني : كتب أبو بردة بن أبي موسى : بسم اللّه الرّحمن الرّحيم ، هذا ما شهد عليه أبو بردة بن أبي موسى للّه ربّ العالمين ؛ شهد أنّ حجر بن عديّ خلع الطّاعة ، وفارق الجماعة ، ولعن الخليفة ، ودعا إلى الحرب والفتنة ، وجمع إليه الجموع يدعوهم إلى نكث البيعة ، وخلع أمير المؤمنين معاوية ، وكفر باللّه كفرةً صلعاء (الأغاني : ج ۱۷ ص ۱۴۹ ، أنساب الأشراف : ج۵ ص ۲۶۲ ، تاريخ الطّبري : ج ۵ ص ۲۶۸ عن أبي الكنود) . الأغاني : قال لهم] أي لحجْر وأصحابه السّتّة] رسولُ معاوية : إنّا قد اُمرنا أن نعرض عليكم البراءة من عليّ واللَّعن له ؛ فإن فعلتم هذا تركناكم ، وإن أبيتم قتلناكم ، وأمير المؤمنين يزعم أنّ دماءكم قد حلّت بشهادة أهل مصركم عليكم ، غير أنّه قد عفا عن ذلك ، فابرؤوا من هذا الرّجل يُخْلِ سبيلكم . قالوا : لسنا فاعلين ، فأمر بقيودهم فحُلّت ، واُتي بأكفانهم فقاموا الليل كلّه يُصلّون ، فلمّا أصبحوا قال أصحاب معاوية : يا هؤلاء ، قد رأيناكم البارحة أطلتم الصّلاة ، وأحسنتم الدّعاء ، فأخبرونا ما قولكم في عثمان ؟ قالوا : هو أوّل من جار في الحكم ، وعمل بغير الحقّ . فقالوا : أمير المؤمنين كان أعرف بكم . ثمّ قاموا إليهم وقالوا : تبرؤون من هذا الرّجل ؟ قالوا : بل نتولاّه (الأغاني : ج ۱۷ ص ۱۵۵ ، تاريخ الطّبري : ج ۵ ص ۲۷۵ ، أنساب الأشراف : ج ۵ ص ۲۶۶ نحوه) . الأغاني : قال لهم حجر : دعوني اُصلّي ركعتين ؛ فإنّي واللّه ما توضّأت قطّ إلاّ صلّيت ، فقالوا له : صلّ ، فصلّى ثمّ انصرف ، فقال : واللّه ما صلّيت صلاةً قطّ أقصر منها ، ولولا أن يروا أنّ ما بي جزع من الموت لأحببت أن أستكثر منها . ثمّ قال : اللهمّ إنّا نستعديك على اُمّتنا ؛ فإنّ أهل الكوفة قد شهدوا علينا ، وإنّ أهل الشّام يقتلوننا ، أما واللّه لئن قتلتمونا ؛ فإنّي أوّل فارس من المسلمين سلك في واديها ، وأوّل رجل من المسلمين نبحته كلابها . فمشى إليه هدبة بن الفيّاض الأعور بالسّيف ، فأرعدت خصائله (الخصيلة : لحم العضدين والفخذين والسّاقين ، وجمعها خصائل . النّهاية : ج ۲ ص ۳۸) ، فقال : كلاّ ، زعمت أنّك لا تجزع من الموت ؛ فإنّا ندعك ، فابرأ من صاحبك . فقال : ما لي لا أجزع ، وأنا أرى قبرا محفورا ، وكفنا منشورا ، وسيفا مشهورا ، وإنّي واللّه إن جزعت لا أقول ما يُسخط الرّبّ ، فقتله (الأغاني : ج ۱۷ ص ۱۵۵ ، تاريخ الطّبري : ج ۵ ص ۲۷۵) . الأغاني عن أبي مخنف عن رجاله : فكان مَن قُتل منهم سبعة نفر : حجر بن عديّ ، وشريك بن شدّاد الحضرميّ ، وصيفيّ بن فسيل الشّيبانيّ ، وقبيصة بن ضُبيعة العبسيّ ، ومُحرز بن شهاب المِنقريّ ، وكدام بن حيّان العنزيّ ، وعبد الرّحمن بن حسّان العنزيّ (الأغاني : ج ۱۷ ص ۱۵۷ ، أنساب الأشراف : ج ۵ ص ۲۷۱ ، تاريخ الطّبري : ج ۵ ص ۲۷۷ ، الكامل في التّاريخ : ج۲ ص ۴۹۸) . تاريخ اليعقوبي : قالت عائشة لمعاوية حين حجّ ، ودخل إليها : يا معاوية ، أقتلت حجرا وأصحابه ! فأين عزب حلمك عنهم ؟ أما إنّي سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : (يُقتل بمرج عذراء نفر يغضب لهم أهل السّماوات) ، قال : لم يحضرني رجل رشيد ، يا أُمّ المؤمنين ! (تاريخ اليعقوبي : ج ۲ ص ۲۳۱ ؛ تاريخ الطّبري : ج ۵ ص ۲۵۷ ، الكامل في التّاريخ : ج ۲ ص ۵۰۰ كلاهما نحوه وليس فيهما قوله صلى الله عليه و آله ) . الأغاني عن عبد الملك بن نوفل : كانت عائشة تقول : لولا أنّا لم نُغيّر شيئا إلاّ آلت بنا الاُمور إلى أشدّ ممّا كنّا فيه ، لغيّرنا قتل حجر ، أما واللّه إن كان لمسلما ما علمته حاجّا معتمرا (الأغاني : ج ۱۷ ص ۱۵۸ ، تاريخ الطّبري :ج۵ ص ۲۷۹ ، الكامل في التّاريخ : ج ۲ ص ۴۹۹) . تاريخ اليعقوبي : روي أنّ معاوية كان يقول : ما أعدّ نفسي حليما بعد قتلي حجرا وأصحاب حجر (تاريخ اليعقوبي : ج ۲ ص ۲۳۱) . تاريخ الطّبري عن ابن سيرين ـ في معاوية ـ : بلغنا أنّه لمّا حضرته الوفاة جعل يُغرغِر بالصوت ويقول : يومي منك يا حُجر يوم طويل (تاريخ الطّبري : ج ۵ ص ۲۵۷ و ص ۲۷۹ ، الكامل في التّاريخ : ج ۲ ص ۵۰۰ كلاهما نحوه) . تاريخ الطّبري : ـ في ذكر طلب زياد ومتابعته أصحابَ حُجْر ـ : فخرج عمرو بن الحمِق ورفاعة بن شدّاد حتى نزلا المدائن ، ثمّ ارتحلا حتّى أتيا أرض المَوصِل ، فأتيا جبلاً فكَمِنا فيه ، وبلغ عامل ذلك الرّستاق أنّ رجلين قد كمنا في جانب الجبل ، فاستنكر شأنهما ـ وهو رجل من همدان يقال له : عبد اللّه بن أبي بلتعة ـ فسار إليهما في الخيل نحو الجبل ومعه أهل البلد ، فلمّا انتهى إليهما خرجا . فأمّا عمرو بن الحمِق فكان مريضا ، وكان بطنه قد سَقَى ، فلم يكن عنده امتناع ، وأمّا رفاعة بن شدّاد ـ وكان شابّا قويّا ـ فوثب على فرس له جواد ، فقال له : اُقاتل عنك ؟ قال : وما ينفعني أن تقاتل! انجُ بنفسك إن استطعت ، فحمل عليهم ،فأفرجوا له ،فخرج تنفِر به فرسه ، وخرجت الخيل في طلبه ـ و كان راميا ـ فأخذ لا يلحقه فارس إلاّ رماه فجرحه أو عقره ، فانصرفوا عنه ، واُخذ عمرو بن الحمق ، فسألوه : من أنت ؟ فقال : من إن تركتموه كان أسلم لكم ، وإن قتلتموه كان أضرّ لكم ، فسألوه ، فأبى أن يُخبرهم ، فبعث به ابن أبي بلتعة إلى عامل الموصل ـ وهو عبد الرّحمن بن عبد اللّه بن عثمان الثقفي ـ فلمّا رأى عمرو بن الحمق عرفه ، وكتب إلى معاوية بخبره . فكتب إليه معاوية : إنّه زعم أنّه طعن عثمان بن عفّان تسع طعنات بمشاقص كانت معه ، وإنّا لا نريد أن نعتدي عليه ، فاطعنْه تسع طعنات كما طعن عثمان ، فاُخرج فطُعن تسع طعنات ، فمات في الاُولى منهنّ أو الثانية (تاريخ الطّبري : ج ۵ ص ۲۶۵ ، الكامل في التّاريخ : ج ۲ ص ۴۹۲ نحوه) . تاريخ اليعقوبي : بلغ عبدَ الرّحمن بن اُمّ الحكم ـ وكان عامل معاوية على الموصل ـ مكانُ عمرو بن الحمق الخزاعي ، ورفاعة بن شدّاد ، فوجّه في طلبهما ، فخرجا هاربين ، وعمرو بن الحمق شديد العلّة ، فلمّا كان في بعض الطّريق لدغت عمرا حيّة ، فقال : اللّه أكبر ! قال لي رسول اللّه : يا عمرو ! ليشترك في قتلك الجنّ والإنس ثمّ قال لرفاعة : امض لشأنك ؛ فإنّي مأخوذ ومقتول . ولحقته رسل عبد الرّحمن بن اُمّ الحكم ، فأخذوه وضُربت عنقه ، ونُصب رأسه على رمح ، وطِيفَ به ، فكان أوّل رأس طيف به في الإسلام . وقد كان معاوية حبس امرأته بدمشق ، فلمّا أتى رأسه بعث به ، فوُضع في حجرها ، فقالت للرسول : أبلغ معاوية ما أقول : طالبه اللّه بدمه ، وعجّل له الويل من نقمه ! فلقد أتى أمرا فريّا ، وقتل بَرّا نقيّا ! وكان أوّل من حبس النّساء بجرائر الرّجال (تاريخ اليعقوبي : ج ۲ ص ۲۳۱) .

2.أحن الرجل : من باب تعب : حَقَد وأضمر العداء ، والإحنة إسم منه (المصباح المنير : ص ۶) .

3.غراب أعصم : في أحد جناحيه ريشة بيضاء ، وقيل : هو الَّذي إحدى رجليه بيضاء ، وقيل : هو الأبيض . (لسان العرب : ج ۱۲ ص ۴۰۶) .

4.شعف الجبال : رؤوس الجبال(لسان العرب : ج ۹ ص ۱۷۷) .

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج3
    سایر پدیدآورندگان :
    فرجی، مجتبی
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 43758
صفحه از 340
پرینت  ارسال به