105
اسباب اختلاف الحديث

لكنّ أبا هريرة ارتكب إدراج حديث في حديث فجعلهما كحديث واحد، فصار أحدهما كقرينة صارفة لظهور الآخر عن الوجه المراد.
ولعلّك لاتجد من عوارض التحديث ـ الموجبة للاختلاف أو لمشكل الحديث ـ شيئا إلاّ وحديث أبي هريرة مشتمل عليه ، مع كونه من آخر القوم صحبة، وأكثرِهم رواية عنه صلى الله عليه و آله .
تحقيق ذلك : أنّ قوله صلى الله عليه و آله : «ويل للاعقاب من النار » يحتمل ـ في نفسه ـ وجوها ، منها :
أـ كون الأعقاب بمعنى الأولاد والأطفال . والحديث بهذا المعنى على طراز قوله تعالى : « يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ نَارًا » الآية .
وكذا ما رواه المحدّث النوري قدس سره عن جامع الأخبار :

۷۵.روي عن النبي صلى الله عليه و آله أنّه نظر إلى بعض الأطفال فقال :ويل لأولاد آخر الزمان من آبائهم . فقيل: يارسول اللّه ، من آبائهم المشركين؟ فقال : لا، من آبائهم المؤمنين؛ لايعلِّمونهم شيئا من الفرائض، وإذا تعلّموا ـ أولادُهم ـ منعوهم، ورضوا عنهم بعرَض يسير من الدنيا، فأنا منهم بريء، وهم منّي برآء. ۱

ب ـ أنّ المراد بالأعقاب هو العراقيب ، فلعلّ النبيّ صلى الله عليه و آله ندب إلى تنظيفها عند الوضوء ـ من غير أن يكون من فرائض الوضوء حتّى يخالف مدلول الكتاب العزيز الّذي يأمر بالمسح دون الغسل ـ ويؤيّده حديث عوالي اللآلي الّذي تقدّمت الإشارة إليه. ۲
بل ويؤيّده أيضا أن العراقيب كانت في معرض القذارة بل وكان من عادة الأعراب البول على أعقابهم حتّى انصدعت وتشقّقت ، فاُمروا بتطهيرها وتنظيفها .
قال المجلسي قدس سره : « كان ذلك من عادتهم ، ولذا أمرهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله بغسل رجليهم قبل الصلاة ، وقال : ويل للأعقاب من النار فتوهّموا أنّ ذلك في الوضوء كما ذكره الجزري في النهاية . أو هو كناية عن عدم احترازهم عن البول، فيصل إلى أرجلهم رشاشته ولا يغسلونها ، والأوّل أظهر». ۳

1.مستدرك الوسائل: ج۱۵ ص۱۶۴ ح۱۷۸۷۱ .

2.راجع عوالي اللآلي: ج۱ ص۱۱۸ ح۳۹.

3.بحار الأنوار: ج۶۷ ص۱۷۰.


اسباب اختلاف الحديث
104

وَ أَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجَارَةُ » 1 . وعلى هذا فالنبيّ صلى الله عليه و آله بصدد تحذير الآباء من التواني في تربية أولادهم كما سيوافيك توضيحه .
قال الدكتور صبحيالصالح : «من الإدراج في أوّل الحديث ما رواه الخطيب من طريق أبي قطن وشبابة، عن شعبة، عن محمّد بن زياد، عن أبي هريرة، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «أسبغوا الوضوء ، ويل للأعقاب من النار» ، فعبارة «أسبغوا الوضوء» في أول الحديث ليست من كلام الرسول صلى الله عليه و آله الّذي لم يزد على أن قال : «ويل للأعقاب من النار» ولكن أبا هريرة أدرج العبارة السابقة، فوهم أبو قطن وشبابة في روايتهما لها عن شعبة ، وظنّاها من قول الرسول صلى الله عليه و آله لا من قول أبي هريرة». 2
وقال أيضا في هامش كتابه : «عرفنا وقوع الإدراج في هذا الحديث من الروايات الكثيرة الاُخرى الخالية من عبارة : «أسبغوا الوضوء» ، وأجدر تلك الروايات بالعناية والاهتمام ما جاء في صحيح البخاري، عن آدم، عن شعبة، عن محمّد بن زياد، عن أبي هريرة قال : أسبغوا الوضوء ، فإنّ أبا القاسم صلى الله عليه و آله قال : «ويل للأعقاب من النار» 3 .
وذكر السيوطي نقلاً عن الخطيب أنّ الحديث بروايته الأخيرة «قد رواه الجمّ الغفير عن أبي هريرة كرواية آدم» 4 .
أقول : ما ذكره صبحي الصالح في أصل وقوع الإدراج لا غبار عليه ، لكن قوله : «أسبغوا الوضوء في أوّل الحديث ليست من كلام الرسول صلى الله عليه و آله » لا يمكن المساعدة عليه ؛ فإنّه قد استفاضت الأحاديث الآمرة بإسباغ الوضوء عنه صلى الله عليه و آله ، وكذا عن الأئمّة من أهل بيته الّذين هم أبواب مدينة علمه والحافظون لسنّته صلى اللّه عليه وعليهم أجمعين . 5

1.التحريم : ۶ .

2.علوم الحديث ومصطلحه: ص۲۶۲.

3.المصدر السابق .

4.تدريب الراوي : ج۱ ص۲۷۰ .

5.راجع وسائل الشيعة: ج۱ ص۴۸۷ الأحاديث ۱۲۸۸ ـ ۱۲۹۵ وغيرِها ممّا أشار إليه المحدّث الحرّ العاملي قدس سرهفي آخر الباب ۵۴ .

  • نام منبع :
    اسباب اختلاف الحديث
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 191219
صفحه از 728
پرینت  ارسال به