223
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

قوله : « وداعم المسموكات » ، أي حافظ السموات المرفوعات ؛ دعمتُ الشيء إذا حفظتَه من الهُوِيّ بدِعامة ، والمسموك : المرفوع . ويجوز أن يكون عَنَى بكونها مسموكة كونَها ثخينة . وسُمْك الجسم هو البعد الذي يعبّر عنه المتكلّمون بالعمْق .
فإن قلتَ : كيف قال : إنه تعالَى دعمَ السماوات وهي بغير عَمد؟
قلت : إذا كان حافظا لها من الهويّ بقدرته وقوّته فقد صدق عليه كونُه داعما لها ؛ لأنّ قوته الحافظة تجري مجرى الدعامة .
قوله : « وجابل القلوب » أي خالقها ، والجَبْل الخَلْق ، وجِبِلّة الإنسان : خِلْقَتُه ، وفِطراتها : بكسر الفاء وفتح الطاء : جمع فِطْرة ويجوز كسر الطاء ، كما قالوا في سِدْرة : سِدَرات وسِدِرات ، والفِطْرة : الحالة التي يفطِر اللّه عليها الإنسان ، أي يخلقه عليها خاليا من الآراء والديانات والعقائد والأهوية ؛ وهي ما يقتضيه محض العقل ؛ وإنما يختار الإنسان بسوء نظره ما يُفْضِي به إلى الشقوة ؛ وهذا معنى قول النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم : « كلّ مولود يُولدُ على الفطرة ، فإنما أبواه يهوّدانه أو ينصّرانه » .
قوله : « شقيّها وسعيدها » بَدَل من القلوب ، وتقدير الكلام : وجابل الشقيّ من القلوب والسعيد على ما فُطِرت عليه . والنوامي : الزوائد . والخاتم لما سبق ؛ أي لما سبق من المِلَل . والفاتح لما انغلق من أمر الجاهلية . والمعلن الحقّ بالحقّ ، أي المظهر للحقّ الذي هو خلاف الباطل بالحقّ ، أي بالحرب والخصومة ؛ يقال : حاقّ فلان فلانا فحقَّه ، أي خاصمه فَخصمَه . ويقال : ما فيه حقّ أي خصومة .
قوله : « والدافع جيْشات الأباطيل » ، جمع جَيْشة ، من جاشت القدر إذا ارتفع غَلَيانُها . والأباطيل : جمع باطل على غير قياس ؛ والمراد أ نّه قامع ما نجم من الباطل . والدامغ : المهلك ، من دَمَغه أي شجّه حتى بلغ الدماغ ؛ ومع ذلك يكون الهلاك . والصّولات : جمع صوْلة وهي السطوة . والأضاليل : جمع ضلال على غير قياس . قوله : « كما حُمّل » ، أي لأجل أنه يحمل . وقوله : « كما حمّل » يعني حَمَل أعباء الرسالة . فاضطلع ، أي نهض بها قويّا ؛ فرس ضَليع أي قويّ ؛ وهي الضلاعة ، أي القوة . مستوفزا ، أي غير بطيء ، بل يحثُّ نفسَه ويُجْهدها في رضا اللّه سبحانه ، والوفز : العَجَلة ، والمستوفز : المستعجل . غير نَاكلٍ عن قُدُم ، أي غير جبان ولا متأخّر عن إقدام ، والمقدام : المتقدّم ؛ يقال مَضَى قُدُما أي تَقدّم وسار ولم يعرّج .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
222

71

الأصْلُ :

۰.ومن خطبة له عليه السلام علّم فيها الناس الصلاة على النبيّ صلى الله عليه و آلهاللَّهُمَّ دَاحِيَ الْمَدْحُوَّاتِ ، وَدَاعِمَ الْمَسْمُوكَاتِ ، وَجَابِلَ الْقُلُوبِ عَلَى فِطْرَتِهَا : شَقِيِّهَا وَسَعِيدِهَا ؛ اجْعَلْ شَرَائِفَ صَلَوَاتِكَ ، وَنَوَامِيَ بَرَكَاتِكَ ، عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ الْخَاتِمِ لِمَا سَبَقَ ، وَالْفَاتِحِ لِمَا انْغَلَقَ ، وَالْمُعْلِنِ الْحَقَّ بِالْحَقِّ ، وَالدَّافِعِ جَيْشَاتِ الْأَبَاطِيلِ ، وَالدَّامِغِ صَوْلاَتِ الْأَضَالِيلِ ، كَمَا حُمِّلَ فَاضْطَلَعَ ، قَائِما بِأَمْرِكَ ، مُسْتَوْفِزا فِي مَرْضَاتِكَ ، غَيْرَ نَاكِلٍ عَنْ قُدُمٍ ، وَلاَ وَاهٍ في عَزْمٍ ، وَاعِيا لِوَحْيِكَ ، حَافِظا لَعَهْدِكَ ، مَاضِيا عَلَى نَفَاذِ أَمْرِكَ ؛ حَتَّى أَوْرَى قَبَسَ الْقَابِسِ ، وَأَضَاءَ الطَّرِيقَ لِلْخَابِطِ ، وَهُدِيتْ بِهِ الْقُلُوبُ بَعْدَ خَوْضَاتِ الْفِتَنِ وَالآثَامِ ، وَأَقَامَ بِمُوضِحَاتِ الْأَعْلاَمِ ، وَنَيِّرَاتِ الْأَحْكَامِ ، فَهُوَ أَمِينُكَ الْمَأْمُونُ ، وَخَازِنُ عِلْمِكَ الْمَخْزُونِ ، وَشَهِيدُكَ يَوْمَ الدِّينِ ، وَبَعِيثُكَ بِالْحَقِّ ، وَرَسُولُكَ إِلَى الْخَلْقِ .
اللَّهُمَّ افْسَحْ لَهُ مَفْسَحا فِي ظِلِّكَ ؛ وَاجْزِهِ مُضَاعَفَاتِ الْخَيْر مِنْ فَضْلِكَ .
اللَّهُمَّ وَأَعْلِ عَلَى بِنَاءِ الْبَانِينَ بِنَاءَهُ ، وَأَكْرِمْ لَدَيْكَ مَنْزِلَتَهُ ، وَأَتْمِمْ لَهُ نُورَهُ ، وَاجْزِهِ مِنْ ابْتِعَاثِكَ لَهُ مَقْبُولَ الشَّهَادَةِ ، مَرْضِيِّ الْمَقَالَةِ ، ذَا مَنْطِقٍ عَدْلٍ ، وَخُطْبَةٍ فَصْلٍ .
اللَّهُمَّ اجْمَعْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فِي بَرْدِ الْعَيْشِ وَقَرَارِ النِّعْمَةِ ، وَمُنَى الشَّهَوَاتِ ، وَأَهْوَاءِ اللَّذَّاتِ ، وَرَخَاءِ الدَّعَةِ ، وَمُنْتَهَى الطُّمَأْنِينَةِ ، وَتُحَفِ الْكَرَامَةِ .

الشّرْحُ :

دَحَوْتُ الرَّغيف دَحْوا : بسطَته ؛ والمدحُوّات هنا : الأرضون . وداحي المدحُوّات ، يَنتصب لأ نّه منادى مضاف ، تقديره : يا باسط الأرضين المبسوطات .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 147384
صفحه از 712
پرینت  ارسال به