231
المناهج الروائية عند الشریف المرتضی

المناهج الروائية عند الشریف المرتضی
230

الاُسس العقلية الشيعية في مواجهة المغالطة والجدل الاعتزالي

طرق المغالطة كثيرة ، ولا يمكن بسهولة ردّها إلاّ لمَن تحذلق في فن المنطق والجدل ، ومارس الطرق العقلية كثيرا ، وكان له ذهن وقاد يعرف أين الخلل في المقدّمات ؛ لأنّه قد يتكوّن القياس من صغرى وكبرى ونتيجة ، ولكن يدسّ المغالط بعض مغالطته في أحدها ، ولا يعرف ذلك بسهولة ووضوح إلاّ على الممارس لفن المغالطة .
وهذا ما نجده كثيرا في بحوث المغني في أبواب التوحيد والعدل ، ولكن الشريف المرتضى قدس سرهيضع بصمات البحث على كلّ موضع ، وسوف نتعرّض لقسم كثير منها بغية أن نحصل على جميع الاُسلوب المغالطي الّذي يحتويه المذهب الاعتزالي ، ويرأسه عميدها القاضي عبدالجبّار في كتابه المغني.
فمن الأُسس العقلية الشيعية في مواجهة المغالطة والجدل الاعتزالي : هو ما تطرّق إليه القاضي عبد الجبّار في قضية حساسة أطاحت بآمال الاعتزال خصوصا وأهل السنّة عموما ، وهي صراحة الحديث النبوي الواضح الدلالة الّذي احتج أبو بكر به يوم السقيفة على الأنصار ، عندما روى عن النبيّ صلى الله عليه و آله : «الأئمّة من قريش» .
دعا الجلاء الّذي في هذه الرواية علماء الجمهور إلى منازلتها ، والتخلّص من تبعاتها ، واصطدمت بقول عمر بن الخطاب عندما قال ـ قبيل وفاته ـ : «لو كان سالم مولى أبي حذيفة حيّا لاستخلفته»، ومن المعلوم أنّ سالما لايمت إلى قريش بصلة ولا كرامة.
هذا الإشكال المعمق الروائي تخبط بها القاضي المعتزلي فرارا منها ؛ فإنّها على حدّ قوله: «إنّه إذا أوجب فيها هذه الصفة دلّ على وجوبها». ۱
فأخذ القاضي عبد الجبّار يتمحّل لتوجيه هذه الرواية ويلين جوانبها بغية تضييق عمومها ، ووضع الحصار على إطلاقها ، فقال: «من أين أنّه أراد الإمامة الواجبة من قريش دون غيرهم ؟ !». ۲
بهذه الطريقة اللطيفة والجدلية استطاع زعزعة الرواية من موضعها ، وقال مضيفا إلى ذلك : «إنّه قد يريد صلى الله عليه و آله الإمامة المستحبّة والّتي ندبتم اليها » . ۳
ولا يكتفي بهذا المقدار حتّى يلتاف على الرواية بوجه آخر ، فيقول: «أو الّتي يلزمكم في حال دون حال». ۴
بهذه المغالطة الأخيرة نفّس القاضي عبدالجبّار على مذهبه الاعتزالي ، واستطاع أن يبرز مقدرته المنطقية في حرف الرواية عن ظهورها.
والآن فلنرى مقدار وعي الشريف المرتضى قدس سره في منازلاته العقائدية ، وطرقه المنهجية الروائية في احتواء الواقع ، فهو يناقش الرجل على ضوء معتقداته العقلية ، وطرقه الّتي سار عليها مع أسلافه من طرائق المعتزلة.
فأوّل ما يوجهه إليه هو أنّ قوله صلى الله عليه و آله : «الأئمة من قريش» وإن كانت بصورة الخبر
ولكنّه أمر. ۵
هذه هي منهجية عقلية أخذت الرواية إلى مسارها الصحيح بعد ما انحرفت لجدلية القاضي عبدالجبّار المعتزلي.
ويظهر الشريف المرتضى قدس سره الرواية بمحتواها الواضح ، فيقول: «وتقدير الكلام، اختاروا من قريش ، أو إذا اخترتم إماما فليكن من قريش». ۶
فهنا يردّ الشريف المرتضى قدس سره وضوح الرواية على مسارها الأوّل ، ويتبع منهجية العقل في توجيه الرواية ، وهذا ما صرّح فيه في عدّة مواضع على أصالة العقل بعد كتاب اللّه عز و جل .
ولا يكتفي بهذا المقدار من الظهور العقلي حتّى يرغمه بتوجيه آخر، وهو: «ولو لم يكن بمعنى الأمر ـ وإن كان له لفظ الخبر ـ لما سانح الاحتجاج به على الأنصار، ولا يكون الحجّة ثابتة عليهم إلاّ إذا كان أمرا في الحقيقة ، أو له معنى الأمر». ۷
هذا النقض الثاني تابع في منهجيته للنقض الأوّل الّذي كانت مبانيه عقلية ؛ فإنّ كلّ من الخبر يحمل على الأمر ، أو أنّ المخاطبين يفهمون منه الأمر على الحقيقة هو من سلك واحد جذوره أصالة العقل في التوجيهات الأخبارية الّتي أصبحت رهينة بيد الجدليين.
ثمّ يأصّل الشريف المرتضى قدس سره مبانيه العقلية المتقدّمة ، الّتي وجّهت الرواية توجيها صحيحا بالتمسّك بآية من القرآن الكريم ، وهي قوله تعالى: «وَالسَّارِقُ وَ السَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا »۸ ، يقول بهذا الصدد: «فإذا لم يمتنع عنده أن يريد بذلك إذا أقمتم ، إماما فليكن من قريش ، فيكون الخبر مفيدا لصفة الإمام الّذي هم
مخيرون في إقامته غير مقتضٍ لوجوب إقامته ، فكذلك قوله تعالى: «وَالسَّارِقُ وَ السَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا» وتوجيهه تعالى هذا الخطاب إلى الأئمة ، دون غيرهم لا يقتضي وجوب إقامة الأئمة ، بل هو خطاب لمن كان إماما بقطع السراق ، ويكون تقدير الكلام: والسارق والسارقة فليقطع أيديهما من كان إماما». ۹
ثمّ إنّ الشريف المرتضى قدس سره يورد إشكالاً على كلام القاضي عبدالجبّار بنفس طريقة طرحه للإشكال ، وهي: «قال: من أين أنّ الإمامة الواجبة من قريش دون المستحبّة ، أو الّتي ندبتم إليها؟!».
يقول الشريف المرتضى قدس سره: «من أين أنّ خطابه تعالى بقطع السارق متوجّه إلى الأئمة الّذين تجب إقامتهم دون الّذي ندب إلى إقامتهم أو دلّ على استحبابها ، وهذا ما لا فصل فيه». ۱۰ وحقّا هذا الّذي طرحه من الاحتمال لافصل فيه ، أي لاتفريق فيه.
فتمسّك أوّلاً بظاهر العقل ، ثمّ أجرى ذلك على آيات القرآن الكريم ، وبذلك سلم عنده مبناه ، وهو تقديم إشارة العقل والعرض على كتاب اللّه تعالى ؛ فلذلك يقول: «دليلنا على وجوب الإمامة ، ووجه وجوبها من طريق العقل». ۱۱
ومن الاُسس العقلية الشيعية في مواجهة المغالطة والجدل الاعتزالي هي مسألة الاختلاف والاجتهاد في الشريعة الاسلامية ، ومقدار معطياتها المعرفية وتعتبر هذه من المسائل المهمّة على صعيد الفكر الإسلامي ، وقد وقع السجال في ذلك ، وعن هذا الطريق أراد القاضي عبدالجبّار المعتزلي أن يصحح وجها من عقيدته ، مدعيا : إنّ ما تقدّم من حال الأئمة كانوا لايمنعون من الاختلاف والاجتهاد ، وجعل هذا بمثابة الصغرى في القياس.
ثمّ عرّج إلى كبرى اُخرى وهي : إنّ الثابت عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه كان لا يمنع
من ذلك ، بل كان يجيز لمن يخالفه في المذاهب أن يحكم ويفتي ويوليه الاُمور ، وكان ينقل من اجتهاد ، إلى اجتهاد، وتختلف مذاهبه على ما ظهرت الرواية به. ۱۲
ويعترف الشريف المرتضى قدس سره أنّ البحث بهذا المقدار حول قضية الاجتهاد من الاُمور غير الصحيحة ، ولكن بما أنّ المشكل يريد أن يوظّف القضية لصالحه فلابدَّ من الوقف أمامه ورد مزاعمه ومغالطاته.
وقبل أن نرى المنهج المتّبع الروائي في هذه القضية لابدَّ أن نعرف إنّ الّذي دعا القاضي عبدالجبّار إلى التفوه بهذا الأمر حتّى جعل ظهور الرواية بذلك ، هو ما ينقله الشريف المرتضى قدس سره في أثناء ردّه، وهو قوله: «وأكثر ما يدعيه المخالفون من ذلك ما روي من قول عبيدة السلماني وقد سأله عن بيع اُمهات الأولاد ، فقال [ الإمام علي عليه السلام ] : «كان رأيي ورأي عمر ألاّ يبعن، ورأيي الآن أن يبعن» . ۱۳
بهذا المضمون والصيغة استطاع القاضي أن يوحي إلى قرائه ما يتوخّاه من نظرياته الاعتقادية ، ويتّبع اُسلوبه الرائج في مغالطاته ، ويركّز دعائم مذهبه الاعتزالي.
وقد وجّه الشريف المرتضى قدس سره النقد اللاذع إلى هذا الخبر من حيث السند ومن حيث الدلالة:
أمّا من حيث السند فقد جعله في حيز الخبر الواحد الّذي لايؤمن به، حتّى ذكر أنّ أكثر الناس رد هذا الخبر وطعنوا في طريقه، وحقّ للشريف المرتضى قدس سره أن يستعين بهذا الطرح من الإشكال ؛ لأنّ مسألة الاجتهاد واختلاف الرأي ترجع بروحها إلى فروع الشريعة ، وتتحكم بها المناهج الأخبارية والروائية.
ثمّ يحاول من حيث الدلالة هدم كيان الخبر القائم ، فيقول: «ولو صحّ لم يكن
مصححا للاجتهاد الّذي يدعيه المخالفون ؛ لأنّه يمكن ـ على مذهبنا في حسن التقية ، بل على وجوبها في بعض الأحوال ـ أن يكون عليه السلام أظهر موافقة عمر لما علمه في ذلك من الاستصلاح ، ولمّا زال ما أوجب إظهار الموافقة أظهر المخالفة». ۱۴
بهذا المقدار الإشكالي في السند والدلالة اتّبع مشهور العلماء في نقاشهم واستدلالاتهم وردودهم ، ولكن هذا المقدار يطرحه في أثناء البحث ، وإنّما صدّر البحث بإشكالات اُخرى منهجية ، وهي النقض عليه بنفس منهجيته الجدلية ، فهو يؤكّد أنّ المعلوم من حال الأئمة الّذين حكموا البلاد وكذلك الإمام أمير المؤمنين عليه السلام خلاف ما ادعاه ؛ فإنّ الثابت عنهم وعن أمير المؤمنين عليه السلام خاصّة مناظرة المخالفين ، ومطالبتهم بالرجوع إلى الحقّ ، ويستدلّ على نقضه هذا ما تظاهرت به الرواية عن ابن عبّاس من قوله: «من شاء بأهلته في باب العول» وقوله: «ألاّ يتقي اللّه زيد بن ثابت يجعل ابن الابن ابنا ، ولا يجعل أبا الأب أبا؟ !». ۱۵
وأصرح من ذلك إتيانه بأخبار وردت عن الإمام علي عليه السلام تصرّح بأنّه قال: ـ وقد سأله قضاته عمّا يقضون به ـ : «اقضوا كما كنتم تقضون حتّى يكون الناس جماعة أوأموت ، كما مات أصحابي». ۱۶
كلّ ما تقدّم من مناهج البحث في ردّ هذه الدعوى كانت تساير القوم عند ردّهم ، ولم يصرّح الشريف المرتضى قدس سره بمنهجه الروائي العقلي المتّبع في دحض هذه الشبهة من أساسها ، نعم في آخر التفاتاته للخبر يأتي ببيت القصيد ، حتّى يضع منهجيته الروائية على اُصولها العقلية الصحيحة ، فهو يقول: «على أنّا لو عدلنا عن هذا الجواب . . . لم يكن فيما يدعيه من الخبر دلالة على صحّة الاجتهاد ؛ ولأنّه
لاينكر أن يرجّح من قول إلى قول بدليل قاطع». ۱۷
انظر إلى قوله: « بدليل قاطع » هذا هو المنهج الدقيق الّذي يسير عليه في منازعة خصمه ، ثمّ يضيف قائلاً: «وإنّما كان في الخبر متعلّق لو ثبت أنّه لا يمكن أن يرجع من قول إلى قول إلاّ بالاجتهاد ، فأمّا إذا كان ممكنا فلا فائدة في التعلّق به .
ثمّ يقول الشريف المرتضى قدس سره : « وهذا الجواب وإن كان غير صحيح ؛ لأنّ أمير المؤمنين عليه السلام لايجوز أن يخفى عليه الحقّ المعلوم بالدليل في وقت حتّى يرجّح إليه في وقت آخر ، فإنّما ذكرناه ؛ لأنّ اُصول من تعلّق بهذا الخبر في صحّة الاجتهاد لاتنافيه ، وإذا كانت اُصولهم تقتضي جواز ما ذكرناه بطل تعلّقهم به ، ولم يكن لهم أن يستدلّوا بما اُصولهم تقتضي أنّ لا دلالة فيه». ۱۸
ويرجّح القاضي عبدالجبّار المعتزلي مرّة اُخرى إثارة هذا الإشكال ليستفيد منه بأنّه غير لازم أن تصير الشريعة محفوظة إلاّ بإمام. فهو ينفي ذلك بصورة ترجع في مضمونها ومحتواها إلى بحثه السابق ، ويشير الشريف المرتضى قدس سره إلى ذلك بالتفاتة خاطفة .
يقول القاضي عبدالجبّار المعتزلي: «على أنّ المتعالم من حال أمير المؤمنين عليه السلام ـ وهو الإمام الأوّل [طبعا عند الإمامية] أنّه كان قد يرجع في معرفة بعض الشرائع إلى غيره من الصحابة ، وقد يرجع من رأي إلى رأي ، فكيف يمكن ادّعاء ما ذكروه من أنّ الشريعة لا تصير محفوظة إلاّ بالإمام ؟ ! والمتعالم من حاله أنّه كان يجوز لغيره مخالفته في الفتاوى والأحكام ، وكان لا ينكر على من لا يتبع قوله ، كما ينكر على من لا يتبع قول الرسول صلى الله عليه و آله ». ۱۹
ففي هذا المقطع عدّة إشكالات بعضها فنية ، واُخرى علمية:
أمّا الفنية فهي ـ كما أشار الشريف المرتضى قدس سره إلى ذلك ـ:
1 . إنّ القاضي عبدالجبّار لم يشر إلى شيء رجع فيه عليه السلام إلى غيره من الأحكام.
2 . أرسل القاضي عبدالجبّار القول به إرسالاً فعل من لا خلاف عليه ولا نزاع في قوله. ۲۰
أمّا العلمية ، فقد أشار الشريف المرتضى قدس سره إليها بقوله :
ما ذكره القاضي عبدالجبّار يواجه إشكالاً في المنهج ؛ فإنّ ما تظاهرت به الرواية أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال: «أنا مدينة العلم وعلي بابها» وما ظاهاها من الأخبار الكثيرة الّتي وردت عن النبيّ صلى الله عليه و آله ، فلا معنى لرجوعه عليه السلام إلى غيره في الأحكام ، وليس يرجع في الأحكام إلى غيره إلاّ من ذهب عنه بعضها وافتقر إلى معرفة غيره فيها. ۲۱
وبهذه المنهجية المنطقية العقلية استطاع الشريف المرتضى قدس سره أن يفحم خصمه المعتزلي الّذي أسّس عقيدته على قواعد منطقية من صغرى حسية ومن كبرى عقلية ، فهو بالتالي رجوع إلى اُسسه العقلية من عرض الخبر على العقول.
ثمّ يذكر الشريف المرتضى قدس سره مغالطة اُخرى وقع فيها القاضي عبدالجبّار في منهجيته الّتي سار عليها في الأخبار ، وهي:
كيف ساغ له أن يعكس الأمر ويقلبه ويجعل ما هو ظاهر من الافتقار إليه عليه السلام والرجوع إلى فتاويه وأحكامه رجوعا منه إلى غيره. ۲۲
فالقاضي عبدالجبّار المعتزلي بهذا القول أراد أن يدير الأنظار إلى جهته ، ويستفيد من المغالطات لدعم مذهبه وإن كان على حساب الحقّ ، حتّى أنّه يعيد المغالطة بعدة وجوه في عدّة دعاوى ، وهي غاية في فن الجدل والمغالطة.
ولكن الشريف المرتضى قدس سره لايبدل منهجيته المتبعة في هذه المغالطة الثانية وإن
كان يذكر مزالقه في ذلك قائلاً : «فأمّا الرجوع من رأي إلى آخر فقد بينا أنّه باطل ، وأن أكثر ما يتعلّق به خبر عبيدة السلماني ، وقد قلنا ما عندنا فيه». ۲۳
وأحد مناهج الاُسس العقلية في مواجهة المغالطة الاعتزاليه ، هي أنّ أحد الطعون الّتي وجهت إلى أبي بكر هو تخلفه عن جيش اُسامة بن زيد ، وذكروا أنّه لم يكن في جيشه ، وأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كرر حين موته بتنفيذ جيش اُسامة، وهذا ممّا لا شكّ فيه بين المؤرخين.
واعتقد البعض: إنّه جعل في جيش اُسامة هؤلاء القوم ليبعدوا بعد وفاته عن المدينة ، ولا يقع منهم توثيب على الإمامة ؛ ولذلك لم يجعل أمير المؤمنين عليه السلام في ذلك الجيش ، وجعل فيه أبا بكر وعمر وعثمان وغيرهم ، وذلك من أوكد الدلالات على أنّه لم يرد أن يختاروا للإمامة.
وهذا الأمر أوقع الكثير في الشكّ والترديد ، وتمحلوا له من المخارج الباردة :
أوّلاً: لم يكن أبو بكر في جيش اُسامة ، وأحالوا ذلك على كتب المغازي .
ثانيا: الالتزم بخلاف المباني الاُصولية الّتي تقول : إنّ أوامره صلى الله عليه و آله على الفور دون التراخي ، ولأجل هذا . جعل القاضي عبدالجبّار يميل عن الحقّ والصواب ، ويعتقد بأنّ أمر النبيّ صلى الله عليه و آله لا يلزم الفور ، وعليه لا يلزم من تأخّر أبي بكر عن النفوذ أن يكون عاصيا.
ثالثا: أنّ خطابه صلى الله عليه و آله بتنفيذ الجيش يجب أن يكون متوجّها إلى القائم بعده بالأمر ؛ لأنّه خطاب الأئمة ، وهذا يقتضي ألاّ يدخل المخاطب بالإنفاذ في الجملة.
رابعا: بل توسّعت جدلية القاضي عبدالجبّار في هذا المجال بحيث جعل هذا الخبر دالاً على إمامة أبي بكر بعد أن صمم لها أن تكون طعنا على الرجل ، وهو أنّ خطابه صلى الله عليه و آله بذلك يدلّ على أنّه لم يكن هناك إمام منصوص عليه ؛ لأنّه لو كان كذلك
لأقبل بالخطاب عليه وخصّه بالأمر بالإنفاذ دون الجميع. ۲۴
خامسا: استعان بمبحث اُصولي ، وهو أنّ أمره صلى الله عليه و آله بالإنفاذ لابدَّ أن يكون مشروطا بالمصلحة ، وألاّ يعرض ما هواهم منه؛ لأنّه لا يجوز أن يأمرهم صلى الله عليه و آله بالنفوذ وإن أعقب ضررا في الدين، واستشهد على ذلك بأنّه صلى الله عليه و آله لم ينكر على اُسامة تأخّره.
وذكر القاضي عبدالجبّار المعتزلي بعض المسائل الّتي تتعلّق بتوافق الصالح العام الإسلامي والمصلحة الّتي تستلزم النفع.
وردّ إشكال الإمامية ـ الّذي كان مفاده : أنّ إلحاقهم بجيش اُسامة ؛ لأجل ألاّ يقع منهم توثيب على الإمامة ـ بأنّ بعدهم لا يمنع من أنّ يختاروا للإمامة ؛ ولأنّه صلى الله عليه و آله لم يكن قاطعا على موته لا محالة ؛ لأنّه لم يرد تنفيذ جيش اُسامة في حياته. ۲۵
وردّه الشريف المرتضى قدس سره بجواب علمي دقيق ، يتّضح من خلاله منهجيته في نقد الخبر والأثر.
فأمّا بالنسبة للإشكال الأوّل: فإنّ كون أبي بكر في جملة جيش اُسامة ظاهر لا غبار عليه ، وقد ذكره أصحاب السير والتاريخ.
ويجعل الشريف المرتضى قدس سره البلاذري في تاريخه بأنّه معروف الثقة والضبط ، وبرئ من مماثلة الشيعة ومقاربتها ، وذكر أنّ أبا بكر وعمر كانا معا في جيش اُسامة. ۲۶
ويجيب عن الإشكال الثاني : بأنّ هذا خروج عن المباني الصحيحة ؛ لأنّ المقصود به الفور دون التراخي ، أمّا من حيث مقتضي الأمر على مذهب من رأى ذلك لغة أو شرعا من حيث وجدنا جميع الاُمة من لدن الصحابة إلى هذا الوقت يحملون أوامره ونواهيه صلى الله عليه و آله على الفور.
وأكّد الشريف المرتضى قدس سره أنّ تكرار النبيّ صلى الله عليه و آله الأمر وترداده القول في حال يشغل عن المهمّ أبلغ دليل على ذلك. ۲۷
ويدحض الإشكال الثالث : بأنّه وإن سلمنا أنّ أمره عليه السلام كان متوجّها إلى القائم بالأمر بعده لتنفيذ الجيش بعد الوفاه لم يلزم ما ذكره من خروج المخاطب بالإنفاذ عن الجملة ، فكيف يصحّ ذلك وهو من جملة الجيش ، والأمر متضمّن لتنفيذ الجيش ؟!
يقول الشريف المرتضى قدس سره : فلابدّ من خروج كلّ من كان في جملته ؛ لأنّ تأخّر بعضهم يسلب الخارجين اسم الجيش على الإطلاق، أوليس من مذهب صاحب الكتاب أنّ الأمر بالشيء أمر بما لايتمّ إلاّ معه، وقد اعتمد على هذا في مواضع كثيرة، وإن كان خروج الجيش ونفوذه لايتمّ إلاّ بخروج أبي بكر ، فالأمر بخروجه أمر لأبي بكر بالنفوذ والخروج ، وكذلك لو أقبل عليه على سبيل التخصيص وقال صلى الله عليه و آله وسلم: «نفذوا جيش اُسامة» وكان هو في جملة الجيش ، فلابدَّ من أن يكون ذلك أمرا له بالخروج واستدلالاً له ، على أنّه لم يكن هناك إمام منصوص عليه ، لعموم الأمر بالتنفيذ، ليس بصحيح ؛ لأنّا قد بيّنا أنّ الخطاب إنّما توجّه إلى الحاضرين ولم يتوجّه إلى الإمام بعده، على أنّ هذا لازم له ؛ لأنّ الإمام بعده لا يكون إلاّ واحدا فلم عمم صاحب الكتاب الخطاب ولم يفرد به الواحد، فيقول: لينفّذ القائم بالأمر بعدي جيش اُسامة ؛ فإنَّ الحال لايختلف في كون الإمام بعده عليه السلام واحدا بين أن يكون منصوصا عليه أو مختارا».
ويردّ على الإشكال الرابع والخامس: وأمّا ادّعاؤه الشرط في أمره عليه السلام بالنفوذ فباطل ؛ لأنّ إطلاق الأمر يمنع من إثبات الشرط، وإنّما يثبت من الشروط ما يقتضي العقل إثباتها من التمكّن والقدرة ؛ لأنّ ذلك شرط ثابت في كلّ أمر ورد من حكيم ،
والمصلحة بخلاف ذلك ؛ لأنّ الحكيم لا يأمر بشرط المصلحة ، بل إطلاق الأمر منه يقتضي ثبوت المصلحة وانتفاء المفسدة، وليس كذلك التمكّن وما يجري مجراه، ولهذا لا يشترط أحد في أوامر اللّه تعالى ورسوله بالشرائع المصلحة وانتفاء المفسدة، وشرطوا في ذلك التمكّن ورفع التعذّر، ولو كان الإمام منصوصا عليه بعينه واسمه ، لما جاز أن يسترد جيش اُسامة بخلاف ما ظنّه ، ولا أن يعزل من ولاّه صلى الله عليه و آله ، ولا يولّي من عزله للعلّة الّتي ذكرناها. ۲۸
هذه الإشكالات الخمسة من القاضي عبدالجبّار وردود الشريف المرتضى قدس سرهعليها ، تشكّل المركزية في هذا الخبر ، وما يتطرّق له في الأثناء هو بمثابة هوامش نقدية على الخبر ، ولا تشكّل بمحتواها الأساسي الواقعي للخبر.
ويجابه الشريف المرتضى قدس سره القاضي عبدالجبّار في ردّه إشكال الإمامية قائلاً : « فأمّا قول صاحب الكتاب ـ رادا على من جعل إخراج القوم في الجيش ليتمّ أمر النصّ: «إنّ بعدهم لايمنع من أن يختاروا للإمامة » ـ فيدلّ على أنّه لم يتبين معنى هذا الطعن على حقيقته ؛ لأنّ الطاعن به لا يقول إنّه أنفذهم لئلاّ يختاروا للإمامة ، وإنّما يقول إنّه أبعدهم حتّى ينتصب بعده في الأمر من نصّ عليه ، ولا يكون هناك من يخالفه وينازعه.
فأمّا قوله: «إنّه صلى الله عليه و آله لم يكن قاطعا على موته» فذلك لا يضرّ تسليمه ، أليس كان خائفا ومشفقا ؟ وعلى الخائف أن يتجرّد ممّا يخاف منه». ۲۹
من قول الشريف المرتضى قدس سره هذا جميعا يتّضح العمق والدقّة والمقدرة العلمية.
ومن خلال هذه الأجوبة اتّضحت كثيرا من المناهج الروائية الّتي أسسها ، سواء ما صرّح به حول البلاذري ، أو بناء الخبر على المباني الاُصولية والّتي قد استدلّ
عليها أثناء بحوثه الاُصولية الاستدلالية ، ولم نره يحايد تأسيساته العقلية وغيرها بوجه من الوجوه .
وأحد الاُسس العقلية الشيعية في ترصيع الحقائق ورد المغالطات والجدليات الاعتزالية ، هو ماورد من الطعون الّتي وجهت على الخليفة الأوّل : إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله لم يوله الأعمال، وولّى غيره عليه ، ولمّا ولاّه الحجّ بالناس ويقرأ عليهم سورة براءة [ و ] عزله عن ذلك ، وجعل الأمر إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، وقال صلى الله عليه و آله : «لا يؤدي عنّي إلاّ أنا ورجل منّي» حتّى رجع أبو بكر إلى النبيّ صلى الله عليه و آله .
ويجعل القاضي عبدالجبّار ـ كما هو المتعارف بمقدرته الجدلية ـ يجعل ذلك فضيلة للرجل ـ وإن صوّر ذلك بصورة القيل ، حيث قال:
«بل لو قيل : إنّه لم يوله لحاجته إليه بحضرته ، وأنّ ذلك رفعة له لكان أقرب ، سيّما وقد روي عنه صلى الله عليه و آله ما يدلّ على أنّهما وزيراه ، فكان صلى الله عليه و آله محتاجا إليهما ، وإلى رأيهما ، فلذلك لم يولهما». ۳۰
ولكنه يغالط في البين ويجعل ولاية عمرو بن العاص وخالد بن الوليد وغيرهما أفضل من أكابر الصحابة ، إلى غير ذلك من المخارج الّتي يرى القارئ بعدها عن منطوق الخبر.
ويخالف المتسالم التاريخي في ذلك ، ويدعي أنّ ولاية أبي بكر على الموسم والحجّ قد ثبتت بلاخلاف بين أهل الأخبار.
ولا يجعل رجوع أبي بكر إلى النبيّ صلى الله عليه و آله مستفهما عن القصة على العزل.
ثمّ يأتي بخبر لم يسمع به ، وهو أنَّ عبّاد وطبقته أنكر على الإمام علي عليه السلام سورة براءة من أبي بكر.
ثمّ يذكر وجها عن أبي علي يوجّه فيه أخذ البراءة منه ؛ ليخرج بذلك منتصرا في
تحقيقه ، وهو: إنّ العرب كانت عادتها أنّ سيّدا من سادات قبائلهم إذا عقد عقد القوم ؛ فإنّ ذلك العقد لا ينحل إلاّ أن يحلّه هو أو بعض سادات قومه ، فلمّا كان هذا عادتهم ، وكان رسول اللّه صلى الله عليه و آله قد عاهدهم على اُمورهم، وأراد أن ينبذ إليهم عهدهم وينقض ماكان بينه وبينهم علم أنّه لا ينحل ذلك إلاّ به أو بسيّد من سادات رهطه ، فعدل عن أبي بكر إلى أمير المؤمنين عليه السلام القرب في النسب. ۳۱
هذه عمدة إشكالات الخبر من القاضي عبدالجبّار وبعض مشائخه من المعتزلة ، ويجيب عليها الشريف المرتضى قدس سرهبروح علمية قائلاً : « يقال له: قد بيّنا أنّ تركه عليه السلام الولاية لبعض أصحابه ، مع حضوره وإمكان ولايته ، والعدول عنه إلى غيره ، مع تطاول الزمان وامتداده لابدَّ من أن يقتضي غلبة الظن بأنّه لايصلح للولاية، فأمّا من يدّعي أنّه لم يوله لافتقاره إليه بحضرته ، وحاجته إلى تدبيره ورأيه فقد بيّنا أنّه صلى الله عليه و آله ما كان يفتقر إلى رأي أحد ؛ لكماله ورجحانه على كلّ واحد ، وإنّما كان يشاور أصحابه على سبيل التعليم لهم والتأديب أو لغير ذلك ممّا قد ذكر.
وبعد، فكيف استمرّت هذه الحاجة واتصلت منه إليهما، حتّى لم يستغن في زمان من الأزمان عن حضورهما فيولّيهما، وهل هذا إلاّ قدح في رأي الرسول صلى الله عليه و آله ونسبته إلى أنّه كان ممّن يحتاج إلى أن يلقن، ويوقف على كلّ شيء، وقد نزهه اللّه تعالى عن ذلك.
فأمّا ادّعاؤه أنّ الرواية وردت بأنّهما وزيراه، وقد كان يجب أن يصحح ذلك قبل أن يعتمده ويحتجّ به، فإنّا ندفعه عنه أشدّ دفع.
فأمّا ولاية عمرو بن العاص وخالد بن الوليد فقد تكلّمنا عليها من قبل، وبيّنا أنّ ولايتهما تدلّ على صلاحهما لما وليا، ولا يدلّ على صلاحهما للإمامة ؛ لأنّ شرائط الإمامة لم تتكامل فيهما، وبيّنا أيضا أنّ ولاية المفضول على الفاضل لاتجوز بخلاف
ما ظنّه صاحب الكتاب.
فأمّا تعظيمه واستكباره قول من يذهب إلى أنّ أبا بكر عزل عن أداء سورة براءة والموسم معا ، وجمعهما لأمير المؤمنين عليه السلام ، وجمعه بين ذلك في البعد وبين إنكار عبّاد أن يكون أمير المؤمنين عليه السلام ارتجع سورة براءة من أبي بكر، فأوّل ما فيه : إنّا لا ننكر أن يكون أكثر الأخبار واردة بأنّ أبا بكر حجّ بالناس في تلك السنة، إلاّ أنّه قد روى قوم من أصحابنا خلاف ذلك، وأنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان أمير الموسم في تلك السنة، وأنّ عزله الرجل كان عن الأمرين، فاستكبار ذلك وفيه خلاف لا معنى له.
فأمّا ما حكاه من عبّاد فإنّا لا نعرفه ، ولا أظنّ أحد يذهب إلى مثله، وليس يمكنه بإزاء ذلك جحد مذهب أصحابنا الّذي حكيناه، وليس عبّاد ولو صحّت الحكاية عنه بإزاء من ذكرناه، فهو مليء بالجهالات ودفع الضرورات.
وبعد، فلو سلّمنا أنّ ولاية الموسم لم تفسخ لكان الكلام باقيا ؛ لأنّه إذا كان ما ولّي مع تطاول الزمان إلاّ هذه الولاية ثمّ سلب شطرها ، والأفخم الأعظم منها فليس ذلك إلاّ تنبيها على ما ذكرناه.
فأمّا ما حكاه عن أبي علي من أنّ عادة العرب ألاّ تحلّ ما عقده الرئيس منهم إلاّ هو أو المتقدّم من رهطه، فمعاذ اللّه أن يجري النبيّ صلى الله عليه و آله سنته وأحكامه على عادات الجاهلية، وقد بيّن عليه السلام سببه لمّا رجع إليه أبوبكر ، فسأله عن أخذ السورة منه، فقال: « اُوحي إلي ألاّ يؤدّي إلاّ أنا أو رجل منّي » ولم يذكر ما ادّعاه أبو علي على أنّ هذه العادة قد كان يعرفها النبيّ صلى الله عليه و آله قبل بعثة أبي بكر بسورة براءة ، فما باله لم يعتمدها في الابتداء ، ولم يبعث من يجوز أن يحلّ عقده من قومه. ۳۲
ومن الموارد الاُخرى الّتي نرى فيها قوة الاُسس العقلية الشيعية في مواجهة
مغالطات المعتزلة، هو: حديث المنزلة الّذي أخرجه جماعة من الحفّاظ وأرباب المسانيد واشتهر بين علماء الفريقين ، وهو أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي» .
يقول القاضي عبدالجبّار المعتزلي: «فاقتضى هذا الظاهر أنّ له كلّ منازل هارون من موسى ؛ لأنّه أطلق ولم يخصّ إلاّ ما دلّ عليه العقل والاستثناء المذكور ، ولولا أنّ الكلام يقتضي الشمول لما كان للاستثناء معنى ، وإنّما نبّه عليه السلام باستثناء النبوّة على أنّ ماعداه قد دخل تحته إلاّ ما علم بالعقل أنّه لا يدخل فيه نحو الاُخوة في النسب . . . وقد ثبت أنّ أحد منازله من موسى عليه السلام أن يكون خليفته من بعده ، وفي حال غيبته ، وفي حال موته ، فيجب أن يكون هذه حال أمير المؤمنين عليه السلام من بعد النبيّ صلى الله عليه و آله ». ۳۳
هكذا كان استدلال القاضي عبدالجبّار المعتزلي بهذه المتانة في تقرير الخبر على ولاية الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، ولكن الشريف المرتضى قدس سره بعد أن يذكر هذا النصّ للقاضي عبدالجبّار المعتزلي يرتئي أنّه لابدَّ من بيان الخبر بالصورة الّتي يرتضيها ، ثمّ يذكر مناقشات القاضي ، فيقول :
«إنّ الخبر دال على النصّ من وجهين مافيهما إلاّ قوي معتمد». ۳۴
ثمّ إنّ الشريف المرتضى قدس سره بعد أن يذكر الوجهين يعرّج على جملة من المداخلات والإشكالات الّتي تتبادر إلى الذهن كصحّة الخبر ، فهو يقول بهذا الصدد: « إنّ علماء الاُمة مطبقون على قبوله . . . والشيعة تتواتر به ، وأكثر رواة الحديث يرويه... وهو ظاهر بين الاُمة شائع كظهور سائر ما نقطع على صحّته من الأخبار ، واحتجاج أمير المؤمنين عليه السلام على أهل الشورى يصحّحه...». ۳۵
كلّ هذا في السند ووضوحه ؛ ولذلك لايضع القاضي عبدالجبّار بصمات الإتهام
عليه ، وإنّما يرده من جهة اُخرى دلّت على تمحله في نقض الخبر ، وهو الدخول من طريق : أنّ الخبر لايتناول إلاّ منزلة ثابتة منه ، ولا يدخل تحته منزلة مقدّرة ؛ لأنّ المقدر ليس بحاصل ، ولا يجوز أن يدخل تحت الكلام ما لم يحصل لهارون من المنزلة البتة ، وقد علمنا أنّه لم تحصل له الخلافة بعده ، فيجب ألاّ يدخل ذلك تحت الخبر. ۳۶
بهذه المقدرة الجدلية استطاع القاضي عبدالجبّار المعتزلي أن يتغلّب على سطوة الخبر وجلائه ، ولكن الشريف المرتضى قدس سره يرد على مزاعمه قائلاً: «يقال له . . . ما نراك ذكرت إلاّ ما يجري مجرى الدعوى ، وما أنكرت من أن يوصف المقدّر بالمنزلة إذا كان سبب استحقاقه وجوبه حاصلاً ، وليس يخرج بكونه مقدرا من أن يكون معروفا يصحّ أن يشار إليه ، ويشبّه به غيره ؛ لأنّه إذا صحّ وكان مع كونه مقدورا معلوما حصوله ووجوبه عند وجود شرطه ، فالإشارة إليه صحيحة والتعريف فيه حاصل » . ۳۷
ثمّ يأتي الشريف المرتضى قدس سره بمثالٍ حسّيٍّ مقرّبٍ للفكرة ، ومؤنسٍ لدعواه هذه الّتي ردّ بها القاضي عبدالجبّار ، ولا يجعل وفاة هارون عليه السلام خدشا في استحقاق الإمام علي عليه السلام الإمامة الكبرى بعد وفاة النبيّ صلى الله عليه و آله . ۳۸
ثمّ يقول الشريف المرتضى قدس سره: إنّ هارون وإن لم يكن خليفة لموسى بعد وفاته فقد دللنا على أنّه لو بقي لخلّفه في اُمته ، وأنّ هذه المنزلة وإن كانت مقدرة يصحّ أن تعدّ في منازله ، وأنّ المقدّر لو تسامحنا بأنّه لا توصف المنزلة ، لكان لابدَّ من أن يوصف ما هو عليه من استحقاق الخلافة بعده بأنّه منزلة ؛ لأنّ التقدير وإن كان في نفس الخلافة بعده فليس هو في استحقاقها وما يقتضى وجوبها ، وإذا ثبت ذلك
فالواجب فيمَن شبهت حاله بحاله وجعل له مثل منزلته إذا بقي إلى بعد الوفاة أن تجب له الخلافة ، ولا يقدح في ثبوتها له أنّها لم تثبت لهارون بعد الوفاة». ۳۹
ويضيف الشريف المرتضى قدس سره بجواب عقلي قائلاً : «إنّ هارون عليه السلام خلّفه في حياته واستحقّ ذلك بعد وفاته ، ولم تحصل هاتان المنزلتان ليوشع عليه السلام ، فعندما يريد النبيّ صلى الله عليه و آله العدول هو إخلال بالغرض». ۴۰
ويمكن للقارئ الكريم مراجعة أجوبة اُخرى عقلية. ۴۱

1.المصدر السابق : ص ۱۲۴.

2.المصدر السابق.

3.المصدر السابق.

4.المصدر السابق.

5.المصدر السابق : ج ۱ ص ۱۲۴ .

6.المصدر السابق.

7.المصدر السابق: ص ۷.

8.المائدة : ۳۸.

9.الشافي الإمامة : ج ۱ ص ۱۲۴ ـ ۱۲۵.

10.المصدر السابق : ص ۱۲۵.

11.المصدر السابق : ص ۱۳۷.

12.المغني في أبواب التوحيد والعدل ( القسم الأوّل ) : ج ۲۰ ص ۶۷ .

13.الشافي في الإمامة : ج ۱ ص ۱۷۶.

14.المصدر السابق : ص ۱۷۶.

15.المصدر السابق : ص ۱۷۴، ۱۷۵.

16.المصدر السابق : ص ۱۷۶.

17.المصدر السابق : ص ۱۷۷.

18.المصدر السابق : ص ۱۷۷.

19.المغني في أبواب التوحيد والعدل ( القسم الأوّل ) : ج ۲۰ ص ۷۳ .

20.المصدر السابق : ص ۲۰۱.

21.المصدر السابق : ص ۲۰۱ ـ ۲۰۳.

22.المصدر السابق : ص ۲۰۳.

23.المصدر السابق : ص ۲۰۴.

24.المغني في أبواب التوحيد والعدل ( القسم الأوّل ) : ج ۲۰ ص ۳۴۵ .

25.المصدر السابق : ص ۳۴۶.

26.الشافي في الإمامة ج ۴ ص ۱۴۷.

27.المصدر السابق : ص ۱۴۷ ـ ۱۴۸.

28.المصدر السابق : ص ۱۴۸ ـ ۱۴۹.

29.المصدر السابق : ص ۱۵۱.

30.المغني في أبواب التوحيد والعدل ( القسم الأوّل ) : ج ۲۰ ص ۳۵۰ .

31.المصدر السابق : ص ۳۵۰ ـ ۳۵۱.

32.الشافي في الإمامة : ج ۴ ص ۱۵۴ ـ ۱۵۵.

33.المغني في أبواب التوحيد والعدل ( القسم الأوّل ) : ج ۲۰ ص ۱۵۹ .

34.الشافي في الإمامة : ج ۳ ص ۷.

35.المصدر السابق : ج ۳ ص ۸.

36.المغني في أبواب التوحيد والعدل ( القسم الأوّل ) : ج ۲۰ ص ۱۵۹ .

37.الشافي في الإمامة : ج ۳ ص ۲۰.

38.المصدر السابق : ص ۲۴.

39.المصدر السابق : ص ۳۴ .

40.المصدر السابق : ص ۳۶.

41.المصدر السابق : ص ۳۶ ـ ۳۷.

  • نام منبع :
    المناهج الروائية عند الشریف المرتضی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 30544
صفحه از 358
پرینت  ارسال به