195
اسباب اختلاف الحديث

إطلاقه ـ هي العموم من وجه ، ۱ غير أنّ كثرة ما دلّ على الأوّل كثرة ساحقة تجعله من الإطلاقات أو العمومات الآبية عن التقييد أو التخصيص .
ج ـ إنّ أقصى دلالة ما دلّ على خلود قاتل المؤمن متعمّدا إنّما هو بالإطلاق فحسب ـ على فرض إطلاقه ـ وتماميّة مقدّمات الحكمة ، وأين هذا من الدلالات الوضعية ـ كالعموم والحصر ـ الدالّة على عدم خلود أهل التوحيد والمعرفة . فأقوائية الدلالة والظهور تجعل أدلّتها حاكمة على ما يعارضها .
د ـ لو سلِّم تساوي دلالتهما فغلبة رحمة اللّه تعالى على غضبه سبحانه ترجّح إطلاق عدم خلود أهل التوحيد والمعرفة على ما ينافيها .
ه ـ عدم حسن الإهمال في أدلّة عدم الخلود مع توفّر وجوه شتّى لحسن وحكمة إهمال أدلّة خلود قاتل المؤمن عن عمد ، فإنّ الإهمال في أدلّة عدم خلود أهل المعرفة والتوحيد في العذاب على فرض خلود بعض طوائف أهل الإيمان يوجب نوعا من التأمين والإغراء في الكبائر، وعدم حسنه بل قبحه واضح جدّا .
وأمّا إهمال أدلّة خلود قاتل المؤمن في العذاب فله من وجوه الحسن والحكمة ۲ ما

1.بكون المؤمن الّذي قتل مؤمنا متعمّدا مورد الاجتماع بينهما، والمؤمن الّذي لم يقتل مؤمنا متعمّدا مورد الافتراق من ناحية الأوّل، والكافر القاتل مؤمنا متعمّدا مورد الافتراق من جانب الثاني .

2.وإليك بعض وجوه حسن هذا الإهمال وحكمته : أ ـ أبلغية هذا البيان المبني على الإهمال وترك التفصيل في النهي والزجر عن تعمّد قتل المؤمن . ب ـ إنّ تعمّد قتل المؤمن من أقوى أسباب القساوة والشقاء؛ فإنّ المؤمن ربّما يهتك حرمة حمى اللّه تعالى بقتل عبده المؤمن فيقسو قلبه بحيث ينتهي به إلى الكفر والجحود، بل إلى أشنع مراتب الجحود وهو الجحود بعد الاستيقان على ما في قوله عزّ من قائل : «وَجَحَدُواْ بِهَا وَ اسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ . . . » كما تدلّ عليه الأحاديث ؛ فإنّ من آثار الذنوب التكذيب بآيات اللّه تعالى، وهو المساوق للكفر : « ثُمَّ كَانَ عَـقِبَةَ الَّذِينَ أَسَــئواْ السُّوأَى أَن كَذَّبُواْ بِـئايَـتِ اللَّهِ » . فمع انتهاء تعمّد قتل المؤمن إلى الكفر والجحود الّذي يترتّب عليه الخلود فيالنار يحسن قول : « وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَــلِدًا فِيهَا » . ج ـ ربّما لا تنجرّ هذه الجناية بالقاتل المسلم إلى الكفر إلاّ أنّها مع عدم التوبة توجب فيه شقاءً وفسقا يمحوان آثار الإسلام عن حاله، فيسلب إبليس الخبيث وجنوده إيمانه حال الاحتضار ، فلا يموت ولا يحشر مسلما، سواء أمات وحشر يهوديّا أو نصرانيّا ، بل أو مجوسيّا على حدّ ما في عدد من الأحاديث ( راجع وسائل الشيعة: ج۲۹ ص۱۹ ح۳۵۰۴۶ ) ، فيحرم الشفاعة يوم القيامة، ويعذّب في النار أحقابا، فيحسن في حقّه استعمال لفظ الخلود وإن كان لا يخلو من عناية وتجوّز في خصوصه، غير أنّ لطف الإهمال وحسن ترك التفصيل في مثل المورد غير خفي لمن له قلب أو ألقى السمع . د ـ مضافا إلى عدم الوفاء بالوعد وحسن عدم الوفاء بالوعيد كما روي عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «من وعد اللّه على عمل ثوابا فهو منجز له ، ومن أوعده على عمل عقابا فهو بالخيار» (تحف العقول: ص۴۸ ) .


اسباب اختلاف الحديث
194

وروى الصدوق بإسناده عن سماعة مثله . ۱

۱۷۹.في تفسير العيّاشي عن سماعة، عنه عليه السلام :. . . ولكن يقاد به ، والدية إن قبلت . قلت: فله توبة ؟ قال: نعم ، يعتق رقبة ، ويصوم شهرين متتابعين ، ويطعم ستين مسكينا ، ويتوب ويتضرّع ، فأرجو أن يتاب عليه . ۲

۱۸۰.روى الشيخ والصدوق بإسنادهما عن أبي السفاتج، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عز و جل :« وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ » قال : جزاؤه جهنم إن جازاه . ۳

وغيرها من الأحاديث .
فهذه الأحاديث ظاهرة الدلالة على عدم صحّة علاج الاختلاف المتقدم بتخصيص عموم الحديث الأوّل وآية النساء أو تقييد إطلاقهما بمفاد الحديث الثاني ؛ فإنّ الحديث الأوّل والآية المباركة سيقا بإهمال اقتضته الحكمة ، ولما سيأتي إن شاء اللّه .
طريقة الحلّ: الحلّ الوحيد هو القول بأنّ الحديث الأوّل ـ وما ورد بمضمونه كالآية من سورة النساء وبعض الأحاديث ـ محمول على الإهمال، وأنّ المتكلّم وهو الباري تبارك اسمه وأولياؤه الأطهار عليهم السلام لم يكونوا في مقام البيان والتفصيل ، بل رأوا وجه الحكمة في سوق الكلام كقضية مهملة لاشتماله في مثل المقام على لطائف ثمينة ومصالح تربوية عظيمة جدّا . وإليك شواهد هذا الحلّ :
أ ـ الأحاديث الواردة في جزاء قاتل المؤمن متعمّدا والمفسِّرة للآية من سورة النساء تحسِّن هذا الإهمال .
ب ـ إنّ النسبة بين إطلاق ما دلّ على عدم خلود أهل التوحيد والمعرفة في العذاب، وبين إطلاق ما دلّ على أنّ جزاء قاتل المؤمن متعمّدا هو الخلود في النار ـ بعد تسليم

1.معاني الأخبار: ص ۳۸۰ ح ۴.

2.تفسير العيّاشي : ج۱ ص۲۶۷ ح۲۳۶ .

3.تهذيب الأحكام : ج۱۰ ص۱۶۵ ح۶۵۸ ، معاني الأخبار : ص۳۸۰ ح۵ ، بحار الأنوار : ج۱۰۴ ص۳۷۵ ح۳۰ .

  • نام منبع :
    اسباب اختلاف الحديث
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 191489
صفحه از 728
پرینت  ارسال به