أو يراها فلا ينكِرُها . والجؤجؤ : عَظْم الصدر ؛ وجؤجؤ السفينة : صدرها .
والصحيح أنّ المخبَر به قد وقع ، فإنَّ البصرة غرقت مرتين ، مرة في أيام القادر باللّه ، ومرة في أيام القائم بأمر اللّه ، غرقت بأجمعها ولم يبق منها إلا مسجدها الجامع بارزا بعضه كجؤجؤ الطائر ، حَسَب ما أخبر به أمير المؤمنين عليه السلام .
وأخبار هذين الغرقين معروفة عند أهل البصرة ، يتناقله خلَفهم عن سلفهم .
14
الأصْلُ :
۰.ومن كلام له عليه السلام في مثل ذلكأَرْضُكُمْ قَرِيبَةٌ مِنَ الْمَاءِ ، بَعِيدَةٌ مِنَ السَّمَاءِ ، خَفَّتْ عُقُولُكُمْ ، وَسَفِهَتْ حُلُومُكُمْ ، فَأَنْتُمْ غَرَضٌ لِنَابِلٍ ، وَأُكْلَةٌ لاِكِلٍ ، وَفَرِيسَةٌ لِصَائِل .
الشّرْحُ :
الغَرَض : ما يُنصَب ليُرمى بالسهام . والنابل : ذو النَّبْل . والأُكلة ، بضم الهمزة : المأكول . وفريسة الأسد : ما يفترسه . وسَفِه فلان ، بالكسر ، أي صار سفيهاً ، وسَفُه بالضم أيضا .
فأمّا قوله : « أرضُكم قريبة من الماء ، بعيدة من السماء » ، فقد قدّمنا معنى قوله « قريبة من الماء » وذكرنا غَرَقها من بحر فارس دَفْعتين ، ومراده عليه السلام بقوله : « قريبة من الماء » ، أي قريبة من الغَرَق بالماء . وأما « بعيدة من السماء » ، ومعنى البعد عن السماء هاهنا هو بُعد تلك الأرض المخصوصة عن دائرة معدّل النهار ، والبقاع والبلاد تختلف في ذلك . وقد دلّت الأرصاد والآلات النجُوميّة على أنّ أبعد موضع في المعمورة عن دائرة معدّل النهار هو الأُبُلّة ، والأُبلّة هي قصبة البصرة .
وهذا الموضع من خصائص أمير المؤمنين عليه السلام ؛ لأنّه أخبر عن أمر لا تعرفه العرب ، ولا تهتدي إليه ، وهو مخصوص بالمدقّقين من الحكماء ، وهذا من أسراره وغرائبه البديعة .