15
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

والسياسة والحرب ، والفقيه ، والحكيم ، والأديب ... .

مصادر الرضي في نهج البلاغة :

إنّ الإمام الرضي محمد بن الحسين الموسوي قدس سره ، العالم البصير ، والثبْت الخبير المأمون ، قد تصدّى لجمع كلام أمير المؤمنين عليّ عليه السلام ، وروايته وتنظيمه في كتاب أسماه (نهج البلاغة) ، ومن أوّل يوم ظهر للوجود ، وعرفه الناس ، تناقله العلماء ، والأُدباء ، وتلقوه بالقبول والاستحسان ، وتصدوا لشرحه وترجمته ، والتعليق عليه عبر القرون ، دونما نكير أو تشكيك إلاّ من بعض الشّذاذ دونما سبب مهم يوجب التشكيك من مناقضة للكتاب الكريم أو السنة الثابتة أو العقل ، ولا لضرورة من ضروريات الدين .
وكتاب النهج هذا جدير بأن يكون من أجلّ المصادر وأعلاها وأوثقها ، ولا يحتاج بعد إلى مصدر أو مرجع يوثّقه ، شأنه في ذلك شأن سائر ما يرويه المحدثون الثقات ، فيؤخذ بمروياتهم دون تشكيك ، ولا مطالبة بمصدر ، على أنه جاء جلّه مروياً بالأسانيد في مصادر اُخر سابقة أو معاصرة لجامع النهج . وقد صرّح جامعه الشريف الرضي رحمه الله ـ خلاله ـ في أبواب متفرّقة ، بأنّه نقل بعض نصوص نهج البلاغة من مصادر مدوّنة ، ذكر أسماءها وأسماء مؤلفيها ، ومن مصادر مروية بالأسانيد المتصلة إلى الإمام علي عليه السلام ، « والظاهر أنّ تخصيص ذلك البعض بذكر المصدر دون غيره من مندرجات الكتاب ، هو أنّ ذلك البعض ممّا لم تتحقق عند المؤلّف نسبته إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، بخلاف غيره فإنّه على ثقة منه ويقين ، فلا يحتاج إلى ذكر مصدر له تكون العهدة عليه في النقل والنسبة ، وهذه عادة القدماء من أهل التأليف » ۱ ، ونحن نذكر مصادره المدوّنة ، ثم مصادره المروية بالسند ۲ كما ذكرها في ثنايا النهج الشريف .

1.مدارك نهج البلاغة ودفع الشبهات ، الشيخ هادي كاشف الغطاء ، ص۲۳۵ .

2.نقلنا هذا الثبت للمصادر من كتاب مدارك نهج البلاغة ، للشيخ الهادي كاشف الغطاء ، ص۲۳۴ ؛ وكتاب مصادر نهج البلاغة ، للشيخ عبد اللّه نعمة ، ص۳۸ وما بعدها ؛ وكتاب العذيق النضيد بمصادر ابن أبي الحديد ، لاُستاذنا الدكتور أحمد الربيعي ، ص۱۰۵ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
14

وقال أيضاً في شرح الخطبة (45) : إن الرضي رحمه الله يلتقط كلام أمير المؤمنين عليه السلام التقاطاً ولا يقف مع الكلام المتوالي ، لأنّ غرضه ذكر فصاحته عليه السلام لا غير ، ولو أتى بخطبه كلّها على وجهها لكانت أضعاف كتابه الذي جمعه . وفي الخطبة (133) بنفس المضمون .
فنهج البلاغة ، وإن خلا من وحدة النظم والتنسيق والانسجام بين فصوله ، بهذا المعنى الذي ذكرناه ، إلاّ أنه انتظمته وحدة الروح والمثل والأُسلوب على اختلاف موضوعاته ومقاصده وفنونه ، فحينما نطل على (النهج) تغمرنا أنواره المشرقة ، وعبقاته العطرة ، ويستولي على مشاعرنا جوّ روحاني إيماني أخّاذ ، وكأن المكانة السامية والمقام الروحي لأمير المؤمنين وسيد الأوصياء عليه السلام لا تبعد آناً ما ، عمّا هو مسطور فيه ، فتحسُّ بأدب الوحي والنبوة ، وروحانية الإيمان الصادق ، وأخلاق الإمام المعصوم ، كل ذلك في صور فنية رائعة في أعلى طبقات البلاغة والفصاحة .
يقول سبط ابن الجوزي البغدادي (654 ه) في تذكرته « كان عليّ عليه السلام ينطق بكلام قد حُفّ بالعصمة ، ويتكلّم بميزان الحكمة ، كلام ألقى اللّه عليه المهابة ، فكلّ من طرق سمعه راعه فهابه ، وقد جمع اللّه له بين الحلاوة والملاحة ، والطلاوة والفصاحة ... ألفاظ يشرق عليها نور النبوة ويحيّر الأفهام والألباب » ۱ .
وكأننا نقرأ شخصية الإمام وسيرته بين سطور النهج كما وصفها رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : « لايعرفك إلاّ اللّه وأنا » ۲ .
وقد قدّم السيد الشريف رحمه الله بعمله هذا خدمة كبيرة على مرّ العصور للأدب واللغة والأخلاق ، وللإنسانية عموماً ، وسوف يوفّى أجر المصلحين والمحسنين «إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ»۳ .
فالنهج نسخة فريدة بين آثار بني الإنسان تشتمل على معارف إلهية عالية ، ومنهاج للأخلاق ، وقوانين في الاجتماع ، والسياسة ، والحرب ، والاقتصاد ... ودروس في الحكمة ، والأدب ، والعرفان ... الخ . ينهل منه العارف ، والفيلسوف ، والمتكلم ، وعالم الاجتماع

1.تذكرة الخواص ، ص۱۱۹ الباب السادس ، إصدار مكتبة نينوى الحديثة ـ طهران .

2.مناقب آل أبي طالب ، ابن شهرآشوب ۲/۶۰ ؛ مختصر بصائر الدرجات ، الحسن بن سليمان ، ص۱۳۵ .

3. ، «وَلاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ» . سورة الأعراف ۱۷۰ ، سورة التوبة ۱۲۰ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 142018
صفحه از 712
پرینت  ارسال به