113
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

15

الأصْلُ :

۰.ومن كلام له عليه السلام فيما رده على المسلمين من قطائع عثمانوَاللّهِ لَوْ وَجَدْتُهُ قَدْ تُزُوِّجَ بِهِ النِّسَاءُ ، وَمُلِكَ بِهِ الاْءِمَاءُ ؛ لَرَدَدْتُهُ ؛ فَإِنَّ في الْعَدْلِ سَعَةً . وَمَنْ ضَاقَ عَلَيْهِ الْعَدْلُ ، فَالْجَوْرُ عَلَيْهِ أَضْيَقُ ۱ !

الشّرْحُ :

القطائع : ما يُقطِعه الإمام بعضَ الرعيّة من أرض بيت المال ذاتِ الخراج ، ويُسقِط عنه خراجَه ، ويجعلُ عليه ضريبة يسيرة عوضا عن الخراج . وقد كان عثمان أقطع كثيرا من بني أُميّة وغيرهم من أوليائه وأصحابه قطائعَ من أرض الخراج على هذه الصورة ، وقد كان عمر أقطع قطائع ، ولكن لأرباب الغَناء في الحرب ، والآثار في الجهاد ، وعثمان أقطع القطائع صلة لرَحمِه ، وميلاً إلى أصحابه ، من غير عناء في الحرب ولا أثر .
وهذه الخطبة ذَكرَها الكلبيّ مرويّةً مرفوعة إلى أبي صالح ، عن ابن عباس رضى الله عنه : أنّ عليا عليه السلام خَطب في اليوم الثاني من بيعته بالمدينة ، فقال : ألا إنّ كلّ قطيعَةٍ أقطعها عُثْمان ، وكلَّ ما أعْطَاهُ من مال اللّه ، فهو مَرْدود في بيت المال ، فإنّ الحقَّ القديم لا يُبطله شيء ، ولو وجدتُه وقد تُزُوِّجَ به النساء ، وفُرّق في البلدان ، لرددته إلى حاله ؛ فإنَّ في العدل سعة ، ومَنْ ضاق عنه الحق فالجور عليه أضيق .
وتفسيرُ هذا الكلام أنّ الواليَ إذا ضاقت عليه تدبيرات أُموره في العدل ، فهي في الجوْر أضيق عليه ؛ لأنّ الجائر في مَظِنّة أن يُمْنع ويُصَدّ عن جوره .

1.الإماء : الجواري . السعة : ضد الضيق . الجور : الظلم .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
112

أو يراها فلا ينكِرُها . والجؤجؤ : عَظْم الصدر ؛ وجؤجؤ السفينة : صدرها .
والصحيح أنّ المخبَر به قد وقع ، فإنَّ البصرة غرقت مرتين ، مرة في أيام القادر باللّه ، ومرة في أيام القائم بأمر اللّه ، غرقت بأجمعها ولم يبق منها إلا مسجدها الجامع بارزا بعضه كجؤجؤ الطائر ، حَسَب ما أخبر به أمير المؤمنين عليه السلام .
وأخبار هذين الغرقين معروفة عند أهل البصرة ، يتناقله خلَفهم عن سلفهم .

14

الأصْلُ :

۰.ومن كلام له عليه السلام في مثل ذلكأَرْضُكُمْ قَرِيبَةٌ مِنَ الْمَاءِ ، بَعِيدَةٌ مِنَ السَّمَاءِ ، خَفَّتْ عُقُولُكُمْ ، وَسَفِهَتْ حُلُومُكُمْ ، فَأَنْتُمْ غَرَضٌ لِنَابِلٍ ، وَأُكْلَةٌ لاِكِلٍ ، وَفَرِيسَةٌ لِصَائِل .

الشّرْحُ :

الغَرَض : ما يُنصَب ليُرمى بالسهام . والنابل : ذو النَّبْل . والأُكلة ، بضم الهمزة : المأكول . وفريسة الأسد : ما يفترسه . وسَفِه فلان ، بالكسر ، أي صار سفيهاً ، وسَفُه بالضم أيضا .
فأمّا قوله : « أرضُكم قريبة من الماء ، بعيدة من السماء » ، فقد قدّمنا معنى قوله « قريبة من الماء » وذكرنا غَرَقها من بحر فارس دَفْعتين ، ومراده عليه السلام بقوله : « قريبة من الماء » ، أي قريبة من الغَرَق بالماء . وأما « بعيدة من السماء » ، ومعنى البعد عن السماء هاهنا هو بُعد تلك الأرض المخصوصة عن دائرة معدّل النهار ، والبقاع والبلاد تختلف في ذلك . وقد دلّت الأرصاد والآلات النجُوميّة على أنّ أبعد موضع في المعمورة عن دائرة معدّل النهار هو الأُبُلّة ، والأُبلّة هي قصبة البصرة .
وهذا الموضع من خصائص أمير المؤمنين عليه السلام ؛ لأنّه أخبر عن أمر لا تعرفه العرب ، ولا تهتدي إليه ، وهو مخصوص بالمدقّقين من الحكماء ، وهذا من أسراره وغرائبه البديعة .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 147338
صفحه از 712
پرینت  ارسال به