313
اسباب اختلاف الحديث

السبب الأربعون : اختلاف الرؤية التوحيدية والعاديّة

من جملة ما يوجب الاختلاف الصوري بين الأحاديث ويوهم التنافي بينها اختلاف رؤية المعصوم عليه السلام عن غيره إلى الأحداث ، بل إنّ هذا من أهمّ الأسباب الموجبة لمشكل الحديث أيضا .
وذلك أنّ الشيء ما لم توجد مجموعة أجزاء علله لم يوجد ، ولكلّ شيء علل طولية، كما أنّ له عللاً عرضية ، وما من شيء إلاّ ومرجع علله وأزمّة اُموره إلى اللّه تعالى .
وهذه العلل يمكن تقسيمها باعتبار إلى : العلل العاديّة، والعلل التوحيديّة . وأعني بالعلل العاديّة الأسباب المعهودة لنا في رؤيتنا العاديّة للاُمور كالعلل الفيزيائية ونحوها . وأعني بالعلل التوحيديّة ما يرجع إلى تعلّق الإرادة الإلهية ومشيئته سبحانه بشيء نفيا أو إثباتا، وكذا الأسباب المتعلّقة بعوالم الغيب ؛ من توكيله سبحانه الملائكةَ على الاُمور .
وقد بعث الأنبياء والأولياء عليهم السلام لإلفات نظر الناس إلى عوالم الغيب والعلل الإليهة؛ لأنّها هي التي تقع في طريق هداية الناس إلى التوحيد .
لكن قد تدعو الضرورة إلى أن يلاحظ المعصومون عليهم السلام العللَ العاديّة وأن يُسندوا الاُمور إلى الأسباب الأرضية ، فيتوهَّم من لا خبرة له بلسانهم عليهم السلام أنّ الأحاديث المشتملة على الصنفين المذكورين مختلفة بعضها مع بعض، وما ذلك إلاّ من قلّة المعرفة بمعارفهم عليهم السلام ، فكلّ الاُمور معلولة لإرادة اللّه تبارك وتعالى، وللعلل والأسباب الّتي استخدمها ۱ لتنفيذ

1.إباءً منه تعالى أن تجري الاُمور إلاّ بأسبابها من دون أن يكون له سبحانه حاجة إلى تلك الأسباب بل منّا وتفضّلاً منه تعالى إلى تلك الأسباب .


اسباب اختلاف الحديث
312

علاج الاختلاف :

يمكن حمله على وجود مانع يمنع عن تأثير المقتضي للإيمان ، فاللّه تعالى أعطاهم من العقل والاختيار وطريق الهداية ما يقدرون به على الإيمان ، «وَ لكِنْ لَعَنَهُمُ اللّه بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاّ قَلِيلاً»۱ ، فشدّة كفرهم وتماديهم في الغيِّ والقسوةِ وأكلِهم السحتَ وسائرِ ما حكى اللّه من مقتضيات فسقهم اقتضت لعنا من اللّه لا يوفَّقون معه للإيمان إلاّ قليلاً منهم . وإلاّ فلو كان المراد عدم تأتّي إيمانهم لمانع تامّ المانعية فلا يصحّ استثناء إيمان قليل منهم ، بل لا يصحّ ذمّهم على الكفر أيضا، وهو كما ترى .
هذا بالنسبة إلى بني إسرائيل، وأمّا سائر الأقوام المعطوفة عليهم فكذلك ، وإن كانوا متفاوتين فيما يمنعهم عن الإيمان .
ويمكن حمل الحديث الأوّل ـ وما يجري مجراه ـ على كون المراد هو الإيمان بالمعنى الخاصّ ، فلا يخرج منهم الأوتاد ولا الأبدال ، ولا تنافي بين الوجهين .

1.النساء : ۴۶ .

  • نام منبع :
    اسباب اختلاف الحديث
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 191367
صفحه از 728
پرینت  ارسال به