الناس خلافا في ذلك ؛ اللهم إلاّ أنْ يطلق هاتان اللفظتان على مسمّى الإرادة والكراهية ؛ على سبيل المجاز .
النوع العاشر : في أنّ الباري تعالى غير متناهي الذات . قالت المعتزلة : لما كان الباري تعالى ليس بجسم ولا جسمانيّ ، وكانت النهاية من لواحق الأشياء ذوات المقادِير ؛ يقال : هذا الجسم متناهٍ ، أي ذو طَرَفٍ .
النوع الحادي عشر : في أ نّه تعالى لا تصحّ رؤيته . قالت المعتزلة : رؤية الباري تعالى مستحيلة في الدنيا والآخرة . وقالت الكرامية والحنابلة والأشعرية : تصحّ رؤيته ويرى في الآخرة ، يراه المؤمنين . (وقالت الإمامية : إنه تعالى لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار) .
فهذه الأنواع الأحد عشر هي الأقوال والمذاهب التي يشتمل عليها قوله عليه السلام بنفي التشبيه عليها ، وسيأتي من كلامه عليه السلام في نفي التشبيه ما هو أشد تصريحاً من الألفاظ التي شرحناها .
الفصل الخامس
بيان أن الجاحد لإثباته مكابرٌ بلسانه ، ومثبت لها بقلبه
وهو معنى قوله عليه السلام : « فهو الذي تَشهد له أعلام الوجود ، على إقرار قلب ذي الجحود » .
لا شبهة في أنّ العلم بافتقار المتغيّر إلى المغيّر ضروريّ ، والعلم بإنّ المتغير ليس هو المغيّر إمّا أن يكون ضروريا أو قريبا من الضروريّ ، فإذا قد شهدت أعلام الوجود على أنّ الجاحد لإثبات الصانع ، إنما هو جاحد بلسانه لا بقلبه ؛ لأنّ العقلاء لا يجحدون الأوليات بقلوبهم ، وإن كابروا بألسنتهم ؛ ولم يذهب أحدٌ من العقلاء إلى نفي الصانع سبحانه .
وأمّا القائلون بأنّ العالم وجد عن طبيعة ، وأنّ الطبيعة هي المدبّرة له ، والقائلون بتصادم الأجزاء في الخَلاء الذي لا نهاية له ؛ حتى حَصَل منها هذا العالم ، والقائلون بأنّ أصل العالم وأساس بنيته هو النّور والظلمة ، والقائلون بأنّ مبادئ العالم هي الأعداد المجرّدة ، والقائلون بالهَيُولَى القديمة ؛ التي منها حَدَث العالم ، والقائلون بِعشْق النفس للهَيُولى ؛ حتى تكوّنت منها هذه الأجسام ؛ فكلّ هؤلاء أثبتوا الصانع ، وإنما اختلفوا في ماهيته وكيفية فعله .