لكنّ أبا هريرة ارتكب إدراج حديث في حديث فجعلهما كحديث واحد، فصار أحدهما كقرينة صارفة لظهور الآخر عن الوجه المراد.
ولعلّك لاتجد من عوارض التحديث ـ الموجبة للاختلاف أو لمشكل الحديث ـ شيئا إلاّ وحديث أبي هريرة مشتمل عليه ، مع كونه من آخر القوم صحبة، وأكثرِهم رواية عنه صلى الله عليه و آله .
تحقيق ذلك : أنّ قوله صلى الله عليه و آله : «ويل للاعقاب من النار » يحتمل ـ في نفسه ـ وجوها ، منها :
أـ كون الأعقاب بمعنى الأولاد والأطفال . والحديث بهذا المعنى على طراز قوله تعالى : « يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ نَارًا » الآية .
وكذا ما رواه المحدّث النوري قدس سره عن جامع الأخبار :
۷۵.روي عن النبي صلى الله عليه و آله أنّه نظر إلى بعض الأطفال فقال :ويل لأولاد آخر الزمان من آبائهم . فقيل: يارسول اللّه ، من آبائهم المشركين؟ فقال : لا، من آبائهم المؤمنين؛ لايعلِّمونهم شيئا من الفرائض، وإذا تعلّموا ـ أولادُهم ـ منعوهم، ورضوا عنهم بعرَض يسير من الدنيا، فأنا منهم بريء، وهم منّي برآء. ۱
ب ـ أنّ المراد بالأعقاب هو العراقيب ، فلعلّ النبيّ صلى الله عليه و آله ندب إلى تنظيفها عند الوضوء ـ من غير أن يكون من فرائض الوضوء حتّى يخالف مدلول الكتاب العزيز الّذي يأمر بالمسح دون الغسل ـ ويؤيّده حديث عوالي اللآلي الّذي تقدّمت الإشارة إليه. ۲
بل ويؤيّده أيضا أن العراقيب كانت في معرض القذارة بل وكان من عادة الأعراب البول على أعقابهم حتّى انصدعت وتشقّقت ، فاُمروا بتطهيرها وتنظيفها .
قال المجلسي قدس سره : « كان ذلك من عادتهم ، ولذا أمرهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله بغسل رجليهم قبل الصلاة ، وقال : ويل للأعقاب من النار فتوهّموا أنّ ذلك في الوضوء كما ذكره الجزري في النهاية . أو هو كناية عن عدم احترازهم عن البول، فيصل إلى أرجلهم رشاشته ولا يغسلونها ، والأوّل أظهر». ۳