المكنون في حقائق الكلم النبوية - صفحه 303

۸۶.ـ قال صلى الله عليه و سلم :أنا أعلمكم باللّه وأخشاكم منه ۱ .

أي أنا أعرفكم باللّه بما عرّفنى صفاته وذاته وأعلمني كرمه و قهره، فأخشاكم منه لما علمت منه أنّه لو أهلك جميع المقرّبين في لحظة لايبالي به ولا يضرّ بملكه ذرّة؛ لأنّه منزّه عن وجود الخلق وعدمه. وما خفي عنّي ممّا سبق في ملكه في حقّي لأنّ مكرَه قديم لايطّلع عليه غيره، وما أدرى ما يفعل بي ولا بكم، فخوفي منه لعلمي به، وقلّة علمي في قدره ومشيئته لأنّ قدره لايطّلع عليه أحد. قال: «القدَر سرٌّ من أسرار اللّه لايطّلع عليه ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل». أخفى قدره لثبوت أحكامه ورسالة أنبيائه؛ لأنّ القدر لو ظهر تعطّل الأمر وبطلت الأحكام واضمحلّت رسوم النبوّة .

۸۷.وقال صلى الله عليه و سلم :خُيّرت بين أن أكون نبيّا ملِكا أو نبيّا عبدا، فأشار إليّ جبرئيل أن تواضع، فقلتُ: بل أكون عبدا أشبع يوما وأجوع ثلاثا ۲ .
هاج سرّ النبيّ صلى الله عليه و سلم حين امتحنه الحقّ تعالى بمكر القِدَم من العبوديّة إلى الربوبيّة، حتى يكون فردا متّحدا بالحقّ من غاية التوحيد والعشق، فعلم جبرئيل حِدَّةَ محبّته وخاف منه شكر الانبساط وما يخفى من الحال ما سبق من مكر القِدَم، فأشار إليه بالتواضع؛ لأنّ جناب الربوبيّة غيور على كلّ مدّعٍ سَكرانَ، ولا يدخل فيه أحد إلاّ بنعت العبوديّة . فأدرك ـ عليه الصلاة والسلام ـ غيرة الحقّ على الملكوت فاختار العجز، لعلمه بسلطنة الكبرياء وأن لو بلغ أحد إلى غاية الأنانيّة فهو مخدوع بالمكر؛ لأنّ الألوهيّة ممتنعة عن مطالعة الخليقة منزهة عن الاختلاط بالحدثات .

۸۸.وروي في الحديث أنّه صلى الله عليه و سلم لبس منديلاً له علم ثم رمى بها وقال:كاد أن

1.مستدرك الحاكم ، ج۱ ، ص۴۷۴ وفيه «فأنا واللّه أعلمكم باللّه وأتقاكم له» .

2.السنن الكبرى ، ج۷ ، ص۴۹

صفحه از 363