147
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

قوله : « ألا فاعملوا في الرغبة » ، يقول : لا ريب أنّ أحدَكم إذا مسّه الضر من مرض شديد ، أو خوف مُقْلِق ، من عدوّ قاهر ؛ فإنه يكون شديد الإخلاص والعبادة ، وهذه حال من يخاف الغرق في سفينة يتلاعب بها الأمواج ، فهو عليه السلام أمر بأن يكون المكلّف عاملاً أيام عدم الخوف ، مثل عمله وإخلاصه ؛ وانقطاعه إلى اللّه أيام هذه العوارض .
قوله : « لم أر كالجنة نام طالبها » ، يقول : إنّ مِنْ أعجب العجائب مَن يؤمن بالجنة ، كيف يطلبها وينام ! ومن أعجب العجائب من يوقن بالنار ، كيف لا يهرب منها وينام ! أي لا ينبغي أن ينام طالب هذه ولا الهارب من هذه .
وقد فسر الرضيّ رحمه اللّه تعالى معنى قوله : « والسبقة الجنة » .

29

الأصْلُ :

۰.ومن خطبة له عليه السلامأَيُّهَا النَّاسُ ، الْمُجْتَمِعَةُ أَبْدَانُهُمْ ، الْمُخْتَلِفَةُ أَهْوَاؤُهُمْ ، كَلاَمُكُمْ يُوهِي الصُّمَّ الصِّلابَ ، وَفِعْلُكُمْ يُطْمِعُ فِيكُمُ الْأَعْدَاءَ!
تَقُولُونَ فِي الْمَجَالِسِ : كَيْتَ وَكَيْتَ ، فَإِذَا جَاءَ الْقِتَالُ قُلْتُمْ : حِيدِي حَيَادِ ! مَا عَزَّتْ دَعْوَةُ مَنْ دَعَاكُمْ ، وَلاَ اسْتَرَاحَ قَلْبُ مَنْ قَاسَاكُمْ ، أَعَالِيلُ بِأَضَالِيلَ ، دِفَاعَ ذِي الدَّيْنِ الْمَطُولِ . لاَ يَمْنَعُ الْضَّيْمَ الذَّلِيلُ ! وَلاَ يُدْرَكُ الْحَقُّ إِلاَّ بِالْجِدِّ!
أَيَّ دَارٍ بَعْدَ دَارِكُمْ تَمْنَعُونَ ، وَمَعَ أَيِّ إِمَامٍ بَعْدِي تُقَاتِلُونَ ؟ الْمَغْرُورُ وَاللّهِ مَنْ غَرَرْتُمُوهُ ، وَمَنْ فَازَ بِكُمْ فَقَدْ فَازَ ـ وَاللّهِ ـ بِالسَّهْمِ الْأَخْيَبِ ، وَمَنْ رَمَى بِكُمْ فَقَدْ رَمَى بَأَفْوَقَ نَاصِلٍ .
أَصْبَحْتُ وَاللّهِ لا أُصَدِّقُ قَوْلَكُمْ ، وَلاَ أَطْمَعُ فِي نَصْرِكُمْ ، وَلاَ أُوعِدُ الْعَدُوَّ بِكُمْ .
مَا بَالَكُمْ ؟ مَا دَوَاؤُكُمْ ؟ مَا طِبُّكُمْ ؟ الْقَوْمُ رِجَالٌ أَمْثَالُكُمْ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
146

اتِّبَاعُ الْهَوَى ، وَطُولُ الْأَمَلِ ، فَتَزَوَّدُوا فِي الدُّنْيَا مِنَ الدُّنْيَا مَا تَحْرُزُونَ بِهِ أَنْفُسَكُمْ غَدا .

قال الرضي رحمه الله :
وَأَقُولُ : إنّهُ لو كان كلامٌ يأخذ بالأعناق إلى الزهد في الدنيا ، ويضطر إلى عمل الآخرة لكان هذا الكلام ، وكفى به قاطعا لعلائق الآمال ، وقادحا زناد الاتعاظ والازدجار ، ومِنْ أعجبه قوله عليه السلام : « أَلاَ وَإِنَّ الْيَوْمَ المِضْمارَ ، وَغَدا السِّبَاقَ ، وَالسَّبَقَةُ الْجَنَّةُ ، وَالْغَايَةُ النَّارُ » فإن فيه ـ مع فخامة اللفظ ، وعظم قدر المعنى ، وصادق التمثيل ، وواقع التشبيه ـ سرّا عجيبا ، ومعنىً لطيفا ، وهو قوله عليه السلام : « وَالسَّبَقَةُ الْجَنَّةُ ، وَالْغَايَةُ النَّارُ » فخالف بين اللفظين لاختلاف المعنيين ، ولم يقل : «السَّبَقَةُ النَّار» كما قال : « السَّبَقَةُ الْجَنَّةُ » ؛ لأنّ الاستباق إنما يكون إلى أمر محبوبٍ ، وغرض مطلوبٍ ، وهذه صفة الجنة وليس هذا المعنى موجودا في النار ، نعوذ باللّه منها ! فلم يجز أن يقول : « والسَّبَقَةُ النَّار » بل قال : « وَالْغَايَةُ النَّار » ؛ لأنّ الغاية قد ينتهي إليها من لا يسره الانتهاء إليها ، ومن يسره ذلك فصَلح أن يعبر بها عن الأمرين معا ، فهي في هذا الموضع كالمصير والمآل ، قال اللّه تعالى : « قُلْ تَمَتَّعُوا فَإنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ ) ولا يجوز في هذا الموضع أن يقال : سبقتكم ـ بسكون الباء ـ إلى النار ، فتأمل ذلك ، فباطنه عجيب ، وغوره بعيد لطيف وكذلك أكثر كلامه عليه السلام .
وفي بعض النسخ : وقد جاء في رواية أُخرى « والسُّبْقَة الجَنَّة » بضم السّين ، والسّبقة عندهم : اسم لما يجعل للسابق إذا سبق من مال أو عرض . والمعنيان متقاربان ؛ لأنّ ذلك لا يكون جزاءً على فعل الأمر المذموم وإنما يكون جزاءً على فعل الأمر المحمود .

الشّرْحُ :

آذنت : أعلمت . والمضْمار ، منصوب ؛ لأنّه اسم « إن » . واليوم ظرف ، وموضعه رفع ؛ لأنّه خبر « إنّ » ، وظرف الزمان يجوز أن يكون خبراً عن الحدَث ، والمضمار : وهو الزمان الذي تضمّر فيه الخيل للسباق ، والضّمْر : الهزال وخفة اللّحم . وإعراب قوله : « وغداً السباق » ، على هذا الوجه أيضا . ويجوز الرّفع في الموضعين على أنْ تجعلهما خبران بأنفسهما .
وقوله عليه السلام : « ألا عامل لنفسه قبل يوم بؤسه » أخذه ابن نُباتة مُصَالتةً ، فقال في بعض خطبه : « ألا عاملٌ لنفسه قبل حلول رَمْسِه » .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 147268
صفحه از 712
پرینت  ارسال به