143
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

يستتر ، كالدّرع والحَجَفة . وتركه رغبة عنه ، أي زهدا فيه ، رغبت عن كذا ، ضدّ رغبت في كذا . ودُيِّث بالصغار ، أي ذُلّل ، بعير مُدَيّث ، أي مُذَلّل ؛ ومنه الديُّوث : الذي لا غيْرة له ، كأنّه قد ذُلّل حتى صار كذلك . والصَّغَار : الذلّ والضيم . والقَماء ؛ بالمد : مصدر قُمؤ الرجل قَماء وقماءة ، أي صار قميئا ، وهو الصغير الذليل ، فأمَّا قَمَأ ، بفتح الميم فمعناه سَمن ، ومصدره القُمُوء والقموءة .
وقوله عليه السلام : « وضرب على قلبه بالإسهاب » ، فالإسهاب هاهنا هو ذهاب العقل ؛ ويمكن أن يكون من الإسهاب الذي هو كثرة الكلام ؛ كأنّه عوقب بأن يكثر كلامه فيما لا فائدة تحته .
قوله : « وأُديل الحقّ منه بتضييع الجهاد » ، قد يظنّ ظانّ أنه يريد عليه السلام : وأدِيلِ الحقّ منه بأن أضِيعَ جهادُه ، كالباءات المتقدمة ، وهي قوله : « ودُيّث بالصغار » ، و « ضُرِب على قلبه بالإسهاب » . وليس كما ظنّ ، بل المراد : وأُدِيل الحقّ منه لأجل تضييعه الجهاد ، فالباء هاهنا للسببية ، كقوله تعالى : « ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ »۱ . والنّصَف : الإنصاف . وعُقْر دارهم ، بالضم : أصل دارهم ، والعُقْر : الأصل ، ومنه العَقَار للنخل ، كأنه أصل المال . وتواكلتم ، من وكلت الأمرَ إليك ووكلتَه إليّ ، أي لم يتولّه أحد منّا ، ولكن أحال به كلّ واحد على الآخر ، ومنه رجل وَكِل ، أي عاجز يكلُ أمرَه إلى غيره ، وكذلك وَكَلَة . وتخاذلتم ، من الخِذْلان . وَشُنّت عليكم الغارات : فُرِّقت ، وما كان من ذلك متفرقا ، نحو إرسال الماء على الوَجْه دَفْعة بعد دفعة ، فهو بالشين المعجمة ، وما كان أرسالاً غيرَ متفرِّق ، فهو بالسين المهملة ؛ ويجوز شَنّ الغارة وأشنّها . والمسالح : جمع مَسْلحة ، وهي كالثغر والمرقَب ، وفي الحديث : « كان أدنى مسالح فارس إلى العرب العُذَيب » ۲ . والمعاهِدة : ذات العَهْد ، وهي الذمّية . والحِجْل : الخَلْخال ، ومن هذا قيل للفرس محجّل ، وسمِّي القيد حِجْلا ؛ لأنّه يكون مكان الخلخال . ورُعُثها : شُنُوفها ، جمع رِعاث بكسر الراء ، ورِعاث : جمع رَعْثة ، فالأول مثلُ خِمار وخُمُر ، والثاني مثل جَفْنة وجِفَان ، والقُلُب : جمع قلْب ، وهو السوار المصمَت . والاسترجاع ، قوله : « إنَّا للّهِِ وَإنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ »۳ . والاسترحام : أن تناشدَه الرحم . وانصرفوا وافرين ، أي تامّين ، وَفُر الشيء نفسُه أي تَمّ فهو وافر ، ووَفرْتُ الشيء ، متعد : أي أتممته .

1.سورة الأنعام ۱۴۶ .

2.ذكره ابن الأثير في النهاية ۲ : ۱۷۴ .

3.سورة البقرة ۱۵۶ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
142

عَنَّا الْحَرُّ ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ فِي الشِّتَاءِ قُلْتُمْ : هـذِهِ صَبَارَّةُ الْقُرِّ ؛ أَمِْهلْنَا يَنْسَلِخْ عَنَّا الْبَرْدُ؛ كُلُّ هذَا فِرَاراً مِنَ الْحَرِّ وَالْقُرِّ؛ فَإِذَا كُنْتُمْ مِنَ الْحَرِّ وَالْقُرِّ تَفِرُّونَ ؛ فَأَنْتُمْ وَاللّهِ مِنَ السَّيْفِ أَفَرُّ !
يَا أَشْبَاهَ الرِّجَالِ وَلاَ رِجَالَ ! حُلُومُ الْأَطْفَالِ ، وَعُقُولُ رَبَّاتِ الْحِجَالِ لَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَرَكُمْ وَلَمْ أَعْرِفْكُمْ مَعْرِفَةً ـ وَاللّهِ ـ جَرَّتْ نَدَما وَأَعَقَبَتْ سَدَما . قَاتَلَكُمُ اللّهُ ! لَقَدْ مَلَأْتُمْ قَلْبِي قَيْحا ، وَشَحَنْتُمْ صَدْرِي غَيْظا ، وَجَرَّعْتُمُونِي نُغَبَ التَّهْمَامِ أَنْفَاسا وَأَفْسَدْتُمْ عَلَيَّ رَأْيِي بِالْعِصْيَانِ وَالْخذْلاَنِ ؛ حَتَّى لَقَدْ قَالَتْ قُرَيْشٌ : إِنَّ ابْنَ أَبِي طَالِبٍ رَجُلٌ شُجَاعٌ ، وَلكِنْ لاَ عِلْمَ لَهُ بِالْحَرْبِ . للّهِ أَبُوهُمْ ! وَهَلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَشَدُّ لَهَا مِرَاسا ، وَأَقْدَمُ فِيهَا مَقَاما مِنِّي ! لَقَدْ نَهَضْتُ فِيهَا وَمَا بَلَغْتُ الْعِشْرِينَ ، وَهـا أنا ذا قَدْ ذَرَّفْتُ عَلَى السِّتِّينَ ! وَلكِنْ لاَ رَأْيَ لِمَنْ لاَ يُطَاعُ!

الشّرْحُ :

هذه الخطبة من مشاهير خطبه عليه السلام ؛ قد ذكرها كثير من الناس ، ورواها أبو العباس المبرّد في أول « الكامل » ۱ ، وأسقط من هذه الرواية ألفاظا وزاد فيها ألفاظا ، وقال في أولها :
« إنه انتهى إلى عليّ عليه السلام أنّ خيلاً وردت الأنبار لمعاوية ، فقتلوا عاملاً له يقال له : حَسّان ابن حسان ، فخرج مغضَبا يَجُرّ رداءه ، حتى أتى النُّخَيلة ۲ ، واتّبعه الناسُ ، فرقِيَ رُباوَة من الأرض ، فحمِد اللّه وأثنى عليه ، وصلى على نبيه صلى الله عليه و آله ، ثم قال : أما بعد فإنّ الجهَاد بابٌ من أبواب الجنة ، فمن تركه رغبة عنه ، ألبسه اللّه الذلّ وسيما الخَسْفِ » .
قوله عليه السلام : « وهو لباس التقوى » ، فهو لفظة مأخوذة من الكتاب العزيز ، قال اللّه سبحانه : « قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسا يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشا وَلِبَاسُ التَّقْوَى »۳ . والجُنّة : ما يُجْتَنّ به ، أي

1.الكامل ۱:۱۰۴ ـ ۱۰۷ بشرح المرصفي . يرويها عن عبيد اللّه بن حفص التميمي المعروف بابن عائشة .

2.النخيلة : اسم موضع خارج الكوفة .

3.سورة الأعراف ۲۶ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 181515
صفحه از 712
پرینت  ارسال به