بِنَصْرِكُمْ رَبَّكُمْ ؟ أَمَا دِينٌ يَجْمَعُكُمْ ، وَلاَ حَمِيَّةَ تُحْمِشُكُمْ ! أَقُومُ فِيكُمْ مُسْتَصْرِخا ، وَأُنَادِيكُمْ مُتَغَوِّثا ، فَلاَ تَسْمَعُونَ لِي قَوْلاً ، وَلاَ تُطِيعُونَ لِي أَمْرا ، حَتَّى تَكَشَّفَ الْأُمُورُ عَنْ عَوَاقِبِ الْمَساءَةِ ، فَمَا يُدْرَكُ بِكُمْ ثَارٌ ، وَلاَ يُبْلَغُ بِكُمْ مَرَامٌ .
دَعَوْتُكُمْ إِلَى نَصْرِ إِخْوَانِكُمْ فَجَرْجَرْتُمْ جَرْجَرَةَ الْجَمَلِ الْأَسَرِّ ، وَتَثَاقَلْتُمْ تَثَاقُلَ الْنِّضْوِ الْأدْبـَرِ ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَىَّ مِنْكُمْ جُنَيْدٌ مُتَذَائِبٌ ضَعِيفٌ (كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ) .
قال الرضي رحمه الله :
قوله عَليه السَّلام : «مُتَذَائِبٌ» أي مَضْطَرِب ، مِن قولهم : تَذَاءَبَتِ الرِّيحُ ، أي اضْطَربَ هُبُوبهَا ، وَمنه سُمِّيَ الذِّئْب ذِئْبا ، لاِضْطِرابِ مشْيَته .
الشّرْحُ :
مُنِيتُ ، أي بُليتُ . وتُحْمِشكم : تُغْضِبُكم ، أحمشه أي أغضبه . والمستصرِخ : المستنصر . والمتغوّث : القائل : واغوثاه!
والجَرْجرة : صوت يردِّده البعير في حَنْجَرته ؛ وأكثرُ ما يكون ذلك عند الإعياء والتعب . والجمل الأسَرّ : الذي بِكِرْكِرَتِهِ دَ بَرة ۱ . والنِّضو : البعير المهزول . والأدْبَر : الذي به دَبَر ؛ وهو المعقور من القَتَب وغيره .
هذا الكلام خَطَب به أميرُ المؤمنين عليه السلام في غارة النّعمان بن بشير الأنصاريّ ۲ على عَيْن التـَّمْر ۳ .
1.الكركرة ، بالكسر : زور البعير . والدبرة : قرحة الدابة . والأدبر : في ظهره جرح وقرح الحميّة : الأنفة والنخوة والمروءة .
2.النعمان بن بشير الأنصاري ، ولد في السنة الأُولى للهجرة . كان من جملة من لم يبايع عليا ، كان عثماني الهوى وكان انتهازيا مرتزقا ، وعندما قتل عثمان ، أخذ قميصه وأصابع زوجته نائلة وباعها إلى معاوية . وعلّقهما معاوية ليستثير أهل الشام . أغار على عين التمر بأمر من معاوية ، وهزم فيها أمام مالك بن كعب . كافأه معاوية بولاية الكوفة عام ۵۹ ه . قتل عام ۶۵ .
3.روى الطبري في تاريخه ۵ : ۱۰۶ عن أبي مخنف ، أنّ هذه الخطبة خطب بها الإمام عليه السلام بعد فتح مصر وقتل محمد بن أبي بكر . كما روى ذلك الثقفي في (غاراته) ۱ : ۲۹۵ ـ ۲۹۶ . وهذا هو الراجح . وأما خطبته عليه السلام في غارة النعمان على عين التمر فشيء آخر . الغارات ۲ : ۴۵۱ ، وانظر : نهج الصباغة للتستري ۱۰ : ۵۵۴ وما بعدها .