545
اسباب اختلاف الحديث

تموت ، فلو كانت الآية إذا نزلت في الأقوام ماتوا ماتت الآية لمات ۱ القرآن ، ولكن هي جارية في الباقين كما جرت في الماضين . وقال عبد الرحيم : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : إنّ القرآن حيّ لم يمت ، وإنّه يجري كما يجري الليل والنهار ، وكما تجري الشمس والقمر ، ويجري على آخرنا كما يجري على أوّلنا . ۲

بيان : لمّا كان لعموم قوله تعالى : « لِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ » مجارٍ ومصاديقُ يأتي الواحد بعد الآخر ، استعمل فيه مصطلح الجري ؛ للتنبيه على أنّ الآية جارية في عمود الزمان ، فكلّما جاء مصداق من مصاديقها ومورد من مواردها التي تشملها الآية بظاهر تنزيلها، أو بحقيقة تأويلها، أو ببطن من بطونها، جرت عليه من دون اختصاصها بقوم دون قوم، ولا بزمان دون زمان .
ولا يخفى أنّ الّذين يجري عليهم لفظ «الهادي» بخصوصهم ـ في مورد هذه الآية ـ وإن كانوا هم الأئمّة المعصومين عليهم السلام ، إلاّ أنّ المقصودية بالخصوص ليست من شروط الجري ، كما أنّ الانطباق بمقتضى ظهر الآية ليس من شروط صدق الجري ، ويشهد لذلك الأحاديث التالية :

۵۸۵.العيّاشي بإسناده مرفوعا عن خيثمة، قال :قال أبو جعفر عليه السلام : يا خيثمة ، القرآن نزل أثلاثا : ثلث فينا وفي أحبّائنا ، وثلث في أعدائنا وعدوّ من كان قبلنا ، وثلث سنة ومثل ، ولو أنّ الآية إذا نزلت في قوم ثم مات اولئك القوم ماتت الآية لما بقي من القرآن شيء ، ولكنّ القرآن يجري أوّله على آخره ما دامت السماوات والأرض ، ولكلّ قوم آية يتلونها وهم منها من خير أو شرّ . ۳
بيان : قوله عليه السلام : «القرآن يجري أوّله على آخره» بيان لوجه حياة الآيات ومواكبتها لكلّ زمان ، وتعدّيها عن معاني تنزيلها إلى مجاري تأويلها ، فإنّ الآية بظهرها تشمل الّذين

1.في المصدر : «ماتوا فمات القرآن »، والتصحيح من بحار الأنوار نقلاً عن المصدر .

2.تفسير العيّاشي: ج۲ ص۲۰۳ ح۶، بحار الأنوار: ج ۳۵ ص ۴۰۳ .

3.تفسير العيّاشي : ج۱ ص۱۰ ح۷ ، بحار الأنوار: ج۹۲ ص۱۱۵ ح۴ .


اسباب اختلاف الحديث
544

مصاديق الآية بما لها من عموم يشمل كلّ من يندرج في دائرته .

تحقيق في حقيقة الجري

نرى المفسِّرين يحملون بعض النصوص التفسيرية على كونها من باب الجري والتطبيق؛ أي التفسير بالمصداق ، وهذا من المناهج التفسيرية في مدرسة أهل البيت عليهم السلام ، فلنتحدَّث عن حقيقته ، فنقول :
هو كون اللفظ بصفة يجري وينطبق في حكمه على كثيرين ، سواء كان شمولها على نحو العموم، أو الإطلاق، أو بالغاء الخصوصية وتسرية الحكم النازل في الخاصّ إلى غير المنزَّل فيه ، أو تنقيح المناط، أو تشريك المماثلين والمسانخين فيما نزل في بعضهم ، وسواء أكان شموله بنحو الاستيعاب والاستغراق ، أو البدلية . ولا فرق بين أن يكون بعض أفراده في عرض البعض الآخر ، أم في طوله في عمود الزمان ، كما لا فرق بين أن يكون شمول كلّ واحد من ذلك من باب الظواهر أو البطون وموارد التأويل .

اصطلاح الجري في الأحاديث

لمّا كان هذا الاصطلاح ممّا نشأ ودبّ ودرج في بيان أهل البيت عليهم السلام ، فلزيادة التوضيح ينبغي نقل نماذج من رواياتهم في ذلك :

۵۸۴.العيّاشي عن عبد الرحيم القصير، قال :كنت يوما من الأيّام عند أبي جعفر عليه السلام فقال : يا عبدالرحيم ، قلت : لبّيك . قال : قول اللّه : « إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ »۱ إذ قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أنا المنذر وعليّ الهادِ ، ومن الهادِ اليوم ؟ قال : فسكتّ طويلاً ، ثم رفعت رأسي فقلت : جعلت فداك، هي فيكم، تَوارَثونها رجل فرجل حتى انتهت إليك ، فأنت ـ جعلت فداك ـ الهادِ . قال : صدقت يا عبدالرحيم ، إنّ القرآن حيّ لا يموت ، والآية حيّة لا

1.الرعد : ۷ .

  • نام منبع :
    اسباب اختلاف الحديث
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 191415
صفحه از 728
پرینت  ارسال به