الحقّ من الآزال إلى الآباد: الأرواح في رؤية الذات، والعقول في رؤية الصفات، والقلوب في الأسماء واللطفيات والنفوس في النعوت والقهريّات. فعبّر عليه السلام عن هذه الصفات بتقليب القلوب؛ لأنّها مهاد الأرواح والعقول والنفوس، وأنّ اللّه تعالى سيَّرها بصفاته ونفاذ قدرته فيها بنعت مشقته في عالم المعارف والنكرات؛ لتبلغ بالمعرفة أسرار الذات والصفات، وتذوب وتفنى بنيران النكرة من غيرة الحقّ على الحدوث، وتضمحلّ في بقاء القدم حتى لايبقى إلاّ هو تعالى به عليه له. فخاف ـ عليه الصلاة والسلام ـ من فناء قلبه في عالم النكرة بقهر الغيرة، فقال: «ثبّت قلبي إلهى على دينك» أي على رؤيتك ومحبّتك بنعت المعرفة والتوحيد.
فاستغاث منه إليه، وعرف به ما منه لديه. و أصل المراد منه ـ عليه الصلاة والسلام ـ زيادة المعرفة؛ لأنّ القلوب في تقلّبها تتطرّق بكلّ طريق إلى اللّه ، فكلّ تقليبه منها رشد و توفيق، ثم مع كلّ تقليب زيادةٌ ووصلة أو محق ونقصان، لأنّها تتقلّب بمراد اللّه في القهريّات واللطفيّات. فسأل ـ عليه الصلاة والسلام ـ به مزيد القربة واستعاذ باللّه من النقصان، كما قال: «أعوذ باللّه من الحَور بعد الكور» فالحور النقصان والكور الزيادة، فعلم الحقّ تعالى اضطرابَ قلب نبيّه عليه الصلاة والسلام. فأمره بتفويض أمره إليه بنعت التوكّل والرضى فقال «وتوكّلْ على العزيز الرحيم الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين» أي تقلّب قلبك من بدء الأمر مع قلوب الأنبياء بتقليبي أيّاماً في عيون صفاتي، وهذه القلوب محل مرقومات أسرار الغيوب التي أودعها إليها لايطّلع عليها غير اللّه ، كما قال صلى الله عليه و سلم: «للّه أوانٍ ألا و هي القلوب».
ثم وصف تلك العلوم التي فيها مدّخرة من كنوز الغيب فقال في جواب حذيفة حين سأله عن علم الباطن فقال: «علم من اللّه عزوجل ومن أوليائه لم يطلّع عليه ملك مقرب».