139
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

إذا كان ألدّ الخصام . والجَشِب من الطعام : الغليظُ الخَشِن .
وقوله : « والآثام بكم معصوبة » ، استعارة ، كأنها مشدودة إليهم .
وعنى بقوله : « تسفكون دماءكم ، وتقطعون أرحامكم » ما كانوا عليه في الجاهلية من الغارات والحروب .

الأصْلُ :

۰.ومنها :
فَنَظَرْتُ فَإِذَا لَيْسَ لِي مُعِينٌ إِلاَّ أَهْلُ بَيْتِي ، فَضَنِنْتُ بِهمْ عَنِ الْمَوْتِ وَأَغْضَيْتُ عَلَى الْقَذَى ، وَشَرِبْتُ عَلَى الشَّجَى ، وَصَبَرْتُ عَلَى أَخْذ الْكَظَمِ ، وَعَلى أَمَرَّ مِنْ طَعْمِ الْعَلْقَمِ .

الشّرْحُ :

الكَظَم ، بفتح الظاء : مخرج النَّفَس ، والجمع أكْظام . وضنِنْت ، بالكسر : بخلت . وأغضيت على كذا : غضضت طرفى ، والشَّجى : ما يعترض في الحلق .
فأمّا قوله عليه السلام : « لم يكن لي معين إلاّ أهل بيتي فضننتُ بهم عن الموت » فقول ما زال علي عليه السلام يقوله ، ولقد قاله عقيبَ وفاة رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، قال : « لو وجدتُ أربعين ذوي عزم » ذكر ذلك نصرُ بن مزاحم في كتاب ( صفين ) ، وذكره كثير من أرباب السيرة ۱ .

1.اعترف ابن أبي الحديد هنا أن أمير المؤمنين عليه السلام لم يزل أيام حياته منذ قبض رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم إلى أن قبضه اللّه تعالى ، يقول : لو وجدت ناصرا ومعينا على القتال لقاتلتهم . إلاّ أنه يذكر تأويلات باردة ومصانعات سخيفة لمدرسة الخلافة ، ومعاندة صريحة لآراء الشيعة . ولا شك أنَّ هذا النصّ واضح الدلالة على أنه عليه السلام كان يرى أن الخلافة حق له دون غيره ، وأن قريشا اغتصبوا هذا الحق ، فسكت حرصا على أهل بيته لا على نفسه . وسكوت الإمام عن حقه كان بسبب خذلان الناس له ، وإن لم يسكت عن إشهار اللسان عليهم ، فقد نافح بلسانه عن حقه ، وطالب وحاجج وخاصم بكل وسعه ، كقوله : « فصبرت على طول المدة وشدة المحنة » وغيره ، ولكن التاريخ أهمل تسجيل تلكم الاحتجاجات لأسباب سياسية . ويدلنا على إصرار الإمام عليه السلام على المطالبة بحقه استشهاده في رحبة الكوفة ومسجدها ، وشهادة ثلاثين من الصحابة من أهل بدر له بذلك ، وغيرها من المواقف . راجع الأصل من هذا الشرح ۱:۱۶۲ . هذا وقد جنّب الشارح نفسه شرح هذا المقطع ؛ لأنّ فيه ما فيه من الهنابث ، مما لا تطيب نفس الشارح من الخوض في مطبّاتها ومزالقها التي لا تُحمد عاقبة إخراجها إلى الملأ على حقيقتها ؛ فقد أغضى ابن أبي الحديد عن الكثير من ذلك . وراجع أيضاً مسند أحمد ابن حنبل ۱:۱۱۹ ط . الميمنية ـ مصر .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
138

ويوفّقون لطاعته . ويحتمل أن يريد بذلك ما بعد الموت من مرافقة النبيّ صلى الله عليه و آله .
وهذه الخطبة ، خطب بها أمير المؤمنين عليه السلام بعد فراغه من صفين ؛ وانقضاء أمر الحكمين والخوارج ؛ وهي من أواخر خطبه عليه السلام .

26

الأصْلُ :

۰.ومن خطبة له عليه السلامإِنَّ اللّهَ بَعَثَ مُحَمَّدا صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ نَذِيرا لِلْعَالَمِينَ ، وَأَمِينا عَلَى التَّنْزِيلِ ، وَأَنْتُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ عَلَى شَرِّ دِينٍ ، وَفِي شِرِّ دَارٍ ، مُنِيخُونَ بَيْنَ حِجَارَةٍ خُشْنٍ وَحَيَّاتٍ صُمٍّ ، تَشْرَبُونَ الْكَدِرَ وَتَأْكُلُونَ الْجَشِبَ ، وَتَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ ، وَتَقْطَعُونَ أَرْحَامَكُمْ . الْأَصْنَامُ فِيكُمْ مَنْصُوبَةٌ ، وَالآثَامُ بِكُمْ مَعْصُوبَةٌ ۱ .

الشّرْحُ :

يجوز أن يعنى بقوله : « بين حجارة خُشْن ، وحَيّات صُمٍّ » الحقيقةَ لا المجاز ؛ وذلك أنّ الباديةَ بالحجاز ونجد وتِهامة وغيرها من أرض العرب ذاتُ حياتٍ وحجارة خُشْن ، وقد يعني بالحجارة الخُشْن الجبالَ أيضا ، أو الأصنام ، فيكونُ داخلاً في قِسْم الحقيقة إذا فرضناه مُرادا ، ويكون المعنيّ بذلك وصفَ ما كانوا عليه من البؤس وشَظَف العيشة وسوء الاختيار في العبادة ، فأبدلهم اللّه تعالى بذلك الريفَ ولينَ المهاد وعبادةَ من يستحق العبادة .
ويجوز أن يعني به المجاز ، وهو الأحسن ؛ يقال للأعداء حَيّات . والحيّة الصماء أدْهَى من التي ليست بصماء ؛ لأنّها لا تنزجر بالصوت . ويقال للعدوّ أيضا : إنه لحجر خَشِن المسّ ،

1.منيخون : مقيمون . حيات صمّ : لا تنزجر بالصوت . الماء الكدر : غير الصافي . الطعام الجشب : الغليظ الخشن . معصوبة : مشدودة .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 142022
صفحه از 712
پرینت  ارسال به