127
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

وَأَطَعْتُمْ ، وَلكِنْ مَحْجُوبٌ عَنْكُمْ مَا قَدْ عَايَنُوا ، وَقَرِيبٌ مَا يُطْرَحُ الْحِجَابُ!
وَلَقَدْ بُصِّرْتُمْ إِنْ أَبْصَرْتُمْ ، وَأُسْمِعْتُمْ إِنْ سَمِعْتُمْ ، وَهُدِيتُمْ إِنْ اهْتَدَيْتُمْ ، وَبِحَقٍّ أَقُولُ لَكُمْ : لَقَدْ جَاهَرَتْكُمُ الْعِبَرُ . وَزُجِرْتُمْ بِمَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ . وَمَا يُبَلِّغُ عَنِ اللّهِ بَعْدَ رُسُلِ السَّمَاءِ إِلاَّ الْبَشَرُ ۱ .

الشّرْحُ :

الوهَل : الخوف ، وهِلَ الرجل يَوْهَل . و « ما » في قوله : « ما يُطْرَح » مصدرية ؛ تقديره : « وقريب طَرْح الحجاب » ، يعني رفعَه بالموت .
وهذا الكلامُ يدلّ على صِحّة القول بعذاب القبر ، وأصحابنا كلُّهم يذهبون إليه ، وإن شنّع عليهم أعداؤهم من الأشعرية وغيرهم بجحْده .
ويمكن أن يقول قائل : هذا الكلام لا يدلّ على صحّة القول بعذاب القبر ؛ لجواز أن يعنِي بمعاينة من قد مات ، ما يشاهده المحتضَر من الحالة الدالّة على السعادة أو الشقاوة ، فقد جاء في الخبر : « لا يموت امرُؤ حتى يعلَم مصيره ؛ هل هو إلى جنّة أم إلى النار » . ويمكن أن يعنى به ما يعاينه المحتضَر من ملك الموت وهَوْل قدومه . ويمكن أن يعنى به ما كان عليه السلام يقول عن نفسه : إنه لا يموت ميّت حتى يشاهدَه عليه السلام حاضرا عنده . والشيعة تذهب إلى هذا القول وتعتقدُه ، وتروي عنه عليه السلام شعرا قاله للحارث الأعور الهمدانيّ ۲ :

يا حارِ هَمْدَانَ مَنْ يَمُتْ يَرَنِيمن مؤمنٍ أو منافقٍ قُبُلا
يَعْرفنِي طرفُه وأعرِفُهبِعَيْنِه واسمِه وَمَا فَعَلا
أقول لِلنّار وهي توقد للـعَرْضِ ذَرِيهِ لاَ تَقْرَبِي الرَّجُلا
ذَرِيهِ لا تقربِيهِ إنَّ لَهُحَبْلاً بحَبْلِ الوصيّ مُتَّصِلا
وَأَنْتَ يا حار إن تمتْ ترنيفلا تَخْفْ عَثرةً ولا زللا
أسْقيكَ مِنْ باردٍ على ظمأٍتخاله في الحلاوةِ العَسَلا
وليس هذا بمنكَر إن صحّ أنّه عليه السلام قاله عن نفسه ، ففي الكتابِ العزيزِ ما يدلّ على أنّ أهل الكتاب لا يموت منهم ميّت حتى يصدِّق بعيسى بن مريم عليه السلام ؛ وذلك قوله : « وَإن مِّنْ أَهْلِ الكِتَابِ إلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ القِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدا »۳ ، قال كثيرٌ من المفسرين : معنى ذلك أنّ كلَّ ميت من اليهود وغيرهم من أهل الكتب السالفة إذا احتُضِر رأى المسيح عيسى عنده ، فيصدّق به مَنْ لم يكن في أوقات التكليف مصدِّقا به .

1.عاين : رآه بعينه . الجزع : عدم الصبر على المصيبة . جاهرتكم : من الجهر وهو الارتفاع وكلام جهير أي عالٍ . العبر : جمع عبرة ، وهي الموعظة ، والمراد هنا الاعتبار . مزدجر : ما فيه ردع ومنع عن التقحّم في المعاصي والآثام .

2.الأبيات تنسب للسيد الحميري وليست للإمام أمير المؤمنين عليه السلام ومطلعها : وقول عليٍّ لحارث عجبٌكم ثمَّ اُعجوبة حملا يا حارٍ همدْان من يمت يرني... إلى آخر الأبيات ذكر ذلك أبو علي الطوسي في ( أماليه : ص۴۲ ) ، وانظر أيضاً : الغدير للعلاّمة الأميني ۱۱:۲۶۰ . مؤسسة الأعلمي ۱۴۱۴ ه .

3.سورة النساء ۱۵۹ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
126

دفعَ عنك الأسرَ مالُك ولا حَسَبُك . ويمقته : يبغضه ، والمقت : البُغْض .
فأمّا الكلام الذي كان أمير المؤمنين عليه السلام قاله على مِنْبر الكوفة فاعترضه فيه الأشعث ، فإنّ عليّا عليه السلام قام إليه ـ وهو يخطُب ، ويذكر أمرَ الحكَمَيْن ، فقام إليه رجل من أصحابه ، بعد أن انقضى أمرُ الخوارج ، فقال له : نهيتَنا عن الحكومة ثم أمرتَنا بها ، فما ندري أيّ الأمرين أرْشَد ! فصفّق عليه السلام بإحدى يديه على الأُخرى ، وقال : « هذا جزاء من تَرَك العُقْدة » . وكان مرادُه عليه السلام : هذا جزاؤكم إذ تركتُم الرأْيَ والحزم ، وأصْرَرْتم على إجابة القوم إلى التحكيم ؛ فظنّ الأشعث أنه أراد : هذا جزائي حيثُ تركت الرأي والحزم وحكّمت ؛ لأنّ هذه اللفظة محتمِلة . ألا ترى أن الرئيس إذا شغب عليه جنده ، وطلبوا منه اعتماد أمرٍ ليس بصواب ؛
فوافقهم تسكيناً لشغبهم لا استصلاحاً لرأيهم ، ثم ندموا بعد ذلك ، قد يقول : هذا جزاء من ترك الرأي وخالف وجه الحزم ! ويعني بذلك أصحابه ، وقد يقوله يعني به نفسه حيث وافقهم .
وأمير المؤمنين عليه السلام إنّما عَنَى ما ذكرناه دون ما خَطر للأشعث ، فلما قال له : هذه عليك لا لك ، قال له : « وما يدريك ما عليّ مما لي ، عليك لعنة اللّه ولعنة اللاعنين » !
وكان الأشعثُ من المنافقين في خلافة عليّ عليه السلام ، وهو في أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ، كما كان عبد اللّه بن أُبيّ بن سَلُول في أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، كلّ واحد منهما رأسُ النفاق في زمانه .
وأمّا قوله عليه السلام للأشعث : « حائك ابن حائك » ، فإن أهل اليمن يعيَّرون بالحياكة ؛ وليس هذا مما يَخُصّ الأشعث .

20

الأصْلُ :

۰.ومن خطبة له عليه السلامفَإِنَّكُمْ لَوْ قَدْ عَايَنْتُمْ مَا قَدْ عَايَنَ مَنْ مَاتَ مِنْكُمْ ؛ لَجَزَعْتُمْ وَوَهِلْتُمْ ، وَسَمِعْتُمْ

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 152530
صفحه از 712
پرینت  ارسال به