الخطب في عصور متأخرة ، وضرب على ذلك المثل بالتفاوت بين ما بأيدينا من عهد الإمام عليه السلام لمالك الاشتر ، وبين ما وُجد منه في نسخة كتبت للسلطان بايزيد منذ خمسمئة عام ، فوجد أنّ نسخة النهج أبسط وأطول من نسخة السلطان با يزيد المخطوطة سنة 858 ه ، فاستنتج من ذلك أنّ هذه الزيادة إنما حدثت من سنة 858 ه إلى زمن طبع نسخة النهج في مصر أو بيروت سنة 1307 ه ، وبنى على هذا الأمر تشكيكه .
هذا التشكيك لا اعتبار له بعد وجود نسخ مقروءة على جامعها الشريف الرضي نفسه كتبت سنة 400 ه ، وموقّع عليها بقلمه ، ومتلقاة منه يداً بيد ، وعصراً بعد عصر ، وهي على وفق ما بأيدينا من النسخ ، ولو كان فيها إقحام أو زيادة لنبّه على ذلك الشرّاح على كثرتهم ، كشرح ابن أبي الحديد (656 ه) الذي فيه النص كاملاً على الصورة الموجودة في النسخة المطبوعة ، وكذا شرح الفيلسوف العارف ابن ميثم البحراني (679 ه) . ومن هذا كله يتضح أنّ نسخة السلطان با يزيد إمّا مختصرة من نسخة النهج ، أو أنها نُسخت على رواية اُخرى ، وما أكثر المصادر التي تروي كلام الإمام عليه السلام .
وأما دعوى اختلاق السيد الشريف الرضي للنهج ووضعه له : كلام لا يمكن أن يصدر من عارف بتاريخ الشريف وخلقه ، وورعه وكماله ووثاقته . وبعده عن التعصّب المذهبي ، ورتبته من العلم والأدب ، ومكانته الاجتماعية وما كتبه عنه المؤرخون والمترجمون أكثر مما ذكرنا من حميد الخصال وجليل الفعال ، هذه الصفات تأبى عليه أن يتجاوزها فيختلق وينسب إلى الإمام عليه السلام ما ليس له . فهذا الرجل فوق التهم والظنون .
ثم ، لماذا كلّ هذا الإيثار من السيد الرضي ؟ فهلاّ نسب النهج لذاته ليسجّل نفسه في مصافِّ عظماء التاريخ واُدبائهم ؟! إذن فالنهج نهج الإمام عليه السلام ، لكنّ الأقلام المنكوسة الحاقدة هي التي ألصقت بالشريف تهمة الوضع والخيانة والدس ، وبالإمام عليه السلام تهمة العجز والقصور ، وحاشاه صلوات اللّه عليه .
مضافاً إلى ما ذكرنا ، فإنّ الكثير من الكتب التأريخية ، والحديثية المعروفة قبل زمان الرضي ، قد تناولت كثيراً من نصوص النهج كاليعقوبي ، والطبري ، والكليني ، والنجاشي ، والجاحظ ، وغيرهم عشرات من أمثالهم .
وهناك من المحدِّثين والمؤرخين من جمع كلام الإمام أو خطبه أو قسماً منها ، وقد ذهب