21
المناهج الروائية عند الشریف المرتضی

المناهج الروائية عند الشریف المرتضی
20

والدتـه

هي فاطمة بنت أبي محمّد الحسن (أو الحسين) الملقّب بالناصر الصغير ابن أحمد بن أبي محمّد الحسن الملقّب بالناصر الكبير أو الأطروش ، أو الأصم ، صاحب الدَّيلم بن علي بن عمر الأشرف بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، وهي والدة شقيقه الرضي، ويلقّب الناصر الأصم بالناصر للحقّ ، وكان شيخ الطالبيين، وعالمهم، وزاهدهم ، وشاعرهم، ملك بلاد الدَّيلم والجبل، وجرت له حروب عظيمة مع السامانية ، وتوفّي بطبرستان سنة (304 ه). ۱
وقد توفيت فاطمة بنت الناصر المذكورة رحمهماالله في ذي الحجّة سنة (385 ه)، ورثاها الشريف الرضي بالقصيدة الّتي مطلعها :
أبكيكِ لو نقع الغليل بكائيوأقول لو ذهب المقال بدائي

ألقابه وكنيته

اشتهر الشريف المرتضى قدس سره بلقب السيّد، والشريف، والمرتضى، وذي المجدين، وعَلم الهدى، وأوّل من وسمه بهذا اللقب الأخير، هو الوزير أبو سعد محمّد بن الحسين بن عبد الصمد سنة عشرين وأربعمئة، وسبب التسمية مذكورة في كتب التاريخ والتراجم. ۲ ويكنّى بأبي القاسم.

سماته الخلقية وصفاته الخلقيـة

كان الشريف رحمه الله ربع القامة ، نحيف الجسم ، أبيض اللّون ، حسن الصورة ، اشتهر
بالبذل والسخاء ، والإغضاء عن الحساد والأعداء، وقد مُني بكثير من هؤلاء، وديوانه طافح بالشكوى منهم ، والإيصاء بالتجاوز عنهم ، والكف عن مقارعتهم :
تجاف عن الأعداء بقيا فربّماكفيت فلم تجرح بناب ولا ظفر
ولا تبر منهم كلّ عود تخافهفإنّ الأعادي ينبتون مع الدهر۳
إلاّ أنّ أعداءه ومناوئيه وحاسدي نعمته وصموه بالبخل وقلّة الإنفاق بهتانا وحسدا ؛ وكلّ ذي نعمة محسود، وإنّا لم نجد فيما كتب عنه في التراجم من وسمه بهذه الصفة المنزه عنها، إلاّ ما نقله بعض المؤرخين بروايات متضاربة وأسانيد مضطربة، ملخّصها:
إنّ أحد الوزراء ـ قيل هو : محمّد بن خلف ـ قد وزع ضريبة على الأملاك ببادوريا ؛ ۴ وذلك لصرفها في حفر النهر المعروف بنهر عيسى، فأصاب ملكا للشريف المرتضى رحمه اللهبالناحية المعروفة بالداهرية، فوقع عليه من التقسيط عشرون درهما ، فكتب المرتضى قدس سرهإلى الوزير يسأله أسقاط ذلك عنه.
والقضية مذكورة في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، يرويها أبو حامدأحمد بن محمّد الإسفراييني الفقيه الشافعي، قال: كنت يوما عند الوزير فخر الملك أبي غالب محمّد بن خلف، وزير بهاء الدولة وابنه سلطان الدولة، فدخل عليه الرضي أبو الحسن فأعظمه وأجلّه ورفع منزلته . . . ، ثمّ دخل بعد ذلك عليه المرتضى أبو القاسم رضى الله عنه ، فلم يعظمه ذلك التعظيم، ولا أكرمه ذلك الإكرام، وتشاغل عنه برقاع يقرأها وتوقيعات يوقع بها ، فجلس قليلاً وسأله أمرا فقضاه ، ثمّ انصرف.
قال أبو حامد: فتقدّمت إليه ، وقلت: أصلح اللّه الوزير ، هذا المرتضى هو الفقية المتكلّم صاحب الفنون، وهو الأمثل الأفضل ، وإنّما أبو الحسن (يعني الرضي)شاعر، قال: وكنت مجمعا على الانصراف ، فجاءني أمر لم يكن في الحساب، فدعت الضرورة إلى ملازمة المجلس إلى أن تقوض الناس واحدا فواحدا ، ولم يبق عنده غيري، ثمّ سرد القصة ، وقضي الضريبة بما يشعر بالغض من منزلة المرتضى، هذا ما ذكره ابن أبي الحديد. ۵
والرواية تختلف بسندها ومتنها مع رواية صاحب عمدة الطالب ۶ حيث أسندها إلى أبي إسحاق الصابئ إبراهيم بن هلال الكاتب المشهور.
قال: كنت عند الوزير أبي محمّد المهلبي ذات يوم، فدخل الحاجب واستاذنه الشريف المرتضى فأذن له، فلمّا دخل قام إليه وأكرمه وأجلسه معه في دسته، وأقبل عليه يحدثه حتّى فرغ من حكايته ومهمّاته، ثمّ قام إليه وودعه وخرج ، فلم يكن ساعة حتّى دخل عليه الحاجب واستاذن للشريف الرضي .
ثمّ أورد القصّة بفروق في المتن أيضا.
فنحن نقف إزاء هذه الرواية المضطربة في متنها وسندها موقف الارتياب والاستغراب، فبينما ونجد ابن أبي الحديد يسندها لأبي حامد الإسفراييني مع الوزير محمّد بن خلف، نجد رواية ابن مهنا مسندة إلى أبي إسحاق الصابئ مع الوزير المهلبي مع فروق في المتن كما أسلفنا.
فإذا علمنا أنّ الوزير المهلبي أبا أحمد الحسن بن محمّد بن هارون ـ وزير معز الدولة البويهي ـ قد توفّي سنة (352 ه)، وهاتيك السنة هي قبل مولد المرتضى بثلاث سنين حيث كان مولده رحمه الله سنة (355 ه) ، هان علينا تفنيد الرواية بَداهة.
زيادة على ذلك : أنّ الرواية الاُولى تجعل الداخل الأوّل على الوزير هو الشريف الرضي ، بينما الرواية الثانية تجعله المرتضى.
هذا ما يشير إمّا إلى اختلاق الرواية ووضعها من الأساس، أو إلى تحريفها ، أو المبالغة فيها على أقرب الاحتمالات ، لما سنوضحه قريبا .
والشريف المرتضى قدس سره في سعة عن التوسّل بهذه الوسائل الركيكة الّتي لا تناسب منزلته ومقامه لدى الوزير ولدى الخلفاء أنفسهم ؛ لرفع هذه الضريبة اليسيرة، وذلك لما رزق من عزّة في النفس ، وحظّ وافر من الجاه ؛ زيادة على النعمة والثراء المصحوب بالبذل والسخاء ، الّذي دلّتنا عليه سيرته الحميدة ، وكرمه المعروف ، وبذله الفذّ، حتّى لِيم على كثرة الإنفاق والعطاء مرارا ، فقال في ذلك مجيبا لهم بقصائد مذكورة في ديوانه نذكر منها على سبيل الشاهد قوله :
دعي منظري إن لم أكن لك رائعاًولا تنظري إلاّ إلى حسن مخبري
فإنّي وخير القول ما كان صادقاًلدى الفخر سبّاق إلى كل مفخر
وأيضاً:
واعلم أنّ الدهر يعبث صرفهبما شاء من مال البخيل المقتر
وأيضا:
عذلت على تبذير مالي وهل ترىنجمع إلاّ للجؤور المبذر
أفرقه من قبل أن حال دونهرحيلي عنه بالحمام المقدر
مضى قيصر من بعد كسرى وخلياالتلاعب في أموال كسرى وقيصر
وغير ذلك ممّا سيأتي ذكره .
وقد استفاض عنه إنفاقه على مدرسته العلمية الّتي تعهد بكفاية طلابها مؤونة ومعاشا ، حتّى أنّه وقف قرية من قراه تصرف مواردها على قراطيس الفقهاء
والتلاميذ، وأنّه كان يجري الجرايات والمشاهرات الكافية على تلامذته وملازمي درسه، مثل الشيخ الطوسي قدس سره، فقد كان يعطيه اثني عشر دينارا في الشهر، ويعطي للقاضي عبدالعزيز بن البرّاج قدس سره ثمانية عشر دينارا وغيرهما، وذلك بفضل ما يرد عليه من دخل أملاكه الخاصة الّتي قدر باربعة وعشرين ألف دينار بالسنة، ۷ ولما يمتلكه من قرى وضياع قيل : إنّها ثمانون قرية بين بغداد وكربلاء، يجري خلالها نهر له، غرست الأشجار الوارفة على حافتيه ، فتهدلت غصونها بثمارها اليانعة، فكان ذلك الانعطاف يسهّل على أصحاب السفن والسابلة العابرين قطف تلك الأثمار الّتي أباحها المرتضى لهم. ۸
وبعد هذا ، فالرواية إن لم تكن موضوعة ومفتعلة من أصلها، فهي محرفة، أو مبالغ فيها على أقرب الاحتمالات ؛ لما رأيت من اختلال أسانيدها ومتونها.
وعلى فرض القول بصحّتها، فإنّ للشريف المرتضى قدس سره مخرجا منها ومندوحة عنها، بحملها على محامل التعديل ومخارج التأويل.
أفلا يحتمل أنّ السيّد الشريف قدس سره قد رأى بثاقب رأيه وسديد اجتهاده أنّ ما اُلقي عليه من ضريبة لحفر النهر إنّما هو من المصالح العامة الّتي يتحتم على الدولة القيام بها، والإنفاق عليها؟!
ولم يرد الشريف المرتضى قدس سره بدفعها عنه سوى دفع مظلمة أو إزالة ضرر، وكلاهما يجب أن يدفعا، كبيرين كانا أو صغيرين، وقد يكون السكوت عنهما يجرّ إلى مغارم، والرضا بهما يؤدي إلى مآثم، والكلّ محظور في الشريعة، والراضي بعمل قوم كالداخل معهم فيه.
وقد ذكر المحقّق الخوانساري قدس سره عن السيّد نعمة اللّه الجزائري قدس سره ما يفيد معنى ما
ذكرناه ، وهذه صورته:
أقول: كان الوزير فخر المُلك لم يتحقّق علو الهمّة؛ فلذا عاب الأمر على الشريف المرتضى رضى الله عنه ، وأمّا كان عليه غضاضة في ذلك الكتاب (يعني الكتاب الّذي بعثه المرتضى إلى الوزير يسأله تخفيف الضربية وإسقاطها)، لو كان سائلاً لها من أموال الوزير، وما فعله الشريف عند التحقيق من علو الهمّة، وذلك أنّه دفع عن ملكه بدعة لو لم يتداركها لبقيت على ملكه، وربّما وضعت من قدره لو بقيت عند أهل الأملاك وغيرهم، كما أنّه ورد في الحديث: المؤمن ينبغي له الحرص على حيازة (لعلّها حياطة) ماله الحلال، كي ينفقه في سبيل الطاعات.
كما كانت عادة جدّه أبي طالب بن عبدالمطلب عليه السلام ، فإنّه كان يباشر جبر ما انكسر من مواشيه وأنعامه، فإذا جاء الوافد إليه وهبها مع رعاتها له.
وقد نقل عن الشريف (عطّر اللّه مرقده) أنّه اشترى كتبا قيمتها عشرة آلاف دينار أو أزيد، فلمّا حملت إليه وتصفحها رأى في ظهر كتاب منها مكتوبا :
وقد تخرج الحاجات يا اُم مالكإلى بيع أوراق بهن ضنين
فأمر بإرجاعها إلى صاحبها ، ووهبه الثمن .
فأين همّته هذه من الوزير الّذي حمل إلى الرضي ألف دينار واستغنم ردّها إليه ؟ ! ۹
فأمّا إعظام الوزير للشريف الرضي وتبجيله له أكثر من أخيه المرتضى، فواضح لكلّ من وقف على سيرة الشريفين، وعرف نفسية كلّ من الشخصين، وسلكوهما ونزوعهما في الحياة.
فالشريف المرتضى قدس سره كان ولا ريب ينزع إلى الخلافة ، ويمني نفسه بها ، بل كان
يترقّبها صباحا ومساءً، وكان يعتقد أنّه سينالها ما بقي له جنان يخفق أو لسان ينطق بعد أمد قصير أو طويل .

1.شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ۱ ص ۱۳ ، وهامش ص ۷۶ من مقدّمة حقائق التأويل .

2.انظر روضات الجنات : ص ۳۸۳.

3.معجم الاُدباء : ج ۱۳ ص ۲۵۷ .

4.بادوريا : طسوج من كورة الاستان بالجانب الغربي من بغداد ، وهو اليوم محسوب من كورة نهر عيسى . قالوا : ما كان في شرقي الصراة فهو « بادوريا » ، وما كان في غربها فهو « قطربل » ( معجم البلدان : ج ۲ ص ۲۹ ) .

5.شرح نهج البلاغة : ج ۱ ص ۱۳ .

6.عمدة الطالب : ۱۹۸.

7.معجم الاُدباء : ج ۱۳ ص ۱۵۴.

8.روضات الجنات : ص ۳۸۳.

9.روضات الجنات : ص ۵۷۷ .

  • نام منبع :
    المناهج الروائية عند الشریف المرتضی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 30554
صفحه از 358
پرینت  ارسال به