169
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

40

الأصْلُ :

۰.ومن كلام له عليه السلام للخوارج لما سمع قولهم : « لا حكم إلاّ للّه » قال:كَلِمَةُ حَقٍّ يُرَادُ بِهَا بَاطِلٌ ! نَعَمْ إِنَّهُ لاَ حُكْمَ إِلاَّ للّهِ ، وَلكِنَّ هؤُلاَءِ يَقُولُونَ : لاَ إِمْرَةَ إِلاَّ للّهِ ، وَإِنَّهُ لاَ بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ أَمِيرٍ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ يَعْمَلُ في إِمْرَتِهِ الْمُؤْمِنُ ، وَيَسْتَمْتِعُ فِيهَا الْكَافِرُ، وَيُبَلِّغُ اللّهُ فِيهَا الْأَجَلَ ، وَيُجْمَعُ بِهِ الْفَيْءُ ، وَيُقَاتَلُ بِهِ الْعَدُوُّ ، وَتَأْمَنُ بِهِ السُّبُلُ ، وَيُؤْخَذُ بِهِ لِلضَّعِيفِ مِنَ الْقَوِيِّ ؛ حَتَّى يَسْتَرِيحَ بَرٌّ ، وَيُسْتَرَاحَ مِنْ فَاجِرٍ .
وفي رواية أُخرى أنه عليه السلام لما سمع تحكيمهم قال :
حُكْمَ اللّهِ أَنْتَظِرُ فِيكُمْ .
وقال :
أَمَّا الاْءِمْرَةُ الْبَرَّةُ فَيَعْمَلُ فِيهَا التَّقِيُّ ؛ وَأَمَّا الاْءِمْرَةُ الْفَاجِرَةُ فَيَتَمَتَّعُ فِيهَا الشَّقِيُّ ؛ إِلى أَنْ تَنْقَطِعَ مُدَّتُهُ ، وَتُدْرِكَهُ مَنِيَّتُهُ .
اختلاف الرأي في القول بوجوب الإمامة

الشّرْحُ :

هذا نصٌّ صريح منه عليه السلام ؛ بأنّ الإمامةَ واجبة ۱ ، وقد اختلف الناس في هذه المسألة فقال المتكلّمون : كلمة الإمامة واجبة ؛ إلاّ ما يحكَى عن أبي بكر الأصَمّ من قدماء أصحابنا أنها غيرُ واجبة ؛ إذا تناصفت الأُمّة ؛ ولم تتظالم .

1.هذا ليس فيه تصريح ولا تلويح ، وإنّما كلامه عليه السلام في الإمارة ، سواءً كان الأمير برّا أو فاجرا .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
168

بِنَصْرِكُمْ رَبَّكُمْ ؟ أَمَا دِينٌ يَجْمَعُكُمْ ، وَلاَ حَمِيَّةَ تُحْمِشُكُمْ ! أَقُومُ فِيكُمْ مُسْتَصْرِخا ، وَأُنَادِيكُمْ مُتَغَوِّثا ، فَلاَ تَسْمَعُونَ لِي قَوْلاً ، وَلاَ تُطِيعُونَ لِي أَمْرا ، حَتَّى تَكَشَّفَ الْأُمُورُ عَنْ عَوَاقِبِ الْمَساءَةِ ، فَمَا يُدْرَكُ بِكُمْ ثَارٌ ، وَلاَ يُبْلَغُ بِكُمْ مَرَامٌ .
دَعَوْتُكُمْ إِلَى نَصْرِ إِخْوَانِكُمْ فَجَرْجَرْتُمْ جَرْجَرَةَ الْجَمَلِ الْأَسَرِّ ، وَتَثَاقَلْتُمْ تَثَاقُلَ الْنِّضْوِ الْأدْبـَرِ ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَىَّ مِنْكُمْ جُنَيْدٌ مُتَذَائِبٌ ضَعِيفٌ (كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ) .

قال الرضي رحمه الله :
قوله عَليه السَّلام : «مُتَذَائِبٌ» أي مَضْطَرِب ، مِن قولهم : تَذَاءَبَتِ الرِّيحُ ، أي اضْطَربَ هُبُوبهَا ، وَمنه سُمِّيَ الذِّئْب ذِئْبا ، لاِضْطِرابِ مشْيَته .

الشّرْحُ :

مُنِيتُ ، أي بُليتُ . وتُحْمِشكم : تُغْضِبُكم ، أحمشه أي أغضبه . والمستصرِخ : المستنصر . والمتغوّث : القائل : واغوثاه!
والجَرْجرة : صوت يردِّده البعير في حَنْجَرته ؛ وأكثرُ ما يكون ذلك عند الإعياء والتعب . والجمل الأسَرّ : الذي بِكِرْكِرَتِهِ دَ بَرة ۱ . والنِّضو : البعير المهزول . والأدْبَر : الذي به دَبَر ؛ وهو المعقور من القَتَب وغيره .
هذا الكلام خَطَب به أميرُ المؤمنين عليه السلام في غارة النّعمان بن بشير الأنصاريّ ۲ على عَيْن التـَّمْر ۳ .

1.الكركرة ، بالكسر : زور البعير . والدبرة : قرحة الدابة . والأدبر : في ظهره جرح وقرح الحميّة : الأنفة والنخوة والمروءة .

2.النعمان بن بشير الأنصاري ، ولد في السنة الأُولى للهجرة . كان من جملة من لم يبايع عليا ، كان عثماني الهوى وكان انتهازيا مرتزقا ، وعندما قتل عثمان ، أخذ قميصه وأصابع زوجته نائلة وباعها إلى معاوية . وعلّقهما معاوية ليستثير أهل الشام . أغار على عين التمر بأمر من معاوية ، وهزم فيها أمام مالك بن كعب . كافأه معاوية بولاية الكوفة عام ۵۹ ه . قتل عام ۶۵ .

3.روى الطبري في تاريخه ۵ : ۱۰۶ عن أبي مخنف ، أنّ هذه الخطبة خطب بها الإمام عليه السلام بعد فتح مصر وقتل محمد بن أبي بكر . كما روى ذلك الثقفي في (غاراته) ۱ : ۲۹۵ ـ ۲۹۶ . وهذا هو الراجح . وأما خطبته عليه السلام في غارة النعمان على عين التمر فشيء آخر . الغارات ۲ : ۴۵۱ ، وانظر : نهج الصباغة للتستري ۱۰ : ۵۵۴ وما بعدها .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 147305
صفحه از 712
پرینت  ارسال به