221
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

وإنما استنجَد بأهْل الكوفة على أهل البصرة ، اضطرارا إليهم ؛ لأ نّه لم يكن جيشُه الحجازيّ وافيا بأهل البصرة الذين أصفقوا على حَرْبه ونكْث بيعته ، ولم يكن خروجه عن المدينة ـ وهي دار الهجرة ـ ومفارقته لقبر رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلموقبرِ فاطمة عن إيثارٍ ومحبّة ؛ ولكنّ الأحوال تحكم وتسوقُ الناس إلى ما لا يختارونه ابتداء .
وقد روي هذا الكلام على وجه آخر : « ما أتيتكم اختيارا ، ولا جئت إليكم شوقا » بالشين المعجمة . ثم قال : « بلغني أنكم تقولون : يكذب » ؛ وكان كثيرا ما يخبر عن الملاحم والكائنات ويومئ إلى أُمور أخبره بها رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، فيقول المنافقون من أصحابه : يكذب كما كان المنافقون الأوّلون في حياة رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم يقولون عنه : يكذب . ثم قال : « عَلَى مَنْ أكذِب ؟ » يقول : كيف أكذب على اللّه وأنا أوّل المؤمنين به ؟ وكيف أكذب على رسول اللّه وأنا أول المصدِّقين به ! أخرجه مخرج الاستبعاد لدعواهم وزعمهم . ثم قال عليه السلام : « كلاّ واللّه » ، أي لا واللّه . وقيل : إن « كلاّ » بمعنى « حقّا » وإنه إثبات .
قال : « ولكنها لهجة غِبْتُم عنها » ، اللهجَة ، بفتح الجيم ؛ وهي آل النطق ؛ يقال له : هو فصيح اللهجة ، وصادق اللهجة . ويمكن أن يعنَى بها لهجة رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، فيقول : « شهدت وغبتم » . ويمكن أن يعنى بها لهجتَه هو ؛ فيقول : إنها لهجة غبتم عن منافعها ، وأعدمتم أنفسكم ثمن مناصحتها .
ثم قال : « ويلمّه » الضمير راجع إلى ما دلّ عليه معنى الكلام من العلم ؛ لأ نّه لما ذكر اللّهجة وشهودَه إياها وغيْبوبتهم عنها دلّ ذلك على علمٍ له خصّه به الرسول عليه السلام . فقال : « ويلمّه » ، وهذه كلمة تقال للتعجّب والاستعظام ؛ يقال : « ويلمّه فارسا ! » وتكتب موصولة كما هي بهذه الصورة ، وأصله « ويل أُمّه » مرادهم التعظيم والمدح ، وإن كان اللفظ موضوعا لضدّ ذلك .
ثم قال عليه السلام : « كيلاً بغير ثمن لو كان له وعاء » ، انتصب « كيلا » لأ نّه مصدر في موضع الحال ، ويمكن أن ينتصب على التمييز ، كقولهم : للّه دره فارساً ! يقول : أنا أكِيلُ لكم العلم والحكمة كيْلا ولا أطلب لذلك ثمنا لو وجدت وعاء ! أي حاملاً للعلم ؛ وهذا مثل قوله عليه السلام : ها إنّ بين جنبيّ علماً جمّاً لو أجِد له حَمَلةً!
ثم ختم الفصلَ بقوله تعالى : « وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ » ؛ وهو أحسن ما خُتمَ هذا الكلام به .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
220

70

الأصْلُ :

۰.ومن كلام له عليه السلام في ذم أهل العراقأَمَّا بَعْدُ يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ ، فَإِنَّمَا أَنْتُمْ كَالْمَرْأَةِ الْحَامِلِ ، حَمَلَتْ فَلَمَّا أَتَمَّتْ أَمْلَصَتْ ، وَمَاتَ قَيِّمُهَا ، وَطَالَ تَأَيُّمُهَا ، وَوَرِثَهَا أَبْعَدُهَا .
أَمَا وَاللّهِ مَا أَتَيْتُكُمْ اخْتِيَارا ؛ وَلكِنْ جِئْتُ إِلَيْكُمْ سَوْقا . وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تَقُولُونَ : عَلِيٌّ يَكْذِبُ ، قَاتَلَكُمُ اللّهُ تَعَالَى ! فَعَلى مَنْ أَكْذِبُ ؟ أَعَلَى اللّهِ ؟ فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِهِ ! أَمْ عَلَى نَبِيِّهِ ؟ فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ صَدَّقَ بِهِ !
كَلاَّ وَاللّهِ ، لكِنَّهَا لَهْجَةٌ غِبْتُمْ عَنْهَا ، وَلَمْ تَكُونُوا مِنْ أَهْلِهَا . وَيْلُ امِّهِ كَيْلاً بِغَيْرِ ثَمَنٍ ! لَوْ كَانَ لَهُ وِعَاءٌ . وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ !

الشّرْحُ :

أملصتِ الحامل : ألقتْ ولدها سقاطاً . وقيّمها : بعلها . وتأيّمها : خلوّها عن الأزواج ؛ يقول : لما شارفتم استئصالَ أهل الشام ، وظهرت أمارات الظّفر لكم ، ودلائل الفتح ، نكصتُم وجنحتم إلى السّلْم والإجابة إلى التحكيم عند رفع المصاحف ؛ فكنتم كالمرأةِ الحامل لما أتمّت أشهرَ حَمْلِها ألقت ولدها إلقاءَ غير طبيعيّ ؛ نحو أن تلقيَه لسقطةٍ أو ضربة أو عارض يقتضي أن تلقِيَه هالكاً .
ثم لم يكتف لهم بذلك ، حتى قال : « ومات بعلُها ، وطال تأيّمها ، وورثها أبعدها » ، أي لم يكن لها ولد وهو أقربُ المخلفين إلى الميت ، ولم يكن لها بَعْلٌ فورثها الأباعد عنها ، كالسافلين من بني عمّ ، وكالمولاة تموت من غير ولد ولا من يجري مجراه ، فيرثُها مولاها ولا نَسب بينها وبينه . ثم أقسم أنه لم يأتهم اختيارا ، ولكنّ المقاديرَ ساقته إليهم سَوْقا ، يعني اضطرارا . وصدقَ عليه السلام ؛ لأ نّه لولا يوم الجمل لم يحتَجْ إلى الخروج من المدينة إلى العراق ،

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 152526
صفحه از 712
پرینت  ارسال به