وصف قوما من أبدال اُمّته الذين لايعرفون أحوال الدنيا ولايتّحدون بأهلها من سلامة صدورهم واضطراب قلوبهم من آفاتها، كما يخاف الطير من المضرّات. قلوبهم روحانيّة بروح الملكوت، وأرواحهم ربّانيّة بأنوار الجبروت، يدخلون جنة المشاهدة بلامجاهدة، وهم كالصبيان الذين لايجري عليهم قلم التكليف من سكونهم باللّه عن غير اللّه .
۶۹.وقال صلى الله عليه و سلم :نحن أولى بالشكّ من إبراهيم إذ قال: «رب أرني كيف تحيي الموتى»۱ .
فيه معنيان: أوّلهما أنّه تواضع عليه الصلاة والسلام كعادته، أي كان إبراهيم في درجة اليقين على محلّ تحقيق المشاهدة حيث قال تعالى: «وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض» وليس كان هو في الشكّ إنّما سأل رؤية الصرف في مقام الالتباس في قوله: «أرني كيف تحيى الموتى» استعمل الأدب في مقام الانبساط، ولم يكن كموسى عليه السلام في إسقاط الحشمة عند قوله : «أرني انظر اليك» ونحن أولى بالشكّ إذ كنا في بدء أمرنا نقول: زمّلوني. ويمكن أنّه أشار على اضطراب بواطن اُمّته .
والمعنى الآخر: أي نحن أولى بالشكّ لأنّي غائب في قفار القدم فانٍ في سطوات الكبرياء، فانتهى سرّي إلى أنّي لم أكن بعد ذلك شيئا مذكورا في سرادق الكبرياء، لتراكم نكرات كنه القِدَم عليّ، فألبستى الحقّ نعوت الاُلوهيّة وأخرجني من النكرة إلى وصف الجمع فبلغ حالي في الإماميّة إلى أمر ظننت أنّي هو، فتردّدت بين العبوديّة والربوبيّة، فأنا أولى بالشكّ؛ لأنّ من كان أقرب من القِدَم فيكون حجاب الغيرة إليه أقرب فأنا أولى باللّه وبمعرفته وبالنكرة والحيرة عن
1.الطرائف، ص ۳۶۲؛ إحقاق الحقّ، ج ۲، ص ۲۵۰؛ صحيح البخاري ، ج۵ ، ص۱۶۳؛ صحيح مسلم ، ج۱ ، ص۹۲ و ج۷ ، ص۹۸ وفى كلاهما: «نحن أحق بالشك من إبراهيم ، إذ قال رب أرني كيف تحيي الموتى» .