المكنون في حقائق الكلم النبوية - صفحه 278

أنّه كان عليه الصلاة والسلام في رؤية عين الأحديّة، فتتجلّى له نعوت القهر على قدر ما تتجلّى له صفات اللطف من كنه القِدَم. اللُّطفيّات له جزاء المعرفة، والقهريّات له جراءُ النكرة ، فيبقى تارةً بنعت المعرفة بنعمة مشاهدة الأبديّات و يغنى تارةً بنعت النكرة في بلاء الأزليّات، لذلك قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : نحن معاشر الأنبياء أشد بلاءً ثمّ الأمثل فالأمثل. أي نحن أعرف الخلق باللّه فبلاؤنا يكون موازنا لمعرفتنا، وبلاؤنا قلّة إدراكنا كنه عين القِدَم، وبلاؤنا من تقصيرنا في أداء ما وجب علينا من حقوق الربوبيّة بقدر الحق، ونحن لانقدر على ذلك لأنّ الحدوثيّة تفنى عند بروز جلال الأحديّة. ثم أخبر عن خواصّ اُمّته في هذا اللفظ الذين شاهدوا الحقّ بمشاهدة الحقّ لابِهم فوجدوا آلام الهجران بقدر الوصال، فبلا ؤهم لايوازنه بلاء جميع الخلق، لأنّ بلاءهم بالمعرفة وبلاء الخلق بالجهل، فجعلهم اللّه أئمّة الهدى وقدوة أهل البلوى .

۲۴.وقال صلى الله عليه و سلم:تحفة المؤمن الموتُ ۱ .
الموتُ تحفة المشتاقين؛ لأنّ فيه وصولهم به إلى مشاهدة ربّ العالمين، ويستريح به من قيد بلاء العاشقين، ويرجع به إلى معادن قرب سلاطين المحبّين. لأنّ أرواحهم مطمئنّة بالذكر، وقلوبهم صافية بالفكر، وأسرارهم طاهرة بنور القدس، وعقولهم عاشقة بقهر الاُنس أوّاهين بصياح الأزليّات، مشتاقين إلى مشاهدة الأبديّات، تلاّئين بخطاب الصفات بألحان الوُصُلات .

۲۵.قال ابن عباس ـ رضى الله عنه:إنّ النبيّ صلى الله عليه و سلم:دخل قبرا ليلاً فأسرج له سراج، فأخذ من قِبَلِ القبلة فقال صلى الله عليه و آله : رحمك اللّه ، إن كنت لَأَوّاها تَلاّءً للقرآن ۲ .

1.الدعوات للرواندي ، ص۲۳۵ ؛ تنبيه الخواطر (مجموعه ورام) ، ص۲۶۸ ؛ مستدرك الحاكم ، ج۴ ، ص۳۱۹

2.ورد مع اختلاف يسير في روض الجنان و روح الجنان ، ص ۶۲ ؛ سنن ترمذي ، ج۲ ، ص۲۶؛ سنن كبرى ، ج۴ ، ص۵۵ ، فيه : « . . . لأوّاها تاليا . . . »

صفحه از 363