125
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

19

الأصْلُ :

۰.ومن كلام له عليه السلام قاله للأشعث بن قيس۱وهو على منبر الكوفة يخطب
فمضى في بعض كلامه شيء اعترضه الأشعث فيه ، فقال : يا أمير المؤمنين ، هذه عليك لا لك ، فخفض عليه السلام إليه بصره ثم قال :
ومن كلام له عليه السلام قاله للأشعث بن قيس ۲ وهو على منبر الكوفة يخطب
فمضى في بعض كلامه شيء اعترضه الأشعث فيه ، فقال : يا أمير المؤمنين ، هذه عليك لا لك ، فخفض عليه السلام إليه بصره ثم قال :
مَا يُدْرِيكَ مَا عَلَيَّ مِمَّا لِي ، عَلَيْكَ لَعْنَةُ اللّهِ وَلَعْنَةُ اللاَّعِنِينَ ! حَائِكٌ ابْنُ حَائِكٍ ! مُنَافِقٌ ابْنُ كَافِرٍ ! وَاللّهِ لَقَدْ أَسَرَكَ الْكُفْرُ مَرَّةً وَالاْءِسْلامُ أُخْرى ! فَمَا فَدَاكَ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَالُكَ وَلاَ حَسَبُكَ ! وَإِنَّ امْرَأً دَلَّ عَلَى قَوْمِهِ السَّيْفَ وَسَاقَ إِلَيْهِمُ الْحَتْفَ ، لَحَرِىٌّ أَنْ يَمْقُتُهُ الْأَقْرَبُ ، وَلاَ يَأْمَنَهُ الْأَبْعَدُ!
قال الرضي رحمه الله :
يُرِيدُ عَلَيهِ السَّلامُ أنه أُسر في الكفر مرة وفي الإسلام مرة .
وأمّا قوله عليه السلام : «دلّ على قومه السيف» فأراد به حديثا كان للأشعث مع خالد بن الوليدباليمامة ، غرّ فيه قومه ومكر بهم حتّى أوقع بهم خالد ، وكان قومه بعد ذلك يسمونه «عُرْفَ النار» وهو اسم للغادر عندهم .

الشّرْحُ :

خفَض إليه بصره : طأطأه . وقوله : « فما فَدَاك » ، لا يريد به الفِداء الحقيقيّ ؛ فإنّ الأشعث فُدِي في الجاهلية بفداء يضرب به المثل ، فيقال : « أغلى فداء من الأشعث » ، وإنما يريد : ما

1.الأشعث بن قيس : اسم الأشعث معد يكرب ، وأبوه قيس الأشجّ ، وغلب عليه الأشعث حتى نُسي اسمه ؛ لأنّه كان ـ أبداً ـ أشعث الرأس مغبرّه . أسلم الأشعث أيام النبي صلى الله عليه و آله وسلم ، ثمّ ارتدّ بعد وفاته ، وألّب قومه حتى ورّطهم في حرب المسلمين ، ثم أسلمهم إلى القتل ، وأُخذ هو أسيرا إلى أبي بكر ، فعفا عنه وزوّجه أُخته أم فروة . كان من المنافقين في خلافة علي عليه السلام ، اشترك في دم الإمام عليه السلام ، واشترك ابنُه محمد في دم الإمام الحسين عليه السلام ، وابنته جعدة ناولت الإمام الحسن عليه السلام الزكيّ السمّ بتحريض من معاوية ، وهكذا جمع الأشعث اللؤم من أطرافه ، فلا يذكر هو وأهله إلاّ بكل شين وسوء .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
124

والمراد الردّ على أهل الاجتهاد في الأحكام الشرعية ، وإفسادُ قول من قال : كلّ مجتهد مصيب ۱ ، وتلخيص الاحتجاج من خمسة أوجه :
الأوّل : أنَّه لَمّا كان الإله سبحانه واحدا ، والرسول صلى الله عليه و آله واحداً ، والكتاب واحدا ، وجب أن يكونَ الحُكْم في الواقعة واحداً .
الثاني : لا يخلو الاختلافُ الَّذِي ذهب إليه المجتهدون ، إمّا أن يكونَ مأموراً به أو منهيّا عنه ، والأوَّل باطل ؛ لأنّه ليس في الكتاب والسنّة ما يمكِّن الخصم أن يتعلّق به في كَوْن الاختلاف مأمورا به . والثاني حَقّ ، ويلزم منه تحريم الاختلاف .
الثالث : إمّا أن يكونَ دينُ الإسلام ناقصا أو تامّا ، فإن كان الأول ، كان اللّه سبحانه قد استعان بالمكلَّفين على إتمام شريعةٍ ناقصة أرسَل بها رسوله ، إمّا استعانهً على سبيل النيابة عنه ، أو على سبيل المشاركة له ، وكلاهما كفر . وإن كان الثاني ؛ فإمّا أن يكون اللّه تعالى أنزلَ الشرع تامّا فقصَّر الرسولُ عن تبليغه ، أو يكونَ الرسولُ قد أبلغه على تمامه وكماله ؛ فإنْ كان الأوّل فهو كُفر أيضا ؛ وإنْ كان الثاني فقد بَطَل الاجتهاد ؛ لأنّ الاجتهاد إنما يكون فيما لم يتبين ؛ فأمّا ما قد بُيِّن فلا مجال للاجتهاد فيه .
الرابع : الاستدلالُ بقوله تعالى : « مَا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ»۲ ، وقوله : « تِبْيَانا لِكُلِّ شَيْءٍ »۳ ، وقوله سبحانه : « وَلاَ رَطبٍ وَلاَ يَابِسٍ إلاّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ »۴ ، فهذه الآيات دالّة على اشتمال الكتاب العزيز على جميع الأحكام ؛ فكلّ ما ليس في الكتاب وجب ألاَّ يكون في الشرع .
الخامس : قوله تعالى : « وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفا كَثِيرا »۵ ، فجُعل الاختلافُ دليلاً على أنه ليس من عند اللّه ، لكنه من عند اللّه سبحانه بالأدلّة القاطعة الدالّة على صحة النبوّة ، فوجب ألاّ يكون فيه اختلاف .

1.في هذه الخطبة المراد هو ذم العمل بالرأي وترك الأُصول المقرّرة في الشريعة بها يستنط الحكم الشرعي من الكتاب والسنّة وتابعيهما العقل والإجماع ، وهذه الأربعة هي أدلة الأحكام عندنا أما غيرنا فقد يدخلون الظن والقياس والإستحسان ، مما ورد المنع الشديد من أئمة أهل البيت عليهم السلام من الاعتماد عليه ، لأنّ أحكام اللّه سبحانه لا تصاب بالآراء ، ولا تدرك أسرارها بالأفكار .

2.سورة الأنعام ۳۸ .

3.سورة النحل ۸۹ .

4.سورة الأنعام ۵۹ .

5.سورة النساء ۸۲ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 152536
صفحه از 712
پرینت  ارسال به