133
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

واضطر إلى مرافدتهم قعدوا عن نصره ، وتثاقلوا عن صوته ، فمُنع ترافد الأيدي الكثيرة ، وتناهُض الأقدام الجمة .

الشّرْحُ :

الفالج : الظافر الفائز ، فَلَج يَفْلُج ، بالضم ، وفي المثل : « مَنْ يأت الحكَم وحده يَفْلُج » . والياسر : الذي يلعب بالقداح ، واليَسَر مثله ، والجمع أيسار . وفي الكلام تقديم وتأخير ، تقديره : كالياسر الفالج ، أي كاللاعب بالقِداح المحظوظ منها ، وهو من باب تقديم الصفة على الموصوف.
وقوله : « ليست بتعذير » ، أي لَيست بذات تعذير ، أي تقصير ، فحذف المضاف ، كقوله تعالى : « قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ * النَّارِ »۱ أي ذي النَّار .
وقوله : « هم أعظم الناس حَيْطة » كَبَيْعَة ، أي رعاية وكلاءة ، ويروى « حِيطة » كغيبة ، وهي مصدر حاط ، أي تحنّنا وتعطفا .
والخصاصة : الفقر ، يقول : القضاءُ والقَدر ينزل من السماء إلى الأرض كقطْر المطر ، أي مبثوث في جميع أقطار الأرض إلى كلّ نفس بما قُسِم لها من زيادة أو نقصان ، في المال والعمر والجاه والولد وغير ذلك . فإذا رَأَى أحدُكم لأخيه زيادة في رزق أو عمر أو ولد وغير ذلك ؛ فلا يكونَنّ ذلك له فِتْنَةً تُفضِي به إلى الحسد ، فإنّ الإنسان المسلم إذا كان غيرَ مُواقِعٍ لدناءة وقبيح يَسْتحيِي من ذكره بين الناس ، ويخشع إذا قرِّع به ، ويغرَي لئام الناس بهَتْك ستره به ، كاللاعب بالقِداح ؛ المحظوظ منها ، ينتظر أول فَوْزَة وغلبَة من قِدَاحه ، تجْلب له نفعا ،وتدفع عنه ضرّا ؛ كذلك مَنْ وصفْنا حالَه ، يصبِر وينتظر إحدى الحسنيين ؛ إمّا أنْ يدعُوَه اللّه فيقبضَه إليه ، ويستأثِرَ به ، فالذي عند اللّه خير له . وإمّا أنْ يُنْسَأ في أجَله ، فيرزقه اللّهُ أهلاً ومالاً ، فيصبِحَ وقد اجتمع له ذلك مع حَسَبه ، ودينه ، ومروءته المحفوظة عليه .
ثم قال : « المال والبنون حرث الدنيا » ، وهو من قوله سبحانه : « المَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحيَاةِ الدُّنْيا » ، ومن قوله تعالى : « مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ في الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ »۲ .

1.سورة البروج ۴ و ۵ .

2.سورة الشورى ۲۰ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
132

ذُو أَهْلٍ وَمَالٍ ، وَمَعَهُ دِينُهُ وَحَسَبُه .
وإِنَّ الْمالَ والْبَنِينَ حَرْثُ الدُّنْيَا ، وَالْعَمَلَ الصَّالِحَ حَرْثُ الآخِرَةِ ، وَقَدْ يَجْمَعُهُمَا اللّهُ تَعَالَى لِأَقْوَامٍ ، فَاحْذَرُوا مِنَ اللّهِ مَا حَذَّرَكُمْ مِنْ نَفْسِهِ ، وَاخْشَوْهُ خَشْيَةً لَيْسَتْ بِتَعْذِيرٍ ، وَاعْمَلُوا في غَيْرِ رِيَاءٍ وَلاَ سُمْعَةٍ ؛ فَإِنَّهُ مَنْ يَعْمَلْ لِغَيْرِ اللّهِ يَكِلْهُ اللّهَ لِمَنْ عَمِلَ لَهُ . نَسْأَلُ اللّهِ مَنَازِلَ الشُّهَداءِ ، وَمُعَايَشَةَ السُّعَدَاءِ ، وَمُرَافَقَةَ الأنْبِيَاءِ .
أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّهُ لاَ يَسْتَغْنِي الرَّجُلُ ـ وَإِنْ كَانَ ذَا مَالٍ ـ عَنْ عِتْرَتِهِ وَدِفَاعِهِمْ عَنْهُ بِأَيْدِيهِمْ وَأَلْسِنَتِهِمْ ، وَهُمْ أَعْظَمُ النَّاسِ حَيْطَةً مِنْ وَرَائِهِ ، وَأَلَمُّهُمْ لِشَعَثِهِ ، وَأَعْطَفُهُمْ عَلَيْهِ عِنْدَ نَازِلَةٍ إِذَا نَزَلَتْ بِهِ . وَلِسَانُ الصِّدْقِ يَجْعَلُهُ اللّهُ لِلْمَرْءِ في النَّاسِ خَيْرٌ لَهُ مِنَ الْمَالِ يُوَرِّثُهُ غَيْرَهُ .
ومنها :
أَلاَ لاَ يَعْدِلَنَّ أَحَدُكُمْ عَنِ الْقَرَابَةِ يَرَى بِهَا الْخَصَاصَةَ أَنْ يَسُدَّهَا بِالَّذِي لا يَزِيدُهُ إِنْ أَمْسَكَهُ ، وَلاَ يَنْقُصُهُ إِنْ أَهْلَكَهُ ؛ وَمَنْ يَقْبِضْ يَدَهُ عَنْ عَشِيرَتِهِ ، فَإِنَّمَا تُقْبَضُ مِنْهُ عَنْهُمْ يَدٌ وَاحِدَةٌ ، وَتُقْبَضُ مِنْهُمْ عَنْهُ أَيْدٍ كَثِيرَةٌ ؛ وَمَنْ تَلِنْ حَاشِيَتُهُ يَسْتَدِمْ مِنْ قَوْمِهِ الْمَوَدَّةَ ۱ .
قال الرضي رحمه الله :
أقول : الغفيرة ها هنا الزيادة والكثرة ، من قولهم للجمع الكثير : الجم الغفير ، والجماء الغفير . ويروى «عِفْوة من أهل أو مال» والعِفْوة : الخيار من الشيء يقال : أكلت عِفْوةَ الطعام ، أي خياره .
وما أحسن المعنى الذي أراده عليه السلام بقوله : «ومن يقبض يده عن عشيرته ... » إلى تمام الكلام ، فإن الممسك خيره عن عشيرته إنما يمسك نفع يد واحدة ؛ فإذا احتاج إلى نصرتهم ،

1.الغفيرة : الزيادة . يغشى : يأتي . يغري : يحرّض . الفالج : الظافر ، الفائز . الياسر : اللاّعب بالميسر أي القمار . القداح : سهام يلعب بها بالقمار . المغنم : المنفعة . المغرم : المضرّة . الحرث : الكسب ، ما يعود على الحارث بالنفع . التعذير : العذر الكاذب . السمعة : الشهرة أو ما يقصد به الشهرة . الحَيطة : الرعاية . الشَّعث : التفرّق . النازلة : المصيبة . لسان الصدق : حسن الذكر بالحقّ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 142055
صفحه از 712
پرینت  ارسال به