21
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

الخطب في عصور متأخرة ، وضرب على ذلك المثل بالتفاوت بين ما بأيدينا من عهد الإمام عليه السلام لمالك الاشتر ، وبين ما وُجد منه في نسخة كتبت للسلطان بايزيد منذ خمسمئة عام ، فوجد أنّ نسخة النهج أبسط وأطول من نسخة السلطان با يزيد المخطوطة سنة 858 ه ، فاستنتج من ذلك أنّ هذه الزيادة إنما حدثت من سنة 858 ه إلى زمن طبع نسخة النهج في مصر أو بيروت سنة 1307 ه ، وبنى على هذا الأمر تشكيكه .
هذا التشكيك لا اعتبار له بعد وجود نسخ مقروءة على جامعها الشريف الرضي نفسه كتبت سنة 400 ه ، وموقّع عليها بقلمه ، ومتلقاة منه يداً بيد ، وعصراً بعد عصر ، وهي على وفق ما بأيدينا من النسخ ، ولو كان فيها إقحام أو زيادة لنبّه على ذلك الشرّاح على كثرتهم ، كشرح ابن أبي الحديد (656 ه) الذي فيه النص كاملاً على الصورة الموجودة في النسخة المطبوعة ، وكذا شرح الفيلسوف العارف ابن ميثم البحراني (679 ه) . ومن هذا كله يتضح أنّ نسخة السلطان با يزيد إمّا مختصرة من نسخة النهج ، أو أنها نُسخت على رواية اُخرى ، وما أكثر المصادر التي تروي كلام الإمام عليه السلام .
وأما دعوى اختلاق السيد الشريف الرضي للنهج ووضعه له : كلام لا يمكن أن يصدر من عارف بتاريخ الشريف وخلقه ، وورعه وكماله ووثاقته . وبعده عن التعصّب المذهبي ، ورتبته من العلم والأدب ، ومكانته الاجتماعية وما كتبه عنه المؤرخون والمترجمون أكثر مما ذكرنا من حميد الخصال وجليل الفعال ، هذه الصفات تأبى عليه أن يتجاوزها فيختلق وينسب إلى الإمام عليه السلام ما ليس له . فهذا الرجل فوق التهم والظنون .
ثم ، لماذا كلّ هذا الإيثار من السيد الرضي ؟ فهلاّ نسب النهج لذاته ليسجّل نفسه في مصافِّ عظماء التاريخ واُدبائهم ؟! إذن فالنهج نهج الإمام عليه السلام ، لكنّ الأقلام المنكوسة الحاقدة هي التي ألصقت بالشريف تهمة الوضع والخيانة والدس ، وبالإمام عليه السلام تهمة العجز والقصور ، وحاشاه صلوات اللّه عليه .
مضافاً إلى ما ذكرنا ، فإنّ الكثير من الكتب التأريخية ، والحديثية المعروفة قبل زمان الرضي ، قد تناولت كثيراً من نصوص النهج كاليعقوبي ، والطبري ، والكليني ، والنجاشي ، والجاحظ ، وغيرهم عشرات من أمثالهم .
وهناك من المحدِّثين والمؤرخين من جمع كلام الإمام أو خطبه أو قسماً منها ، وقد ذهب


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
20

يعلم برهان ما أشرنا إليه من ذلك ، فلينعم النظر في كتابنا الذي ألفناه ووسمناه بـ (نهج البلاغة) ، وجعلناه يشتمل على مختار جميع الواقع إلينا من كلام أميرالمؤمنين عليه السلام » ۱ .
وكتابه (المجازات النبوية) حيث قال فيه : « ... وقد ذكرنا ذلك في كتابنا الموسوم بـ (نهج البلاغة) الذي أوردنا فيه مختار جميع كلامه صلّى اللّه عليه وسلّم وعلى الطاهرين من أولاده » ۲ .
وبعد هذا فإنّ تشكيك ابن خلكان وأضرابه لا اعتبار له ، بخاصة بعد قول المسعودي (346 ه) : « ... والذي حفظ الناس عنه من خطبه في سائر مقاماته أربعمئة خطبة ، ونيّف وثمانون خطبة ، يوردها على البديهة ، تداول الناس ذلك عنه قولاً وعملاً ... » ۳ .
وقول اليعقوبي أحمد بن إسحاق العباسي (بعد 292 ه) في كتابه (مشاكلة الناس لزمانهم) : « وحفظ الناس عنه الخطب ، فإنّه خطب بأربعمئة خطبة ، حفظت عنه ، وهي التي تدور بين الناس ، ويستعملونها في خطبهم ... » ۴ ، ونحو ذلك قول عبد الحميد الكاتب (132 ه) ، وقول ابن نباته (374 ه) ، وغيرهما .
وواضح أنّ نهج البلاغة لا يشتمل على هذا العدد ، بل الذي ضمه بين دفتيه حدود 240 خطبة ، 79 كتاباً ، وهو دون ما ذكروه بكثير .
وربما كان منشأ الشك في نسبته إلى أخيه المرتضى ، هو تلقيب بعض المؤرخين له بالمرتضى ، تعريفاً له بلقب جدّه إبراهيم ، ثم تفرّد الرضي بلقبه هذا واشتهر به بعد أن اختير نقيباً للهاشميين .
كما أنّ تشكيك يعقوب صرّوف صاحب (المقتطف) ۵ في مقالة تحت عنوان (عهد الإمام وكتاب السلطان با يزيد الثاني) ، بأنّ نهج البلاغة كلّه مظنون ، وقد اُقحم فيه بعض

1.حقائق التأويل ، الشريف الرضي ، شرح العلاّمة محمد الرضا آل كاشف الغطاء ، المطبوع الجزء الخامس من الكتاب، ص۱۶۷ مسألة ۱۸، طبعة دارالكتب الإسلامية ـ قم، أو ص۲۸۷ طبعة مؤسسة البعثة ـ طهران ۱۴۰۶ه .

2.المجازات النبوية ، الشريف الرضي ، ص۳۹ ـ ۴۰ ، تحقيق طه محمد الزيني .

3.مروج الذهب ، المسعودي ۲/۴۱۷ ، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ، مطبعة السعادة ، مصر ۱۹۴۸ م .

4.مشاكلة الناس لزمانهم ، ص۱۵ .

5.مجلة المقتطف : المجلد ۴۲ ، ج۳ ص۲۴۸ الصادرة في آذار ۱۹۱۳ م .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 183697
صفحه از 712
پرینت  ارسال به