195
المناهج الروائية عند الشریف المرتضی

المنهج العملي في ظواهر الأخبار

ظواهر الأخبار هي الأساس في المنهج العملي العقائدي وقد طلب منّا الشارع المقدّس أن نعمل بظواهر الأحوال ، ولا نلتفت إلى التدقيقات العقلية ؛ لأنّ الأدلّة الاعتقادية وإن قامت على الأسس العقلية الدقيقة ، ولكن بعض الأدلّة الاعتقادية لا تتمّحل الفذلكات والتدقيقات العقلية ، الّتي يرى القارئ في مضامينها شيء من التمحل.
بل لابدَّ من الآخذ بظواهر الأحوال والصورة الواضحة في الأدلّة الاعتقادية ؛ فإنّ الشريعة جاءت لتخاطب الرعيل العام لا أنّها تخاطب علماء الكلام أو أصحاب التدقيقات العقلية ، وهذا ما يؤكّد عليه الشريف المرتضى قدس سره في مواضع متعددة من بحوثه.
منها في بحث المنامات حيث تطرّق الشريف المرتضى قدس سره إلى مسائل كثيرة ، وقال ناقلاً عن البعض:
«فإن قيل: فما تأويل ما يروى عنه عليه السلام من قوله: من رآني فقد رآني ، فإنّ الشيطان لا يتخيل بي ، وقد علمنا أنّ المحق والمبطل والمؤمن والكافر قد يرون النبيّ عليه السلام في النوم ، ويخبر كلّ واحد منهم عنه بضدّ ما يخبر به الآخر ، فكيف يكون رائياً له في
الحقيقة مع هذا؟
قلنا: هذا خبر واحد ضعيف من أضعف أخبار الآحاد ، ولا معوّل على مثل ذلك ، على أنّه يمكن مع تسليم صحّته أن يكون المراد به : من رآني في اليقظة فقد رآني على الحقيقة ؛ لأنّ الشيطان لا يتمثّل بي لليقظان؛ فقد قيل: إنّ الشياطين ربّما تمثّلت بصورة البشر.
وهذا التأويل أشبه بظاهر الخبر ؛ لأنّه قال: «من رآني فقد رآني» فأثبت غيره رائياً له، ونفسه مرئية ، وفي النوم لا رائي في الحقيقة ولا مرئي ، وإنّما ذلك في اليقظة.
ولو حملناه على النوم لكان تقدير الكلام: من اعتقد أنّه يراني في منامه ، وإن كان غير راءٍ لي على الحقيقة فهو في الحكم كأنّه رآني ، وهذا عدول عن ظاهر لفظ الخبر وتبديل لصيغته». ۱
فقوله قدس سره: «وهذا التأويل أشبه بظاهر الخبر» وقوله: «وهذا عدول عن ظاهر لفظ الخبر وتبديل لصيغته» هو بمثابة منهج واحد روائي في الحفاظ على ظواهر الأخبار وتفسيرها ، وعدم تبديل لحقائقها وتبادرها وإطلاقها وعمومها وظهورها.
ويقول الشريف المرتضى قدس سره في مسألة استلام الحجر الأسود : فقد ورد أنّه يقال عند استلامه: «أمانتي أديتها ، وميثاقي تعاهدته ؛ لتشهد لي بالموافاة غداً ».
فقد سئل الشريف المرتضى قدس سره عن المخاطب به؟ ومن المستمع له؟ فإنّ هذا يقتضي أن يكون المخاطب بهذه المخاطبة سامعاً رائياً مشاهداً مبلغاً.
يقول الشريف المرتضى قدس سره: فأمّا الغرض في استلام الحجر : فهو أداء العبادة ، وامتثال أمر الرسول صلى الله عليه و آله ، والتأسي بفعله ؛ لأنّه أمر عليه السلام باستلامه الحجر، ولمّا حجّ عليه السلام
رؤي مستلماً له، وقد أمر بالتأسي بأفعاله في العبادات، كما أمر بالتأسي بأقواله.
والعلّة في هذه العبادة على سبيل الجملة : مصلحة للمكلفين ، وتقويتهم للواجب ، وترك القبيح، وإن كنّا لا نعلم الوجه على سبيل التفصيل.
وما السؤال عن معنى ذلك إلاّ كالسؤال عن معنى الطواف ، وكونه سبعة أشواط ، ورمي الجمار ، والسعي بين الصفا والمروة ، والوقوف بعرفات.
فأمّا ماروي من القول الّذي يقال عند استلام الحجر الّذي هو: أمانتي أديتها ، وميثاقي تعاهدته ؛ لتشهد لي بالموافاة غداً.
والسؤال مَن المخاطب به والمستمع له، فالوجه في ذلك بيّن ؛ لأنّ ذلك هو دعاء اللّه تعالى وخطبات له، وهو المستمع له ، والمجازي عليه، وإنّما علقه بالحجر وأضافه إليه ؛ لأنّه عمل عنده ، وعبادة فيه ، وقربة إلى اللّه تعالى، فكأنّه قال: أمانتي في استعلائك أديتها.
ومعنى «لتشهد لي بالموافاة» أي ليكون عملي عندك شاهداً عند اللّه تعالى بموافاتي بما ندبت إليه من العبادة المتعلّقة بك المفعولة فيك.
وقد روى في معنى استلام الحجر وخطابه وفي علل كثير من العبادات أشياء يرغب عن ذكرها ؛ لأنّها مستفتحة خارجة عن العقول، يحمل التأويل والتخريج على الوجوه الصحيحة، فعلى بعد وتعسّف وتكلّف، وقد أغنى اللّه بالظواهر الصحيحة عن البواطن السقيمة. ۲

1.أمالي المرتضى ( غرر الفوائد ودرر القلائد ) : ج ۲ ص ۳۹۴ ـ ۳۹۵ . وانظر البحث بعينه في : مسألة في المنامات : ص ۱۲ ـ ۱۳ ( رسائل الشريف المرتضى ، المجموعة الثانية ) .

2.مسألة في استلام الحجر : ص ۲۷۶ ـ ۲۷۷ ( رسائل الشريف المرتضى ، المجموعة الثالثة ) .


المناهج الروائية عند الشریف المرتضی
194
  • نام منبع :
    المناهج الروائية عند الشریف المرتضی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 30547
صفحه از 358
پرینت  ارسال به