41
اسباب اختلاف الحديث

لم يوجد وجه صحيح يوفِّق بينهما أو العلم بعدم صدورهما معا، يحكم ـ بما هو قضيّة التحقيق في الموارد ـ إمّا بطرح أحدهما المعيّن، أو المردَّد، أو كليهما .
ومن فائدة العلاج الثبوتي ـ الّذي يُستخدم فيه الجمع التبرّعي أو سائر الوجوه المبنيّة على الاحتمالات النفس الأمرية ـ إبداءُ احتمال صحيح يحمل عليه الحديث المختلف لحفظه والحيلولة دون حذفه وضياعه أو إنكاره ، فربّ حامل فقهٍ غير فقيه، وربّ حامل فقهٍ إلى من هو أفقه منه، ۱ فعسى اللّه ـ تبارك وتعالى ـ أن يأتي بزمان تنحلّ فيه عقدة الاختلاف لنفس هذا الباحث، أو أن يأتي سبحانه باُناس تنحلّ لهم هذه العقدة « ذَ لِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ »۲ .
ولهذا نلاحظ العلماء يجعلون لكلّ واحد منهما موطنا خاصا ، فبينا تراهم يعالجون بين المختلفَين بتضعيف أحدهما سندا؛ لكي لا يلتزموا بمفاده في مقام الفتيا والعمل ، يحملونهما أو أحدهما على وجوه وتآويل بعيدة جدّا؛ للجمع بينهما ، نظرا إلى ما ذكرناه من مقتضيات مقام الثبوت . وستوافيك نماذج من كلماتهم. وسنُشير إلى نماذج كثيرة عالجوها عن طريق العلاج الثبوتي . ۳
وعليه فكلّ مجال يكتفي فيه العقل بقيام احتمال يوفِّق بين المختلفين ، لايصحّ إنكار شيء منهما ثبوتا والقطع بعدم صدوره بسبب التنافي بينهما، ما لم يحصل العلم بمطاردتهما واقعا، وتنافيهما في نفس الأمر .
كما لا يحكم بمجعولية حديث يمكن تأويله، أو الجمع بينه وبين ما يخالفه بوجه ممكن في نفس الأمر ، حتّى لو لم نجد طريقا لإثبات وجه العلاج ؛ لاحتمال أن يريد المتكلّم معنىً بعيدا عن اُفق الظهور، مع نصب قرينة، لكنها قد اختفت أو ضاعت ، أو نصْبِ قرينة يعرفها من اُريد إفهامه دون غيره؛ للتقيّة والإبعاد في التورية أو نحو ذلك . والشاهد عليه :

1.الكافي : ج۱ ص۴۰۳ ح۱ .

2.الجمعة : ۴ .

3.راجع السبب التاسع والخمسين التهكّم ، والسبب الستين الإنكار ، وغيرهما من المباحث الآتية .


اسباب اختلاف الحديث
40

وسواء أكان ناظرا إلى صورة الجمع الدلالي بين المختلفين ـ ولو بجمع تبرّعي ـ أو تفسير أحدهما بما يوافق الآخر، أو ناظرا إلى صورة عدم صدور أحدهما أو كليهما، أو صدورهما بالوجه الّذي هما أو أحدهما عليه؛ للتصحيف، أو التحريف، أو النقل بالمعنى، أو غير ذلك .
وعليه فكثيرا ما ينطبق مقام الثبوت ونفس الأمر على مقام الإثبات ، كما قد يختلفان ، وذلك في ما لو تخلّفت الطرق والقرائن الّتي أدّت إلى الوجه الّذي حُكِم به في مقام الإثبات كحكم ظاهري .

قوام العلاج الثبوتي

الجمع الّذي يستخدم في العلاج الدلاليّ الإثباتيّ لابدّ وأن يكون عرفيّا، لا تبرّعيّا ، بخلاف الجمع المستخدم في العلاج الثبوتي ، فإنّه أعمّ من الجمع العرفي والتبرّعي .
توضيح ذلك : أنّ الجمع والتوفيق بين حديثين مختلفين يتصوّر على وجهين : الجمع العرفي، والجمع التبرّعي .
فالأوّل: ما يكون في ظهوره وقوّة احتماله ـ وإمكان إثباته والبرهنة والاستشهاد عليه ـ بحيث يساعد عليه فهم العرف والعقلاء .
والثاني : ـ أعني الجمع التبرّعي ـ ما لايكون كذلك ، وإنّما هو مبنيّ على إبداء احتمال بعيد عن اُفق الظهور؛ لغرض التوفيق بين الكلامين، من دون شاهد ولا قرينة عليه . وهذا الجمع لا يرتضيه العرف، ولا يساعد عليه في مقام الإثبات ، لعدم ضبطه، وعدم إمكان الذبّ عنه والبرهنة عليه .
وللنهي عن إنكار الأحاديث الواردة عن بيت الوحي والعصمة ، يُكتفى في العلاج الثبوتي باحتمال صدور المختلفين عن المعصوم عليه السلام ، فيعالج بينهما بالجمع العرفي مهما أمكن ، وإلاّ فيُلاحَظ كلٌّ من احتمال صدورهما واقعا، وإرادةُ المعنى الملحوظ في هذا الجمع التبرّعي ، واحتمالُ عدم صدور أحدهما أو كليهما بما هما عليه من الألفاظ ، فإن

  • نام منبع :
    اسباب اختلاف الحديث
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 186422
صفحه از 728
پرینت  ارسال به