77
نبي الرحمة من منظار القران و أهل البيت

« رَسولُ اللّهِ المُنذِرُ، وعَلِيٌّ الهادي، أمَا وَاللّهِ ما ذَهَبَ مِنّا و ما زالَت فينا إلَى السّاعَةِ» . ۱
وقد ورد التأكيد على هذه الحقيقة في حديث الثقلين المتواتر والقطعي الصدور أيضا ، ۲ وبذلك استمرّت الإمامة والقيادة الإلهيّة لأهل بيت النبوّة حتّى مدّة تقرب من ثلاثة قرون . ولكن بعد وفاة الإمام الحسن العسكري عليه السلام اقتضت الحكمة الإلهية أن يختفي الإمام من بعده ـ والّذي هو الأب الروحي للاُمّة الإسلامية ـ عن الأنظار وأن يوكل أمر المجتمع الإسلامي اليتيم إلى رعاية الفقهاء والعلماء ، كما روي عن الإمام العسكريّ عليه السلام :
« حدّثني أبي ، عن آبائه ، عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أشَدُّ مِن يُتمِ اليَتيمِ الَّذِي انقَطَعَ مِن اُمِّهِ وأبيهِ ، يُتمُ يَتيمٍ انقَطَعَ عَن إمامِهِ ولا يَقدِرُ عَلَى الوُصولِ إلَيهِ ولا يَدري كَيفَ حُكمُهُ فيما يُبتَلى بِهِ مِن شَرائِعِ دينِهِ ، ألا فَمَن كانَ مِن شيعَتِنا عالِماً بِعُلُومِنا ، وهذَا الجاهِلُ بِشَريعَتِهِ المُنقَطِعُ عَن مُشاهَدَتِنا يَتيمٌ في حِجرِهِ ، ألا فَمَن هَداهُ وأرشَدَهُ وعَلَّمَهُ شَريعَتَنا كانَ مَعَنا فِي الرَّفيقِ الأعلى» . ۳
ومن حكم غيبة إمام العصر(عج) أن تجرّب البشرية أنواع أنظمة الحكم المدّعية للعدالة والحريّة وحقوق الإنسان ، وأن تدرك من خلال هذه التجربة أنّ قيادة الزعماء الإلهيين هي الوحيدة الّتي تستطيع إقامة العدالة في العالم ، وأن تدرك الاُمّة الإسلامية أيضا أنّ امتلاك أكمل البرامج لا يكفي للوصول إلى المجتمع الإسلامي الموعود والمطلوب ، بل إنّ إمامة أهل بيت الرسالة إلى جانبه ضروري أيضا ، وقد وردت الإشارة إلى هذه الحكمة في رواية عن الإمام الصادق عليه السلام :
«ما يَكونُ هذَا الأمرُ حَتّى لا يَبقى صِنفٌ مِنَ النّاسِ إِلاّ وقَد وُلّوا مِنَ النّاسِ حَتّى لا يَقولَ قائِلٌ : إنّا لَو وُلّينا ، لَعَدَلنا! ثُمَّ يَقومَ القائِمُ بِالحَقِّ وَالعَدلِ» . ۴

1.المصدر السابق : ج ۱ ص ۴۹۱ (الفصل الثامن : أحاديث الهداية) .

2.راجع : كتاب الإمام المهدي من منظار حديث الثقلين .

3.الاحتجاج : ج ۱ ص ۷ .

4.كتاب الغيبة للنعماني : ص ۲۷۴ ح ۵۳ .


نبي الرحمة من منظار القران و أهل البيت
76

لَبِنَةٍ لَمْ يَضَعها ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطوفونَ بِالبِناءِ ويَعجَبونَ مِنهُ ويَقولونَ : لَو تَمَّ مَوضِعُ تِلكَ اللَّبِنَةِ ! وأنا فِي النَّبِيِّينَ بِموضِعِ تِلكَ اللَّبِنَةِ » . ۱
واستنادا إلى هذا المثل ، فإنّ اللّه تعالى أراد من خلال بعثة الرّسل أن يشيّد بناءً معنويّا في العالم لتربية الإنسان الكامل ، لم يكن العالم يستطيع بدونه أن يربّي سوى الحيوان .
ورغم أنّ اللّه سبحانه كان مهندس هذا البناء ، إلاّ أنّ بناءه استغرق قرونا عديدة ؛ ذلك لأنّه كان من المتعيّن أن تهيّأ أجزاؤه وأرضية بنائه على مدى القرون . وتتمثّل اللبنة المباركة الاُولى لهذا البناء المعنوي في سيّدنا آدم عليه السلام ، وآخرها في خاتم الأنبياء صلى الله عليه و آله ، فمع بعثة خاتم الأنبياء اكتملت المدرسة التربوية للمجتمع البشري من جميع الجوانب ، حيث تكفي برامج هذه المدرسة لتكامل جميع أبناء البشر من الناحيتين الماديّة والمعنويّة حتّى نهاية العالم ، وبذلك انتهت النبوّة .
ولكن إمامة الاُمّة وهدايتها استمرّتا بعد انتهاء النبوّة بواسطة خاتم الأنبياء صلى الله عليه و آله ، عبر أهل البيت عليهم السلام ، كما يصرّح بذلك القرآن الكريم : «إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» . ۲
وقد صرّحت أحاديث الفريقين أنّ المراد من «الهادي» هو الإمام عليّ عليه السلام ، ۳ كما ورد في تاريخ دمشق :
«لمّا نزلت : «إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ ...» قال النبيّ : أنَا المُنذِرُ وعَلِيٌّ الهادي . ۴
ثمّ استمرّت الإمامة بعد الإمام عليّ عليه السلام في أهل بيته ، كما روي عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :
«أنَا المُنذِرُ، وعَلِيٌّ الهادي، وكُلُّ إمامٍ هادٍ لِلقَرنِ الَّذي هُوَ فيهِ» . ۵
وجاء في رواية اُخرى عن الإمام الباقر عليه السلام :

1.كنزالعمّال : ص ۳۱۹۸۱ .

2.الرعد : ۷ .

3.راجع موسوعة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام : ج۴ ص۳۸۰ (عليّ عن لسان القرآن / الهادي) .

4.المصدر السابق : ح ۳۱۲۵ .

5.المصدر السابق : ج۱ ص۴۹۱ (الفصل الثامن : أحاديث الهداية) .

  • نام منبع :
    نبي الرحمة من منظار القران و أهل البيت
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 24827
صفحه از 176
پرینت  ارسال به