213
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

العدوَّ به .
قوله : « وقلقلوا السيوف في أغمادها قبل سَلّها » ، يوم الحرب ؛ لئلاّ يدومَ مكثها في الأجفان فتلحج فيها فيستصعب سلّها وقت الحاجة إليها .
وقوله : « والحظُوا الخَزْر » ، الخزْر أن ينظرُ الإنسان بعينه ، وكأنه ينظر بمؤخِرها وهي أمارة الغضب ، والذي أعرفه « الخَزَر » بالتحريك . فإن كان قد جاء مسكّنا فتسكينه جائز للسجعة الثانية ، وهي قوله : « واطعنوا الشَّزْر » . والطعن شَزْرا ، هو الطَّعْن عن اليمين والشمال ، ولا يسمَّى الطعن تجاه الإنسان شَزْرا . وأكثر ما تستعمل لفظة « الشَّزْر » في الطعن، لما كان عن اليمين خاصة ، وكذلك إدارة الرحى . وخَزْراً وشزراً ، صفتان لمصدرين محذوفين ، تقديره : الحظوا لحظاً خزْراً ، واطعُنوا طَعْنا شزرا ، وعينُ « اطعُنوا » مضمومة ، يقال : طعنت بالرمح أطعُن ، بالضم ، وطعنت في نسبه أطعَن ، بالفتح ، أي قدحت .
قوله : « نافحوا بالظبا » أي ضاربوا نَفْحة بالسيف ، أي ضربة ، ونفحَتِ الناقة برجلها ، أي ضربت . والظُّبا : جمع ظُبَة ، وهي طَرَف السيف .
قوله : « وصلوا السيوف بالخطا » مثل قول الشاعر :

إذا قَصُرَتْ أسْيَافُنَا كانَ وَصْلُهَاخُطانا إلى أعدائِنا فَنُضارِبِ
قوله عليه السلام : « واعلموا أنكم بعين اللّه » أي يراكم ويعلم أعمالكم ، والباء هاهنا كالباء في قوله : « أنت بمرأى منى ومسمع » .
قوله : « فعاودوا الكرّ » أي إذا كررتم على العدوّ كرَّة فلا تقتصروا عليها ، بل كرّوا كرّة أُخرى بعدها ، ثم قال لهم : « واستحيوا من الفرار ، فإنه عار في الأعقاب » ، أي في الأولاد ، فإنّ الأبناء يعيّرون بفرار الآباء . ويجوز أن يريد بالأعقاب جمع عَقِب ؛ وهو العاقبة وما يؤول إليه الأمر ، قال سبحانه : « خَيْرٌ ثَوَابا وَخَيْرٌ عُقْبا »۱ ، أي خير عاقبة ، فيعني على هذا الوجه أنّ الفرار عارٌ في عاقبة أمركم ، وما يتحدّث به الناس في مستقبل الزمان عنكم . ثم قال : « ونار يوم الحساب » ؛ لأنّ الفِرَار من الزحف ذنب عظيم ، والجهاد بين يدي الإمام كالجهاد بين يدي رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم .
قوله عليه السلام : « وطِيبُوا عن أنفسِكم نَفْسا » ، يقول : وطّنُوا أنفسَكم على الموت ولا تكرهوه ، وهوّنوه عليكم ، تقول : طِبْتُ عن مالي نَفْسا ، إذا هَوّنت ذهابه .

1.سوره الكهف ۴۴ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
212

بِالْخُطَا .
وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ بِعَيْنِ اللّهِ ، وَمَعَ ابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللّهِ . فَعَاوِدُوا الْكَرَّ ، وَاسْتَحْيُوا مِنَ الْفَرِّ ، فَإِنَّهُ عَارٌ فِي الْأَعْقَابِ ، وَنَارٌ يَوْمَ الْحِسَابِ . وَطِيبُوا عَنْ أَنْفُسِكُمْ نَفْسا ، وَامْشُوا إِلَى الْمَوْتِ مَشْيا سُجُحا ، وَعَلَيْكُمْ بِهـذَا السَّوَادِ الْأَعْظَمِ ، وَالرَّوَاقِ المُطَنَّبِ ، فَاضْرِبُوا ثَبَجَهُ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ كَامِنٌ فى كِسْرِهِ ، وَقَدْ قَدَّمَ لِلْوَثْبَةِ يَدا ، وَأَخَّرَ لِلنُّكُوصِ رِجْلاً .
فَصَمْدا صَمْدا ! حَتَّى يَنْجَلِيَ لَكُمْ عَمُودُ الْحَقِّ ؛ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ ، وَاللّهُ مَعَكُمْ ، وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ .

الشّرْحُ :

قوله : « استَشْعروا الخشْية » ، أي اجعلوا الخوْفَ من اللّه تعالى من شعاركم ؛ والشِّعَار من الثياب : ما يكون دون الدِّثار ، وهو يلِي الجلد ؛ وهو ألصق ثياب الجسد ؛ وهذه استعارة حَسَنة ، والمراد بذلك أمرُهم بملازمة الخشية والتقوى ، كما أنّ الجلد يلازم الشِّعار .
قوله : « وتجَلْبَبُوا السكينة » أي اجعلوا السَّكِينة والحلم والوقار جِلْبابا لكم ، والجلباب الثوب المشتمِل على البدن .
قوله : « وعضُّوا على النواجذ » جمع ناجذ ، وهو أقصى الأضراس ، ويقال : إن العاضّ على نواجذه ينبُو السيف عن هامته نبوّاً ما ، وهذا مما يساعد التعليلُ الطبيعي عليه .
وقوله : « فإنّه أنبَى » ، الضمير راجع إلى المصدر الذي دلّ الفعل عليه ، تقديره : فإنّ العَضّ أنبَى ؛ كقولهم : مَنْ فعل خيرا كان له خيرا ، أي كان فعله خيرا ، وأنبَى « أفعل » ، من نبا السيفُ ، إذا لم يقطع .
قال الراونديّ : هذا كلام ليس على حقيقته ، بل هو كناية عن الأمر بتسكين القلْب وترك اضطرابه واستيلاء الرِّعْدة عليه ، إلى أن قال : ذلك أشدّ إبعادا لسيْف العدوّ عن هامتكم .
قوله : « وأكْمِلوا اللأمة » ، واللأمة ، بالهمزة : الدِّرع ، والهمزة ساكنة على « فَعلة » ، مثل النأْمة للصوت ، وإكمالها أن يزاد عليها البَيْضة والسواعد ونحوها ؛ ويجوز أن يعبّر باللّأمة عن جميع أداة الحرب ، كالدِّرع والرمح والسيف ، يريد : أكملوا السلاحَ الذي تحاربون

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 183352
صفحه از 712
پرینت  ارسال به