151
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

الشّرْحُ :

هذا الكلام بظاهره يقتضِي أنّه ما أمر بقتله ، ولا نهى عنه ، فيكون دمُه عنده في حكم الأُمور المباحة التي لا يؤمر بها ، ولا ينهى عنها . وأيضا فقد ثبت في السِّير والأخبار أنه كان عليه السلام ينهَى الناس عن قَتْله ؛ فإذن يجب أن يُحمَل لفظ النهى على المنع كما يقال : الأمير ينهى عن نهب أموال الرعيّة ، أي يمنع ، وحينئذٍ يستقيم الكلام ؛ لأنّه عليه السلام ما أمر بقتلِه ولا منع عن قتله ، وإنما كان ينهى عنه باللسان ولا يمنع عنه باليد .
فأمّا قوله : « غير أنّ مَنْ نصره » ، فكلام معناه أنّ خاذِليه كانوا خيرا من ناصريه ؛ لأنّ الذين نصروه كان أكثرُهم فُسّاقا ، كمرْوان بن الحكم وأضرابه ، وخذله المهاجرون والأنصار .
فأمّا قوله : « وأنا جامع لكم أمره ... » إلى آخر الفصل ؛ فمعناه أنه فَعَل ما لا يجوز ، وفعلتم ما لا يجوز ، أمّا هو فاستأثر فأساء الأثرة ، أي استبدّ بالأُمور فأساء في الاستبداد ، وأمّا أنتم فجزِعتم مما فعل أي حزنتم فأسأتم الجزَع ، لأنكم قتلتموه ، وقد كان الواجب عليه أن يرجع عن استئثاره ، وكان الواجب عليكم ألاّ تجعلوا جزاءه عمّا أذنب القتل ، بل الخلع والحبس وترتيب غيره في الإمامة .
ثم قال : وللّه حُكْم سيحكم به فيه وفيكم .

31

الأصْلُ :

۰.ومن كلام له عليه السلام لما أنفذ عبد اللّه بن عباس إلى الزبير قبل وقوع الحرب يوم الجمل ليستفيئه إلى طاعته :لا تَلْقَيَنَّ طَلْحَةَ ، فَإِنَّكَ إِنْ تَلْقَهُ تَجِدْهُ كَالثَّوْرِ عَاقِصا قَرْنَهُ ، يَرْكَبُ الصَّعْبَ وَيَقُولُ : هُوَ الذَّلُولُ . وَلكِنِ الْقَ الزُّبَيْرَ ، فَإِنَّهُ أَلْيَنُ عَرِيكَةً ، فَقُلْ لَهُ : يَقُولُ لَكَ ابْنُ خَالِكَ : عَرَفْتَنِي بِالْحِجَازِ وَأَنْكَرْتَنِي بِالْعِرَاقِ ، فَمَا عَدَا مِمَّا بَدَا .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
150

فأمّا ما ذكرتَه من غارة الضحّاك على أهل الحيرة ، فهو أقلّ وأذلّ من أن يلمّ بها أو يدنُو منها ؛ ولكنّه قد كان أقبَل في جريدة خيل ، فأخذ على السَّماوة ، حتى مرّ بواقِصة وشَرَاف والقُطْقُطَانة ؛ مما والى ذلك الصُّقْع ، فوجهت إليه جنداً كَثيفا من المسلمين ، فلما بلغه ذلك فَرّ هاربا ، فاتَّبعوه فلحقوه ببعض الطريق وقد أمعن ، وكان ذلك حين طَفَلت الشمس للإياب ، فتناوشوا القتال قليلاً كلا ولا ، فلم يصبر لوقع المشرفيّة ، وولّى هاربا ، وقُتل من أصحابه بضعة عشر رجلاً ، ونجا جَرِيضاً بعد ما أخذ منه بالمخنّق ، فلأياً بلأيٍ ما نجا .
فأمّا ما سألتني أنْ أكتبَ لك برأيي فيما أنا فيه ، فإنّ رأيي جهادُ المحلِّين حتى ألقى اللّه ، لا يزيدني كثرةُ الناس معي عِزّة ، ولا تفرُّقُهم عنّي وَحشة ؛ لأنني محقّ ، واللّه مع المحقّ . وواللّه ما أكره الموت على الحقّ ، وما الخيرُ كلُّه إلاّ بعد الموت لمن كان محقّا .
وأمّا ما عرضت به من مَسِيرك إليّ ببنيك وبني أبيك فلا حاجة لي في ذلك ؛ فأقمْ راشدا محمودا ، فو اللّه ما أُحبّ أن تهلِكوا معي إن هلكت ، ولا تحسَبَنّ ابنَ أُمّك ـ ولو أسلمه الناس ـ متخشّعا ولا متضرّعا إنه لكما قال أخو بني سُلَيْم :

فإنْ تسألني كَيْفَ أنْتَ فإنّنيصَبُورٌ عَلَى رَيْبِ الزمان صَليبُ
يَعزّ عَلَيّ أن تُرَى بي كآبةٌفيشمتَ عادٍ أو يساء حَبِيبُ

30

الأصْلُ :

۰.ومن خطبة له عليه السلام في معنى قتل عثمانلَوْ أَمَرْتُ بِهِ لَكُنْتُ قَاتِلاً ، أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ لَكُنْتُ نَاصِرا ، غَيْرَ أَنَّ مَنْ نَصَرَهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُولَ : خَذَلَهُ مَنْ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ ، وَمَنْ خَذَلَهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُولَ : نَصَرَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي . وَأَنَا جَامِعٌ لَكُمْ أَمْرَهُ ، اسْتَأْثَرَ فَأَسَاءَ الْأَثَرَةَ وَجَزِعْتُمْ فَأَسَأْتُمُ الْجَزَعَ ، وَللّهِ حُكْمٌ وَاقِعٌ في الْمُسْتَأْثِرِ وَالْجَازِعِ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 152534
صفحه از 712
پرینت  ارسال به