عَنَّا الْحَرُّ ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ فِي الشِّتَاءِ قُلْتُمْ : هـذِهِ صَبَارَّةُ الْقُرِّ ؛ أَمِْهلْنَا يَنْسَلِخْ عَنَّا الْبَرْدُ؛ كُلُّ هذَا فِرَاراً مِنَ الْحَرِّ وَالْقُرِّ؛ فَإِذَا كُنْتُمْ مِنَ الْحَرِّ وَالْقُرِّ تَفِرُّونَ ؛ فَأَنْتُمْ وَاللّهِ مِنَ السَّيْفِ أَفَرُّ !
يَا أَشْبَاهَ الرِّجَالِ وَلاَ رِجَالَ ! حُلُومُ الْأَطْفَالِ ، وَعُقُولُ رَبَّاتِ الْحِجَالِ لَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَرَكُمْ وَلَمْ أَعْرِفْكُمْ مَعْرِفَةً ـ وَاللّهِ ـ جَرَّتْ نَدَما وَأَعَقَبَتْ سَدَما . قَاتَلَكُمُ اللّهُ ! لَقَدْ مَلَأْتُمْ قَلْبِي قَيْحا ، وَشَحَنْتُمْ صَدْرِي غَيْظا ، وَجَرَّعْتُمُونِي نُغَبَ التَّهْمَامِ أَنْفَاسا وَأَفْسَدْتُمْ عَلَيَّ رَأْيِي بِالْعِصْيَانِ وَالْخذْلاَنِ ؛ حَتَّى لَقَدْ قَالَتْ قُرَيْشٌ : إِنَّ ابْنَ أَبِي طَالِبٍ رَجُلٌ شُجَاعٌ ، وَلكِنْ لاَ عِلْمَ لَهُ بِالْحَرْبِ . للّهِ أَبُوهُمْ ! وَهَلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَشَدُّ لَهَا مِرَاسا ، وَأَقْدَمُ فِيهَا مَقَاما مِنِّي ! لَقَدْ نَهَضْتُ فِيهَا وَمَا بَلَغْتُ الْعِشْرِينَ ، وَهـا أنا ذا قَدْ ذَرَّفْتُ عَلَى السِّتِّينَ ! وَلكِنْ لاَ رَأْيَ لِمَنْ لاَ يُطَاعُ!
الشّرْحُ :
هذه الخطبة من مشاهير خطبه عليه السلام ؛ قد ذكرها كثير من الناس ، ورواها أبو العباس المبرّد في أول « الكامل » ۱ ، وأسقط من هذه الرواية ألفاظا وزاد فيها ألفاظا ، وقال في أولها :
« إنه انتهى إلى عليّ عليه السلام أنّ خيلاً وردت الأنبار لمعاوية ، فقتلوا عاملاً له يقال له : حَسّان ابن حسان ، فخرج مغضَبا يَجُرّ رداءه ، حتى أتى النُّخَيلة ۲ ، واتّبعه الناسُ ، فرقِيَ رُباوَة من الأرض ، فحمِد اللّه وأثنى عليه ، وصلى على نبيه صلى الله عليه و آله ، ثم قال : أما بعد فإنّ الجهَاد بابٌ من أبواب الجنة ، فمن تركه رغبة عنه ، ألبسه اللّه الذلّ وسيما الخَسْفِ » .
قوله عليه السلام : « وهو لباس التقوى » ، فهو لفظة مأخوذة من الكتاب العزيز ، قال اللّه سبحانه : « قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسا يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشا وَلِبَاسُ التَّقْوَى »۳ . والجُنّة : ما يُجْتَنّ به ، أي