61
نبي الرحمة من منظار القران و أهل البيت

الآلاف من وسائل الدعاية المباشرة وغير المباشرة على «مرشّح» معيّن لرئاسة الجمهوريّة ، بحيث تحيطة الدعاية الجذّابة بصيغها المختلفة ؛ بدءا من الحديث عن حياته ، إلى طباعة صوره واسمه على الأفخاذ والصدور وسائر المواضع الانتخابيّة الديموقراطيّة الحسّاسة من أجساد عارضات الأزياء والراقصات والممثّلات الشهيرات المستحوذات على إعجاب الجماهير . ويروَّج لهذه الدعاية الانتخابيّة في دُور السينما والمراقص ، وحتّى في الأرصفة والشوارع والمنتزهات والحدائق العامّة ، فيُغرقون الناس ، من حيثما التفتوا ، وبكلّ وسيلة ، بالدعايات لمرشّح الرئاسة .
لا شكّ أنّهما المال والقوّة اللذان يصنعان الأصوات ، باستخدام جميع الوسائل الفنيّة وكلّ الإمكانات الأدبيّة والاجتماعيّة .
أجل ، إنّهم أحرار في «الإدلاء بأصواتهم» ، بَيْد أنّهم عبيد في «صياغة الصوت» ، ذلك أنّ أدمغتهم قد حُشيت ب «المرشّح» الانتخابيّ ، ثمّ أُطلقت لهم الحرّيّة ليصوّتوا لمن يريدون» ۱ !
لكنّ أنّ ما يحدث في منهاج أنبياء اللّه ، لصناعة الفرد والمجتمع الحرّ ولتلبية الحاجة إلى الحرّيّة ، أن يُعمل ـ تساوقا مع تحرير الإنسان من الأغلال الخارجيّة والعبوديّة للطواغيت ـ على إطلاق الإنسان أيضا من الوثاق الداخليّ والعبوديّة للغرائز البهيميّة . بل إنّ التحرّر الداخليّ والانعتاق الباطنيّ يستأثر بالأهميّة الكبرى ؛ لأنّه قاعدة للتحرّر الخارجيّ. ومن هنا دُعي الجهاد لتحقيق التحرّر الداخليّ ب «الجهاد الأكبر» ، في حين سمّي الجهاد للتوصّل إلى التحرّر الخارجيّ باسم «الجهاد الأصغر» .
يتحدّث الإمام عليّ عليه السلام عن تلك القيود والأغلال التي تأسِر الإنسان من الداخل وتسلبه حرّيّته ، بقوله :

1.امت وامامت [الاُمّة والإمامة] : ص ۱۸۹ ـ ۱۹۳ .


نبي الرحمة من منظار القران و أهل البيت
60

إنّه ليس أمرا عفويّا ما يقوم به المستغلّون لإفساد الجماهير وتكبيلها ؛ إذ يستخدمون في بادئ الأمر القيود الداخليّة ، فيسلبون الإنسان في المرحلة الأُولى هويّته وحرّيّته الباطنيّة ، بإقامة مراكز المجون ووسائل الإغراء والدعاية لها على نطاق واسع . فإذا تمّ لهم ذلك سَهُل عليهم سلب حرّيّاته الخارجيّة . بل إنّ الإنسان ـ وهو في بؤرة الأسر الداخليّ والخارجيّ ـ ربّما شعر أحيانا أنّه يتمتّع بحرّيّة كاملة !
نقرأ في نصٍّ دالّ :
«صحيح أنّ كافّة آحاد الشعب الفرنسيّ «أحرار» في التعرف على «فركور» ۱ وفى انتخابه أو انتخاب غيره ، بَيْد أنّ الذي يستفيد من هذه الحرّيّة ويجرّها لمصلحته هو الأقوى الذي يستطيع صناعة الرأي ، صناعة الرأي الحرّ !
إنّ التزوير الانتخابيّ لا يجري على النحو المألوف الذي نعرفه ... في الغرب نفسه لا يفعلون ذلك ... إنّهم لا يُلقون بالأصوات المزوّرة سرّا في صناديق الاقتراع فيمنتصف الليل ، بل يمارسون تزوير الأصوات ليلاً وفي وضح النهار على نحوٍ علنيّ ، ولكن بأسلوب علميّ حاذق ومدروس . إنّهم يلقون الأصوات في صناديق «صناعة الرأي» ـ أي العقول والنفوس ـ من دون أن يعي صاحب الصندوق !
ومن هنا تبدأ اللبيراليّة والديموقراطيّة الواقعيّة العمليّة ، فيضحى الفرد حرّا حقيقةً في أن يُدلي بصوته «لمن يريد» ، للشخص الذي يفكّر به عقله ، وتعهده ذاكرته ، وفي نظره أنّه يؤمن به ويعرف فضائله ومزاياه الشخصيّة بدقّة !
ومن هنا فإنّ نفس أُولئك الذين تعرّفتْ عليهم عقول الناس واستمكنوا من قلوبهم .. سيتّخذون أماكنهم في المجالس الوطنيّة (النيابيّة) .
وهذا هو «التزوير الطبيعيّ والقانونيّ» !
نلحظ أحيانا عند اقتراب مواعيد الانتخابات تتابُعَ صدور مئات المقالات وعشرات الكتب والأفلام والمسرحيّات التي تظهر فجأة . ونلحظ كذلك عكوفَ

1.فركور هو الذي قاد المقاومة الوطنيّة الفرنسيّة مقابل هتلر والجيش الألمانيّ في احتلاله لباريس . [المترجم] .

  • نام منبع :
    نبي الرحمة من منظار القران و أهل البيت
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 21106
صفحه از 176
پرینت  ارسال به