الألباب ، فكأنها تنطق ، كما ينطق ذوو الألسنة ، كما قيل : ما الأُمور الصامتة الناطقة ؟ فقيل : الدلائل المخبرة، والعبَر الواعظة . وفي الأثر : سل الأرضَ : مَنْ شقَّ أنهاركِ ، وأخرج ثمارَكِ؟ فإن لم تُجبك حواراً ، أجابتْك اعتباراً ۱ .
قوله : « عزبَ رأيُ امرئ تخلف عَنِّي » ، هذا كلام آخر . عزب : أي بَعُدَ ، والعازب : البعيد . ويحتمل أن يكونَ هذا الكلام إخبارا ، وأن يكون دعاء ، كما أنّ قوله تعالى : «حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ »۲ ، يحتمل الأمرين .
قوله : « ما شكَكْتُ في الحق مذ أريته » ، هذا كلام آخر ، يقول : معارفي ثابتة لا يتطرّق إليها الشكّ والشبهة .
قوله : « لم يوجس موسى » ، هذا كلام شريف جدّا ، يقول : إن موسى لما أوجسَ الخيفة ، بدلالة قوله تعالى : « فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى »۳ لم يكن ذلك الخوفُ على نفسه ، وإنما خاف من الفتنة والشُّبْهة الداخلة على المكلّفين عند إلقاء السحرة عصيَّهم ، فخيل إليه من سحرهم أنّها تسعى ، وكذلك أنا لا أخافُ على نفسي من الأعداء الذين نَصَبُوا لِيَ الحبائل ، وأرصدوا لِيَ المكائد ، وسعّروا عليّ نيران الحرب ؛ وإنما أخاف أن يفتتن المكلّفون بشُبههم وتمويهاتهم ، فتقوى دولةُ الضلال ، وتغلب كلمة الجهال .
قوله : « اليوم تواقفنا » ، القاف قبل الفاء ، تواقَف القوم على الطريق ، أي وقفوا كلّهم عليها ؛ يقول : اليوم اتَّضح الحق والباطل ، وعرفناهما نحن وأنتم .
قوله : « مَنْ وثِق بماء لم يظمأ » ، الظمأ الذي يكون عند عدم الثقة بالماء ، وليس يريد